المحتوى الرئيسى

التمساح أبو سلسلة

08/20 22:18

طوله كان يصل إلى 12 مترا ووزنه يزيد على 1500 كجم. عرف سكان المنطقة الواقعة ما بين وادى حلفا وأبو سمبل أو بالأحرى أصحاب المراكب التى كانت تمر من هناك، حكاية التمساح أبو جنزير أو أبو سلسلة، كما كانوا يلقبونه. قبل الانتهاء من بناء السد العالى، ونحو سنة قبل الشروع فى نقل معبد أبو سمبل إلى مكانه الحالى، فوق التل، على الضفة الغربية لبحيرة ناصر، تبادل البحارة روايته وكأنه حيوان خرافى. وكلما مرت السفن إلى جوار شجرة السنط، حيث كان يستلقى على شط النيل، أطلقت صفارة أو اثنتين حتى يراه الزوار والسائحون الذين تعاملوا معه أيضا بوصفه كائنا خرافيا، خاصة حين كانت تستثيره صفارات السفن فيرمى نفسه فى النهر، محدثا أمواجا عاتية تبدد السكون، ويزيد من صخب المياه صوت الجنزير المعلق حول وسطه.

أراد بحارة البوسطة السودانية اصطياده طمعا فى جلده، (تلك المركب التى تصل وادى حلفا بأسوان)، فهدأوا من سرعة الماكينات وانتهزوا فرصة فتحه لفمه حتى ينظف أبو قردان أسنانه وألقوا بقطعة طولية من خشب السنط داخل الفم حتى تغلقه بالضبة والمفتاح، ثم قلبوه على ظهره حتى يشلوا حركة الذيل ــ خط دفاعه الأول ــ وربطوه وراء المركب بجنزير معدنى طوله نحو مترين.

حلم أحد أبناء قبائل البشارية، ربما وقتها، بأن يحصل على عضوه الذكرى أو «حَلل التمساح»، لكى يقوم بتقطيعه وطهيه، هو وأولاد جلدته، فيزيدهم أكله قوة وفحولة، إلا أن التمساح لم ينولهم مرادهم، قاوم وشد الجنزير إلى الخلف، بعكس اتجاه السير، حتى تمكن من الهرب. وظل الجنزير مربوطا حول وسطه، يلازمه حيثما تحرك فى المياه، جنوب خزان أسوان. يخرج فجأة من وسط الخضرة، سابحا نحو تبة الرمال الناعمة التى تكونت حول المعبد فصارت مثل شاطئ رملى، يخرج إليه ليلا، ويبقى فى المياه إذا كانت دافئة وحرارة الجو مرتفعة. تزعجه ضوضاء النهار وتدفعه للهرب إلى القاع، حاملا معه صخب الجنزير.

قبل وجود الخزانات كانت التماسيح تأتى مع الفيضان، مع تيار النهر وشدة الاندفاع. وبعد التعلية الأولى والثانية لخزان أسوان (1912 ــ 1933)، تكونت بحيرة موسمية صغيرة فيما بين أسوان ووادى حلفا، وجدت فيها التماسيح بيئة مناسبة للحياة والتكاثر.

الوضع تغير كثيرا بعد بناء السد العالى وبواباته العملاقة، إلا أن هذا لا يمنع وجود وحدة لرصد التماسيح، تابعة لمحمية وادى العلاقى بأسوان، فتماسيح النيل تعد حجر الزاوية فى النظام البيئى المائى، هذا واقع طبيعى يجب تقبله وفهمه، كما أشياء أخرى كثيرة تتعلق بجغرافيا وسياسات حوض النيل. تحدث فى الأمور أمور تقلب ما تعودنا عليه، وقد يأتى النهر بما لا تشتهى السفن وبما لا يقل غرابة عن حكاية التمساح أبو سلسلة، لكن يبقى الاهتمام بموضوع تأمين منابع النيل هو عصب الاستراتيجية والدبلوماسية المصرية منذ أوائل القرن التاسع عشر، عندما أدخل محمد على زراعة القطن ونظام الرى المستديم.

أخبار الفيضان هذا العام والذى سجل مناسيب قياسية تجاوزت مستويات عامى 1946 و1988، والأمطار الغزيرة التى تسقط على السودان وإثيوبيا لتحاصر عددا من القرى وتجرف ما فى طريقها وتدمر المنازل ذكرتنى بما كان يرويه البعض عن الريف المصرى فى السابق وكيف كانت تغرق البيوت الطينية وتذوب، خلال تمرد النهر السنوى، وذلك قبل بناء السد العالى. وذكرتنى أيضا بحكاية التمساح أبو جنزير التى حدثت بالفعل أو بحواديت أخرى خيالية عن النهر والبحار الغريق وكليوباترا وملوك الفراعنة الذين كانوا يلقون بالمساجين للتماسيح أو يتخذونها آلهة. ذكرتنى بعروس النيل العذراء التى وهبوها قديما للنهر فى عيده، كى يعلو ويفيض فى شهر أغسطس، وبشروط اتفاقية تقسيم المياه لسنة 1959، المكملة لاتفاقية 1929 والتى حددت أن نصيب مصر 55.5 مليار متر مكعب سنويا والسودان 18.5 مليار متر مكعب سنويا.

Comments

عاجل