المحتوى الرئيسى

«المصري اليوم» تكشف أساليب التحايل على قرارات الإزالة | المصري اليوم

08/19 22:02

عمارة مكونة من 12 طابقاً.. أنهى مالكها بناءها فى أسبوع واحد فقط، وبالرغم من أن سعر الشقة فى تلك العمارة يصل إلى 400 ألف جنيه، إلا أن المالك كان يبيع الشقة فى الطابق الأخير أو قبل الأخير بنصف الثمن تقريبا، لم يكن ذلك لسبب أنها مخالفة فقط، فطبقا للإحصاءات 90 % من العمارات فى القاهرة والجيزة مخالفة، ولكن السبب الحقيقى هو أن المقاول أو المالك يبحث عن حيلة ذكية حتى لا تتعرض العمارة للإزالة، فالمالك يبيع الشقة فى الطابق الأخير بأقل ثمن، ولكنه يشترط على من يشتريها أن يسكن فيها فورا، وربما يساعده المالك فى التشطيب ونقل أجهزته، هذا كله ليس حبا فى المشترى ولكنه حتى يكون درعا يحتمى بها عندما تحضر قوة تنفيذ الإزالات، فتجد أسرة تسكن فى الطابق الأخير، فتضطر إلى عدم إزالة العمارة وتكتفى فقط بتكسير حوائط باقى الشقق دون الاقتراب من أعمدة الخرسانة، وهذا ما يبغيه المالك، حيث يعاود بناء الحوائط مرة ثانية، وبذلك فقد يكون هرب من إزالة العمارة، ويبيع الشقق ثم يختفى، ليعاود الحيلة فى عمارة أخرى.

فى مناطق الهرم وفيصل والمقطم والحدائق، ستجد نماذج عديدة من تلك العمارات، التى تبدو وكأنها خرابة، جميع حوائط الطوابق محطمة، قوة من الإزالات كسرت الحوائط بسبب أن العمارة مخالفة، ولكن عندما تنظر إلى أعلى، وتحديدا فى الطابقين الأخيرين، ستجد هناك شقة أو اثنتين يبدو أن بهما سكانا، ويتعمدون نشر ملابسهم طوال ساعات اليوم، والسبب هو أنهم يريدون أن يثبتوا أنهم مقيمون، وبالتالى فإقامتهم فى الشقة أمر واقع.

تعتبر مناطق وضواحى الجيزة كفيصل والهرم والمقطم من أكثر المناطق التى يلجأ أصحاب الأراضى فيها لبناء العقارات المخالفة. وبحسب آخر إحصائيات وزارة الإسكان، فإن إجمالى العقارات المخالفة بدون ترخيص بلغ 317984 صدر لها 356507 قرار إزالة معتمد من السادة المحافظين. ويعانى سكان العقارات المخالفة من مشاكل فى المرافق العامة، مثل الكهرباء والغاز، وذلك بسبب عدم قانونية العقار.

فوجئ على عبدالله - عامل - عندما كان يتردد على العمارات الجديدة بحثا عن شقة بسعر مناسب له، بأن المقاول يبلغه بأنه سيعطيه شقة فى الطابق الأخير بربع الثمن، وأبلغه بأنه سيعطيه الشقه بـ«120 ألف جنيه» على الرغم من أن نفس الشقة فى الطابق الثالث بـ400 جنيه، فسأل نفسه عن السبب، فهو يعرف أن الأدوار المخالفة تكون بسعر أقل ولكن أقل 50 أو 60 ألفا على الأكثر، صعد إلى الشقة ولم يجد بها ما يثير حول انخفاض المبلغ، ولكنه تيقن للأمر عندما اشترط عليه صاحب العمارة أن يقيم فى الشقة بمجرد الشراء، وعرف «على» أن الهدف من تلك الحيلة أن يثبت المالك أن هناك أسرة تسكن فى الطابق الأخير، فعندما يأتون لإزالة العمارة فيضطرون إلى عدم هدم الأعمدة الخرسانية والاكتفاء بتكسير الجدران.

وأضاف «على»: «اعتبرتها صفقة جيدة فى ظل قلة المبلغ المتوفر معى، سكنت فى الشقة أنا وآسرتى، وبالفعل جاءوا لتنفيذ الإزالة، واكتفوا بتكسير الجدران، وحدث ما خطط له المقاول بالحرف الواحد، وبعد أسبوع بنى المقاول الحوائط مرة ثانية، وبذلك فقد تم تنفيذ الإزالة، وفى نفس الوقت عادت العمارة لأصلها».

لم يخشَ «على» على نفسه أو أسرته من عمارة مهدمة الحوائط، فقد طمأنه المقاول قبل أن يسكن بأن العمارة قائمة على أعمدة خرسانية قوية، والجدران هشة لأنهم يعلمون أن قوة الإزالة ستأتى وتهدمها.

وكشف «على» أن الشقة التى كانت تقابله فى الطابق الأخير كانت تسكنها أسرة سورية، وأن المقاول قام بتشطيبها وسمح لهم بالإقامة فيها دون أن يحصل منهم على أى مبالغ، كان يستأجرهم للبقاء فى الشقة حتى لا يتم هدمها عندما تأتى قوة تنفيذ الإزالات.

وأكد عاصم الشريف - شاب سورى - أن عددا كبيرا من الأسر السورية بالفعل تسكن فى الطوابق الأخيرة، ومعظمهم بدون مقابل أو بأسعار لا تذكر، ومعظم المقاولين لا يأخذون منهم مقابلا حتى تنتهى قصة الإزالات، فبعد أن ينتهى المقاول من أزمة الإزالات، إما ان يستمر فى تأجيرها، ولكن بأسعار أعلى عما قبل حضور قوة تنفيذ الإزالات أو يعطونهم مساعدات بسيطة ويتركون الشقة.

«أنا دفعت دم قلبى فى شقه تمليك فى منطقة الهرم، وبعد سنة من سكنى فى الشقة اكتشفت أن العقار صدر له قرار إزالة لأنه مخالف».. بتلك الكلمات بدأ مساعد محمد، محاسب فى إحدى الشركات الخاصة، كلامه، وتساءل «مساعد» عن كيفية سماح الحى للمقاول ببناء عقار مخالف مكون من عشرة أدوار، قائلا: «أين كان رئيس الحى والعمارة كانت تبنى؟ هل تذكّر الآن أنها مخالفة وعليه أن يصدر قرار إزالة لها؟». ويعانى «مساعد» من عدم سماح شركة الكهرباء بتوصيل التيار له، واضطر لأن يحل أزمة الكهرباء لديه عن طريق وصلات عشوائية من البوكس الرئيسى رغم علمه أنه أمر غير قانونى. مبررا: «هعمل إيه؟ مضطر لحد ما أصحاب الحى يتصالحوا مع صاحب العمارة، ويدفع تعويض ويدخلولنا الكهرباء بشكل رسمى».

ويضيف عطية خالد، من منطقة المقطم: «اشتريت الشقة ودفعت مقدم 150 ألف جنيه تحويشة عمرى، وأعانى من نقص فى الخدمات العامة، مثل الماء والكهرباء، ده غير منظر العمارة المشوه بسبب تكسير بعض الأدوار فيها لكون العمارة مخالفة». ويتساءل عطية بغضب: «معرفش ذنبى أنا إيه يحاسبونى على الكهربا بنظام الممارسة وأنا اشتريت الشقة بعقد رسمى».

العقارات المخالفة لها تأثير سلبى على جميع مرافق الدولة، سواء الكهرباء أو الغاز أو التليفونات وحتى مشاكل المرور.. كل تلك المشاكل أساسها مخالفات المبانى - بحسب الدكتور سيف الدين فرج خبير الاقتصاد العمرانى - ويضيف «فرج»: «يجب أن يكون هناك دور قوى للمحليات للتصدى لأصحاب العقارات المخالفة». وعن دور الحكومة فى كيفية الحد من البناء المخالف، يقول «سيف الدين» إن ذلك يتم عن طريق وضع بدائل للمواطنين بتوفير أراض بديلة أو مدن بأسعار زهيدة، وذلك بالتأكيد سيحد من تلك الظاهرة، ويوجه سهام نقده إلى رؤساء الأحياء قائلا: «كم الرشاوى فى المحليات والأحياء غير طبيعى».

وعن تأثير العقارات المخالفة على الاقتصاد، يقول إن تاثيرها كبير، وذلك بسبب استخدام أصحاب العقارات المخالفة الأسمنت المدعوم والحديد المدعوم، بجانب شبكة الصرف، وبالتالى يؤثر على اقتصاد الدولة، ويطالب «فرج» بتفعيل دور نقابة المهندسين ودور كليات الهندسة لأنهم هم الذين يستطيعون القضاء على فساد المحليات- على حد قوله.

ويرى محمد عبدالرحمن، دكتور تخطيط عمرانى بجامعة الأزهر، أن العقار المخالف هو كل عقار تم إنشاؤه مخالف لقانون البناء الموحد سواء فى الارتفاعات أو المساحات.

وعن تأثيره على مرافق الدولة، يقول «عبدالرحمن» إن العقار المخالف له تأثير بالغ على شبكتى الصرف الصحى والمياه، بجانب تزويد الأحمال على الطرق من حيث المرور. وعن دور الحكومة فى الحد من تلك الظاهرة، يقول «عبدالرحمن»: «يجب على الحكومة توفير أراض بـأسعار رخيصة، بجانب توفير أماكن ليست بالبعيدة عن العاصمة»، ويضيف: «يجب على المحليات ألا تغض البصر عن المخالفات بالتصالح مع أصحاب العقارات المخالفة، بل يجب أن يكون هناك قانون رادع للمخالفين».

وينفى رضا حجاج، خبير عقارى، وجود حماية للمستهلك، نظرا لسوء إدارة القطاع العقارى وقطاع المرافق، وبالتالى مشكلة العقارات المخالفة تؤدى إلى انهيار السوق العقارية الذى يؤدى بدوره إلى انهيار الاقتصاد المصرى، ويستطرد حديثه بأنه يجب على مسؤولى الدولة من وزارة الإسكان ورؤساء الأحياء محاولة حل مشاكل القطاع العقارى بأسلوب علمى.

بلغت نسبة مخالفات المبانى فى مصر 90 %من إجمالى العقارات الموجودة- بحسب إحصائيات وزارة الإسكان- وأن 40% من أحيائها بحاجة إلى إعادة تجديدها، وتؤكد الإحصائية أن محافظتى القاهرة والجيزة من أكثر المناطق التى بها عقارات آيلة للسقوط تقدر بنسبة 60 %.

ويرى حسن علام، الرئيس السابق لجهاز التفتيش الفنى بوزارة الإسكان، أن اقتصاد العقارات المخالفة يسمى «اقتصادا غير شرعى أو الاقتصاد الموازى»، وبالتالى له تأثير سلبى على الاقتصاد المصرى. ويضيف «علام» أن منظومة المبانى تدخل فى منظومة الاقتصاد الرسمى للدولة، ويشير إلى أن 320 ألف عقار حتى عام 2014 ثمنها 650 مليار جنيه، بمعنى أن القطاع الأهلى صرف ذلك المبلغ على عقارات غير مرخصة ليس لها أى سند بالدولة. ويضيف قائلا: «للأسف، أصبحت الدولة الآن تدخل المرافق العامة مثل الكهرباء والغاز والمياه لبعض العقارات المخالفة بشكل طبيعى، وبالتالى أصبح الساكن يستفيد، وذلك الأمر شيء كارثى لأنه يكبد الدولة تكاليف باهظة».

وعن كيفية توعية الساكن عند شراء العقار بأنه عقار شرعى، يقول إنه يجب على الساكن أن يطلب أولا من صاحب العقار صورة الرخصة، ويذهب للحى ويتأكد أنها شرعية، ثم يتأكد أن رقم الحديدة الخاصة بالكهرباء موجودة فى الشقة، ثم إلى آخر الخطوات، وبذلك يحمى نفسه من أى عملية نصب أو احتيال فى

الإجراءات التى يقوم بها جهاز التفتيش فى الوقت الحالى فى كثير من العقارات المخالفة- بحسب المهندس عبدالمنعم صالح، رئيس الجهاز الفنى والمتابعة على أعمال البناء بالوزارة- ويضيف «عبدالمنعم»: «مشكلة العقارات المخالفة أنها غير مقامة طبقا لأصول فنية معينة».

ويرى إبراهيم صابر، رئيس حى مصر الجديدة، أن مشكلة العقارات المخالفة من الممكن حلها عن طريق تغليظ العقوبات بجانب تشديد الغرامات، بالإضافة إلى وجوب تعديل القوانين ووجود شرطة متخصصة للإزالات الفورية ونيابة متخصصة للبلدية.

ويشير «إبراهيم» إلى أنه يجب على الدولة ألا تلجأ للتصالح، ويجب أيضا على المواطن قبل شراء العقار أن يلجأ للحى المختص ويتأكد أن العقار مرخص بجانب أن الأحياء الآن أصبحت لها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى وأصبح الأمر أسهل من السابق، وبذلك فإن الساكن إذا اشترى عقارا مخالفا، إذن هو مشارك فى الجريمة.

أما حامد سلامة، سكرتير عام حى الهرم، فيقول: «أثناء الشروع فى البناء، يتم عمل لجنة من الحى من الإشغالات والمتابعة الميدانية والإدارية تعمل على إيقاف المبانى المخالفة، وفى حالة تمكنه من البناء يتم عمل محاضر مخالفة بناء بدون ترخيص طبقا للقانون 119 لعام 2008، ويتم إصدار قرار إزالة للأعمال المخالفة، وإرساله إلى الجهات الأمنية، لتحديد موعد تنفيذ الإزالة، وتتم الإزالة على نفقة المخالف». ويضيف: «إنه فى نفس الوقت تتم مخاطبة جهات توصيل المرافق بعدم توصيل أى مرفق للبناء».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل