المحتوى الرئيسى

يوسف القعيد: مصر تتحرك لدعم الصناعات الثقافية الإبداعية

08/20 13:46

تتحرك مصر لدعم الصناعات الثقافية الإبداعية "كقطاع واعد وصاعد في الاقتصاد العالمي" وقال أديب وبرلماني مصري، إن الحكومة تدرس مشروعا لإنشاء شركة قابضة لهذه الصناعات.

وأعلن الكاتب الروائي والنائب البرلماني يوسف القعيد أن الحكومة تدرس تأسيس "شركة قابضة للصناعات الثقافية" برأس مال يصل إلى 250 مليون جنيه، وأضاف القعيد مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة في حلقة نقاشية عقدتها اللجنة مؤخرا أن هناك اتجاها لتخصيص مبلغ قدره 50 مليون جنيه لدعم صناعة السينما.

ومن نافلة القول إن دعم الصناعات الثقافية الابداعية يعني دعم "القوة الناعمة لمصر" بقدر ماينطوي على مكاسب اقتصادية تحققها بالفعل الدول التي قطعت أشواطا بعيدة على هذا المضمار.

والصناعات الثقافية الإبداعية كقطاع في الاقتصاد تتضمن مجالات شتى مثل الفن التشكيلي والتصميمات والحرف اليدوية والعاديات والتحف والأزياء والأفلام والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والألعاب التفاعلية والاعلانات والبرمجيات والموسيقى وتهتم بشكل جذري وحاسم بالابتكار خاصة مايتعلق "بالأدوات والشبكات".

وتوجيه الاهتمام نحو الصناعات الإبداعية يمكن أن يجعل من "مصر المبدعة" مركزا أو محورا لمنطقة تشكل قلبا ثقافيا عالميا جنبا إلى جنب مع كونها قلبا صناعيا وتجاريا وسياحيا في عالم القرن الواحد والعشرين وبما يحقق العائد الأمثل من استغلال الموقع العبقري لمصر الخالدة.

ولئن كان رئيس الحكومة المهندس شريف اسماعيل قد اوضح ان برنامج الاصلاح الاقتصادي لحكومته يتضمن ان "تعمل الشركات والهيئات القابضة بشكل اقتصادي لأن اي مشروع لاتغطي ايراداته مصروفاته سيمثل عبئا مباشرا على موازنة الدولة" فان الخبرات المتراكمة لدول اخرى في مجال الصناعات الثقافية الابداعية تؤكد على ان هذا القطاع بمقدوره ان يحقق ارباحا جمة.

وحسبما ذكر الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق فإن الأرقام الدولية المجمعة تفيد بأن حجم السلع والخدمات الثقافية المصدرة سنويا يقدر بنحو 640 مليار دولار وتستحوذ الولايات المتحدة وحدها على نحو 142 مليار دولار من صادرات هذه السلع والخدمات الثقافية وبشكل مايفوق ماتصدره من سلع وخدمات في مجالات الزراعة والطيران.

وفيما تهيمن الولايات المتحدة على مجال الصناعات الابداعية فان هذه الصناعات الابداعية القائمة على التفكير بصورة غير تقليدية وانتاج افكار جديدة بعيدا عن النمطية تسهم بنسبة قدرها 3 في المائة من الاقتصاد الخاص بالاتحاد الأوروبي وتبلغ القيمة السوقية لهذه الصناعات هناك نحو 500 مليار يورو ويصل عدد العاملين فيها لنحو ستة ملايين شخص.

وفي بريطانيا تقدم الصناعات الثقافية والابداعية دخلا قوميا يزيد اربع مرات عن الدخل الذي تقدمه الزراعة وصناعة صيد الأسماك وأعمال الغابات فيما تقدر نسبة العاملين في هذا القطاع الثقافي والابداعي بنحو 6,4 في مائة من مجموع القوة العاملة في البلاد.

وأشار الدكتور شاكر عبد الحميد إلى أن بنك الاستثمار الأوروبي يقوم بتقديم الدعم للصناعات الابداعية في دول الاتحاد الأوروبي وتمويل دراسات الجدوى لهذه الصناعات فيما تجاوز إنفاق الصين على هذا النوع من الصناعات في عام 2009 ال 97 مليار دولار.

والصناعات الابداعية موضع اهتمام عالمي خاصة في عالم الشمال كما يتجلى في الصحافة الثقافية الغربية التي باتت تتحدث باستفاضة عن المدارس والاستثمارات وخطط العمل والمحفزات والانجازات في هذا القطاع الثقافي الذي يقوم على الابداع وتلبية متطلبات البشر للجمال.

كما أن بلدا كالهند بات يحتل مكانة متقدمة للغاية على مستوى الصناعات الابداعية التي تحظى ايضا باهتمام زائد في اندونيسيا على نحو ما أشار الدكتور شاكر عبد الحميد في طرح حول الصناعات الثقافية والابداعية.

ووفقا لما ورد في كتاب "صعود الطبقة المبدعة" لريتشارد فلوريدا وهو استاذ جامعي امريكي وباحث ومنظر في الدراسات الحضرية فان الاستثمار المنتظم في الابحاث والتطوير للابداع بالولايات المتحدة ارتفع من خمسة مليارات دولار عام 1953 الى أكثر من 250 مليار دولار في بداية الألفية الجديدة.

ولاريب ان الاتجاه نحو تأسيس "شركة قابضة للصناعات الثقافية" في مصر يعنى تجسيد الاهتمام بدعم القوة الناعمة المصرية في أطر مؤسسية قادرة على التنافس في عالم اليوم بمتغيراته الجديدة والمتوالية بقدر مايخضع آداء مثل تلك الاطر للقياس العملي والتقييم على اسس اقتصادية.

ولعل الصناعات الابداعية تجد لها حيزا مناسبا ضم المدن الجديدة فضلا عن قناة السويس الجديدة فيما تنطلق فلسفة هذا المشروع العملاق من حقيقة كشفت عنها دراسات متعددة وأكدت على ضرورة تحويل قناة السويس من مجرد معبر بحري تجاري إلى مركز للتنمية المتعددة الجوانب عبر أنشطة صناعية وتجارية ولوجستية تتكامل مع خدمات للإمداد والتموين وتجسد فكرة "القيمة المضافة".

فالمشروع العملاق الذي افتتح منذ اكثر من عام يعني ببساطة امكانية ابحار السفن في نفس الوقت شمالا وجنوبا بالمجرى الملاحي لقناة السويس الجديدة وفتح العديد من افاق التنمية المستدامة وزيادة فرص العمل للشباب في مجالات عدة فيما يشكل مجال الصناعات الابداعية بابا من ابواب الحياة الجديدة للمصريين الذين انتصروا دوما للحياة واحتفلوا بها .

وإذا كان انجاز هذا المشروع في عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام قد جسد في الواقع شعار "نعم نستطيع" فان مصر تستطيع ايضا دخول عصر الصناعات الابداعية عبر استغلال موقع قناة السويس كأحد معطيات عبقرية المكان المصري فيما لهذه الصناعات الابداعية المتصلة بالتراث الثقافي ان تعبر عن شخصية مصر ومواهب المصريين بقدر ماتسهم في دعم القوة المصرية الناعمة.

ومن نافلة القول ان قناة السويس والمدن الجديدة تعزز المركز التنافسي لمصر في مجال الصناعات الابداعية كما انها كبؤرة تتجمع فيها ثقافات عديدة مفيدة للغاية في الاجابة على اسئلة مطروحة عالميا في هذا المجال الصناعي الابداعي مثل :"ماالذي يريده الناس بالفعل"؟, و"ماهي السمات الحقيقية لسوق الصناعات الابداعية"؟ و"ما الذي يمكن ان نتعلمه من المنافسين في السوق"؟.

وكما يقول سكوت فيليبس احد الخبراء الغربيين البارزين في مجال الصناعات الابداعية فان ثمة ضرورة لتطوير وتحديث خطط العمل من حين لآخر على اساس وطيد من قاعدة بحثية فضلا عما تتيحه فرص التواصل المباشر مع الزبائن من التعرف على مردود منتجاتنا في الواقع والتغيرات في الأذواق والاتجاه الذي ينبغي ان نحشد فيه طاقاتنا.

وفي وقت يبدأ فيه الحديث عن "الهامات القناة" فالصناعات الابداعية بحاجة دوما لالهامات بقدر ماتشكل هي ذاتها الهامات للآخرين دون اغفال للجوانب التجارية والابعاد الاستراتيجية والامكانات الاستثمارية في قطاع امسى يشكل احد اهم مصادر القوة الناعمة لأي دولة كما انه يشكل قوة للاقتصاد الكلي.

والأمر ليس بعيدا عن "اقتصاد المعرفة" او "الاقتصاد الجديد" الذي يتجاوز "كحالة متداخلة ومركبة" الاقتصاد الكلاسيكي بآلاته الثقيلة وخطوط انتاجه النمطية فيما يتفاعل العقل الانساني مع العقل الالكتروني في بنى شبكية قوامها الابداع الذي يستلزم دوما حرية التفكير.

ومنطقة مثل قناة السويس بمعطياتها وتطوراتها وطابعها المنفتح على العالم تشكل موئلا طبيعيا لتكوين كوادر تعمل في الصناعات الابداعية وتمتلك مهارات جديدة ومرتبطة باقتصاد العولمة الجديد وبصورة تتوافق مع ما يقوله الدكتور شاكر عبد الحميد :"اننا نحتاج في مصر الآن الى عقل جديد وتفكير جديد وخيال جديد".

فلم تعد الطرق التقليدية في التفكير والتعبير والسلوك- كما يضيف شاكر عبد الحميد - صالحة لهذا العصر الجديد او القرن الجديد مؤكدا على أننا "نحتاج لمدن ابداعية جديدة تهتم بالصناعات الثقافية والابداعية" حتى تصل مصر لمكانتها المرجوة المرموقة السامية والتي هي دون شك جديرة بها.

والصناعات الابداعية من خصائصها جذب الزوار ومن ثم فبمقدورها ان تنهض بدور كبير لدعم السياحة الثقافية وتفعيل افكار ومقترحات لمحللين ومعلقين بشأن الاستغلال السياحي ومن بينها اقتراح باعداد برامج سياحية تشمل برامج قصيرة ليوم او يومين لزيارة المعالم السياحية في القاهرة والجيزة والتسوق من مراكز تجارية كبرى بمنطقة القناة تعرض منتجات ابداعية مصرية .

ولئن كانت منظمة اليونسكو المعنية عالميا بالثقافة قد اختارت ان تعرف الثقافة بأنها جماع السمات المادية والفكرية والاجتماعية وتشمل الفنون والآداب وطرق الحياة معتبرة انها وسيلة الانسان للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته فان هذا التعريف يوميء لأهمية الثقافة ضمن اي مشروع للتقدم بقدر مايشير لمعنى الانتاج الثقافي وقد يحفز بلدا كمصر على تبني مشروع كبير للصناعات الثقافية الابداعية مثل "الشركة القابضة للصناعات الثقافية".

وفي وقت تتحدث فيه الصحافة الثقافية الغربية عن اهمية السبل الجديدة في الوصول والتواصل مع "زبائن المنتجات الثقافية الابداعية" فان لمصر ان تنهض بدور كبير في تصدير منتجاتها الثقافية والابداعية التي ينبغي تخصيص حيز مناسب لصناعتها لتشكل حاضنة طبيعية لأحدث الأفكار الابداعية في العالم بما يفيد الكوادر المصرية المنخرطة في مجال الصناعات الابداعية.

وكما لاحظ العالم المصري الكبير الدكتور فاروق الباز فان مشروعا انجزته مصر مثل قناة السويس الجديدة يصب في صالح دعم اواصر التعاون الثقافي والاجتماعي والسياحي بين كل دول العالم بينما يمكن للصناعات الابداعية ان تقوم بدور كبير- ولو بصورة غير مباشرة-في الترويج عالميا لمشاريع التنمية في ارض الكنانة.

فالمصريون صناع حضارة بالفطرة وتخصيص حيز مناسب للصناعات الابداعية انما يعبر عن هذه الحضارة بقدر مايخدم حركة التنمية ويشكل ظهيرا طبيعيا للجذب السياحي ومصدرا "للبهجة" التي يبحث عنها الكثير من البشر في هذا العالم.

وبدلا من عواصف غاضبة تهب من حين لآخر حول وزارة الثقافة والتغييرات في المواقع القيادية بهذه الوزارة والهيئات والأجهزة التابعة لها فقد يكون من الأفضل ان تتضافر الجهود داخل الوزارة وخارجها على مستوى النخب الثقافية المصرية لانجاز مشروع عملاق للصناعات الثقافية الابداعية كجزء من رؤية وطنية شاملة لتطوير المشاريع الثقافية في ارض الكنانة.

ومشروع مثل "الشركة القابضة للصناعات الثقافية" قد يحمل مزيدا من الاجابات لاسئلة طرحها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين منذ عام 1937 في كتابه الشهير "مستقبل الثقافة في مصر" عبر اهتمامها بالصناعات الابداعية في بلد يمتلك مايكفي من "القوة العاملة الابداعية" وتميز دوما بانفتاحه الثقافي وترحيبه بالتعدد في الأفكار والتسامح مع "الآخر والمختلف".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل