المحتوى الرئيسى

تطعيم التربة لتحويل الأراضي القاحلة إلى خضراء!

08/20 16:38

يمكن للتربة المأخوذة من نظام بيئي سليم أن تساعد على تجديد التربة المتدهورة.

حقوق الصورة: R. Nichols/USDA NRCS

هل ترغب في جعل ساحتك الجرداء خصبة من جديد؟ الحل بسيط! فقط أضف قليلًا من التربة من مرجٍ مخضرٍّ في منطقتك.

حيث تكشف دراسة جديدة أنَّ إضافة تربة دخيلة – والأهم من ذلك الكائنات الحية الدقيقة التي تحويها – يمكنها أن تحدد نوع النباتات التي ستنمو في التربة المطعّمة مستقبلًا، وإنَّ مثل هذه "التطعيمات" بمقدورها المساعدة على تجديد الأراضي الزراعية البور وتحويل الصحراء إلى واحةٍ خضراء.

ويقول عن هذه الدراسة عالم الأحياء الأساسية في جامعة ديلاوير في نيوارك "هارش بايس" Harsh Bais الذي لم يشارك فيها: "إنَّها دراسة رائعة حقًا، فالتربة قضية هامة".

والتربة ليست بسيطة كما تبدو، فهي تحوي بكتريا وفطريات دقيقة، إضافةً إلى ديدان صغيرة تدعى بالديدان الخيطية nematodes وغيرها من اللافقاريات. ولقد أدرك علماء البيئة منذ وقت طويل أن هذه المجتمعات تحت الأرضية تقيم شراكات هامة مع النباتات التي تنمو بالقرب منها، رغمَ أنَّ كثيرًا من هذه الشراكات مازالت لغزًا.

ولقد أظهرت دراسات محدودة في مجال غازات الدفيئة أن إضافة التربة المناسبة يمكن أن يعزز نمو مجتمع نباتيٍّ محدد، حتى إنَّ بعض الباحثين حاولوا زراعة تربة -استبدال تربة ما بأخرى- للحفاظ على نمو نباتات محددة مهددة بالانقراض.

وهذا الموضوع يمثل حاجة ماسّة عبر العالم، حيث تتحوّل الكثير من الأراضي التي كانت خصبة يومًا ما إلى صحاري، كما تُفقد مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في كل عام. وفوق ذلك، غالبًا ما تخيب محاولات الحكومات أو المنظمات غير الربحية لإعادة الأراضي المعشّبة والغابات والأنظمة البيئية الأخرى المتدهورة سواء بالزراعة أو بالاستخدامات البشرية الأخرى، عدا عن أن الاستعادة بهذه الطرق قد تستغرق عقودًا، وهي في بعض الأحيان تفشل تمامًا.

على إثر ذلك، أملَ عالم البيئة "جاسبر فوبس" E. R. Jasper Wubs في معهد هولندا للعلوم البيئية في فاخينينجن Wageningen أن يتمكَّن من إيجاد طريقة أفضل. لذلك فكر باستخدام 'جرعة محفّزة' ومراقبة ما سيجري، عوضًا عن زراعة كل الأراضي بالتربة، الأمر الذي سيكون مكلفًا بشكل كبير.

لذلك جهَّز جاسبر مع زملائه مجموعة من قطع الأراضي المهجورة مساحتها 2-5 هيكتار من ضمن الأراضي الزراعية المتهورة في هولندا. ثم أزالوا نحو 60 سم من التربة السطحية في جزءٍ محدد من كل قطعة من الأراضي وفي أجزاء أخرى ومدّوا طبقة من التربة بسماكة 1 سم، حيث أُخِذت هذه التربة إما من تلال براحيّة منحدرة – وهي تلال تهيمن عليها الشجيرات البراحية والصغيرة – أو من أراضٍ عشبية. ونثر الباحثون بعد ذلك بذورًا لثلاثين نوع من أصناف نباتاتٍ حصلوا عليها من مواطن متنوعة، وانتظروا لمدة ستة أعوام.

خلال فترة الانتظار، قارن الباحثون المناطق التي نثرت فيها البذور والتي أضيفت إليها طبقة تربة مع تلك التي لم تضف إليها، وذلك ليفحصوا أي الأنواع التي ازدهرت منها. ووفقًا لما ذكره الباحثون في تقريرهم الذي نُشر في مجلة النباتات الطبيعية Nature Plants فلقد كان تأثير مصدر التربة المضافة على النمو كبيرًا. حيث كانت المناطق ذات تربة الأراضي البراحيّة المضافة مغطاةً بالشجيرات القمئية أو القندول (وهي شجيرات بقولية شائكة أزهارها صفراء)، بينما كانت المناطق ذات تربة الأراضي العشبية المضافة ممتلئةً بالأعشاب المختلفة. ولقد جعلت التربة المضافة من الأراضي المنشأة أكثر خصوبةً – فقد وجد الباحثون مزيدًا من الديدان الخيطية والبكتريا والفطريات في تلك الأجزاء من الأراضي. 

كما أن المناطق ذات تربة الأراضي البراحيّة كانت أكثر تنوّعًا من حيث أوليات الذنب (وهي حشرات من شعبة مفصليات الأرجل).

هذا وأبدى الخبراء اندهاشهم وإعجابهم بنتائج هذه الدراسة، فيقول "كزو- شيان زهانغ" Xue-Xian Zhang وهو عالم أحياء دقيقة وبيئي في جامعة ماسي في شمال بالمرستون في نيوزلاندا: "إنَّها أوَّل تجربة من نوعها تجرى على نطاق واسع". وأضاف "نوح فيرير" وهو عالم أحياء دقيقة وبيئي في جامعة كولورادو، في بولدر: "إن قيامهم بتجربة بهذا الحجم أمر مثيرٌ جدًا، وهي إثبات من الواقع بأننا بتغيير التربة يمكننا تغيير الغطاء النباتي".

ووفقًا لعالم الأحياء الدقيقة البيئي "نيكولاس راسكوفان" Nicolás Rascovan من جامعة إكس مرسيليا في فرنسا والذي لم يشارك في هذه الدراسة، فلقد كان تأثير التربة المضافة عظميًا في الأجزاء التي تمت إزالة تربتها السطحية، إلا أنَّ تأثيرها المفيد وصل حتى للأماكن التي وضعت فوق تربتها طبقات بسيطة، وهذا ما يجنبنا الحاجة إلى الإزالة المكلفة للتربة السطحية.

ورغم ذلك، ما زال يلزم الكثير من العمل ليفهم الباحثون بشكل أكبر الآلية التي حصلت بها هذه العملية، وفيما إذا كانت تعمل في المناطق الرطبة تمامًا كما في المناطق الجافة كالأراضي العشبية والأراضي البراحية. ويتسائل فيرير فيما لو لم تكن الأحياء الدقيقة هي العنصر المهم في هذه العملية، بل فقط بعض الكربون العضوي الإضافي – أي المغذيات – أو الخصائص الأخرى في التربة. ويتوقع زهانغ أن لكل من الأحياء الدقيقة وللبذور المنثورة في الترب المضافة دورٌ هام. أما راسكوفان فيفضل أن يتعلم تفاصيل إضافية حول ما حصل تحت الأرض، لذلك فهو يقول: "إنَّ الآليات والعمليات التي حصلت بعد أن تم تطعيم التربة وأدَّت في نهاية المطاف إلى تأسيس مجتمع نباتي محدد ليست واضحةً تمامًا".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل