المحتوى الرئيسى

الدراما التركية المدبلجة إلى المغربية..أرقام قياسية وجدل سياسي حول الهُوية

08/18 21:33

3 ملايين و623 ألفاً هو عدد المشاهدين الذين تابعوا مسلسل “ثمن الحب” التركي المدبلج إلى اللهجة المغربية في الأسبوع الأول من شهر أغسطس/آب الجاري، والذي عرض على القناة المغربية الثانية.

مؤسسة “ماروكمتري" - المركز المهني لقياس مشاهدة التلفزيون بالمغرب -، اعتبرت الرقم الذي كشفت عنه رقماً قياسياً تحصده هذه الأعمال لدرجة أصبحت تتصدر لائحة نسب المشاهدة باستمرار، غير أنها بالمقابل تثير كثيراً من اللغط داخل المجتمع المغربي.

منذ تعيينه، أعلن وزير الاتصال المنتمي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب مصطفى الخلفي، عن "حربٍ" على المسلسلات الأجنبية المدبلجة ووعد بمنع بثها على القنوات المغربية.

وبعد خروج دفاتر التحملات الخاصة بالمجال السمعي البصري - لوائح ناظمة لعمل القنوات الحكومية - في عهد الوزير، لم تعد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية تبث المسلسلات المدبلجة.

إلا أن القناة الثانية - وهي قناة نصف حكومية -، في بث هذه الأعمال وتحقيق أعلى النسب بين برامج التلفزيون المغربي.

ويرى الخلفي أن بث المسلسلات المدبلجة إلى اللهجة المحلية، يعد "تهديداً للنسيج والهوية المغربيين"، معتبراً أن "المغاربة يشاهدون منظومة هوياتية مختلفة عن منظومتهم بالدارجة".

من جانبه، يرى الفيلسوف والباحث في الجماليات والكاتب المغربي موليم العروسي، أن وزير الاتصال "لا يفصل في كثير من الأمور بين الفن والإيديولوجيا بسبب انتمائه المحافظ".

ويقول العروسي لـ "هافينغتون بوست عربي"، إن "التقليديين يعتبرون أن اللغة مقدسة، ويعتبرون فوق ذلك أن اللغة الوحيدة التي يجب أن يتعامل بها المغاربة في مجال الفن هي اللغة البعيدة عن الهواجس الجسدية".

وذلك في حين يجب أن "يُسائل الفن الحواس ويتوجه إلى الرغبات ويستنفر الأجساد والدارجة؛ لذا يسعى المحافظون إلى وضع لغة خشبية بين المتلقي وما يوحي به العمل الإبداعي، ويجدون في اللغة الفصحى السبيل الأمثل لذلك".

من جانبه، طالب حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي المعارض بمنع بث المسلسلات المدبلجة، من أجل "احترام سلامة اللغة العربية والأمازيغية والتعبيرات الشفوية الجهوية والمحلية، وعدم بث إنتاجات أجنبية بلهجات أو بتعبيرات شفهية مغربية".

كما صادق مجلس النواب في 20 يوليو/تموز 2016 بالإجماع على مشروع قانون متعلق بالاتصال السمعي البصري، مع الأخذ بعين الاعتبار اقتراح الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بحذف فقرة "عدم بث إنتاجات أجنبية بلهجات أو بتعبيرات شفهية مغربية".

وبسبب مطالب هيئات حقوقية بوقف المسلسلات المدبلجة، شدد مشروع القانون على ضرورة اعتماد هذه المسلسلات على لهجات مغربية مصقولة وحضارية.

وفي تعليق له على رفض منع المسلسلات المدبلجة في مشروع القانون، اعتبر الباحث موليم العروسي أن البرلمانيين يسعون في نهاية السنة التشريعية وعلى بعد شهرين من الاستحقاقات الانتخابية إلى الضغط على الحزب الذي يتولى قيادة الحكومة واستغلال مثل هذه المواضيع لإحراجه.

في المقابل، أيد أستاذ النقد السمعي والبصري أحمد الدافري رفض مشروع القانون من طرف النواب ووصفه بـ "القرار الحكيم"، فالمطلوب هو "الارتقاء بالدبلجة وجعلها أداة للانفتاح والاطلاع، وليس منعها".

ويضيف الدافري، "وزيادة على كون الدبلجة عملية تسهم في توفير فرص عمل لفنانين متكونين في المجال، يمكنها أيضاً أن تمد جسور التواصل بين المجتمع المغربي وباقي المجتمعات والحضارات، شريطة الالتزام بمبادئ دقيقة لتحقيق هذه الأهداف".

وتعتبر دبلجة المسلسلات التركية التي تلت "العصر الذهبي" للإنتاجات المكسيكية، صفقةً مربحةً للقنوات التلفزيونية، فبث هذه الأعمال يرفع من نسب المشاهدة بشكل قياسي، الأمر الذي يسيل له لعاب المعلنين ويحول أوقات بث هذه الأعمال إلى منافسة حتى تكون من نصيب من يدفع أكثر.

ومع اكتساح الدراما التركية العالم العربي قبل نحو عقدٍ من الزمن، أقبل المشاهد المغربي عليها باللهجة السورية، إلا أنه سرعان ما مال إلى الانخراط في ما يرمز إلى الانتماء الجماعي. فاللهجة المغربية، يقول المختص في النقد، "تمثل بالنسبة إلى الكثيرين من المغاربة رمزاً للانتماء إلى الوطن، وعادة ما يبحث الكائن الاجتماعي إلى الانصهار في طقوس متداولة داخل الجماعة، حتى يشعر بأنه كائن محصّن ومحميّ من قبل أفراد آخرين يشاركونه في ممارسة تلك الطقوس، ويتقاسمون معه ذات القناعات".

ويرى الدافري أن من الطبيعي أن يكون التفاعل مع الدبلجة باللهجة المغربية أقوى، خصوصاً بين الشرائح الاجتماعية التي ليست لها مؤهلات علمية تسمح لها بفك شفرات لهجات عربية أخرى.

موليم العروسي، الأستاذ في الجماليات، يجد أن اللهجة السورية أيضاً لهجةٌ شعبية وليست عربيةً فصحى، ويشير إلى أن السينما العالمية عندما تدبلج الأفلام تدبلجها باللغات الشعبية، والدليل على ذلك نجاح الأفلام الهندية بالمغرب منذ الستينات حيث كانت تدبلج في استوديوهات الدار البيضاء إلى اللهجة المغربية الدارجة.

الدراما التركية تسحب البساط من المغربية!

على صعيدٍ متصل، استبعد العروسي أن تكون الدراما التركية تسببت في تراجع نسب مشاهدة الأعمال المغربية. ودعا المسؤولين عن القطاع والسينمائيين والمنتجين إلى طرح الموضوع للنقاش، دون تعليق "الفشل" على المسلسلات التركية ودبلجتها إلى الدارجة. "فإذا كان هناك عزوف عن المنتج المغربي فيجب البحث عن سببه في الإبداع وفي ملاءمة هذا المنتج للذوق المغربي، يقول المتحدث".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل