المحتوى الرئيسى

الملح والاحتلال يحاصران مياه غزة

08/18 01:10

على شاطئ بحر غزة المحاصر وأمام تكسر الأمواج المتلاحقة، يقف منير الشوا وفي يديه دلو صغير يستخدمه لتعبئة المياه بغية نقلها لمنزله الذي بات يفتقد وجودها، خاصة بعدما صار تكرار انقطاعها شبه دائم، أما الحصول عليها فضرب من ضروب المعاناة.

شوا الفلسطيني الذي يبلغ من العمر 45 عاماً، تقع على عاتقه إعالة سبعة من أفراد عائلته، وهو كغيره من سكان مخيم الشاطئ، يعاني من قلة وصول المياه إلى خزانات المنازل، يقول: «تصل المياه إلى المنطقة يومين في الأسبوع وهذا غير كاف، وغالبًا لا تصل إلى خزانات المنازل فنضطر لشراء الماء».

هذا الواقع لا يقتصر على سكان مخيم الشاطئ فقط، إذ إن أهالي منطقة دير البلح في جنوب قطاع غزة يشاركونهم الأمر ذاته، وهم يشتكون من نسبة الملوحة العالية في المياه، ما جعلها غير صالحة للاستخدام على الصعيد البشري، بحسب ما يوضح الأهالي.

ويصف خليل التتر المياه التي تصل إلى المخيم بأنها مياه بحر جرى استخدامها مسبقاً وأعيد تعقيمها من جديد، ويلفت إلى أن أمرا كهذا يعد بالغ الخطورة، موضحاً أن هذه المياه غير صالحة للري أيضاً، فهي قد تؤذي الأشجار أو تتلف المحاصيل.

تجدر الإشارة إلى أن حصة الغزاويين من الماء يومياً تبلغ 70 ليتراً للشخص الواحد، بينما تبلغ حصة الإسرائيلي قرابة 170 ليتراً، فيما حددت «منظمة الصّحة العالمية» حصة الإنسان من المياه بـ120 ليترا في اليوم.

من جهته، اعتبر نائب رئيس سلطة المياه في غزة مازن البنا أن مشكلة المياه مرتبطة بالكمية، إذ يحتاج القطاع قرابة 150 مليون متر مكعب سنوياً، بينما لا يتوافر غير 95 مليون متر مكعب يأتي منها 20 مليون متر من شركة «مكوروت» الاسرائيلية، موضحاً أن العجز السنوي في المياه يقارب الـ55 مليون متر مكعب.

وأضاف أنّ العجز يتأتى من سيطرة إسرائيل على الموارد المائية وسوء توزيع السّلطة الفلسطينية للمياه في المناطق التي تديرها، عوضاً عن استنزاف المخزون الجوفي والزحف العمراني، مبينًا أنّ أكثر المدن عجزًا هي غزة بسبب الكثافة السّكانية العالية ويليها رفح ثم خانيونس، وأخيراً بيت حانون.

وتابع البنا أنّ المياه في غزة تعاني من الملوحة الشّديدة بسبب دخول مياه البحر على الآبار الجوفية، ناهيك عن طبيعة التربة الرملية وارتفاع نسبة النترات في المياه حيث تبلغ 1000 في الليتر الواحد بينما يبلغ معدلها الطبيعي 250 في الليتر.

ويُفصِّل نِسب الاستهلاك السنوي للقطاع من المياه، ليحتل الاستخدام المنزلي أعلى نسبة تمثلت بـ55 مليون كوب في السنة، تتبعه الزراعة مع 40 مليون كوب، وتحل الصّناعة والسّياحة بالمرتبة الثالثة مع خمسة ملايين كوب، مشيراً إلى أن نسبة استنزاف المياه الجوفية تصل إلى 45 مليون كوب سنوياً.

وحمّل البنا الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن أزمة المياه في القطاع، فهو دمر عدداً من محطات التحلية في عدوانه الأخير، وحفر سدوداً على الحدود مع غزة منعت المياه الجوفية من الوصول لأراضي القطاع، علاوة على سحب كميات من مياه منطقة بيت حانون.

وأردف قائلاً إن «الاحتلال يسيطر على طول الساحل الفلسطيني، وهو يستفيد من المياه الجوفية للأراضي التي يحتلها ويمنعها عن الضفة الغربية»، مطالباً «منظمة الصّحة العالمية» بالإشراف على توزيع المياه في أراضي السّلطة الفلسطينية.

يشار إلى أنّ عدد الآبار المرخصة هو ثلاثة آلاف بئر مقابل أربعة آلاف بئر غير مرخصة، وهو أمر من شأنه أن يؤدي لاستمرار استنزاف المياه الجوفية ويزيد من ارتفاع نسبة الملوحة.

بدوره، أوضح المدير الفني للإغاثة الزراعية مجدي دبور أن هناك محاصيل زراعية كثيرة تضررت من ملوحة المياه، منها الخيار والملوخية والجوافة لحساسيتها الكبيرة للملوحة، مشدّدًا على ضرورة تغذية الآبار الجوفية بمياه صحيّة لإنقاذ هذه المحاصيل.

وبيّن أنّ هناك محاصيل فشلت هذا الموسم منها البطيخ، إذ تطغى الملوحة على طعمه الحلو، معلّلًا ذلك بأنّ المياه التي روي بها مالحة بنسبة بلغت قرابة 1500 ميلليغرام من الكلورايد فيما يفترض أن تكون 250 ميلليغراما في الكوب.

وأرجع سبب ارتفاع نسبة كلورايد الملوحة في المياه الجوفية إلى السحب الزائد وغير المرشّد من قبل المزارعين، وبالتالي دخول مياه البحر للمياه الجوفية، ما يؤثر على المحاصيل سلباً. فالزراعة تستهلك قرابة ثمانية ملايين متر مكعب من المياه الجوفية والأمطار ومحطات تكرير المياه سنويا، لافتاً إلى أن 250 دونماً من الأراضي أصبح غير صالح للزراعة.

وبحسب سلطة المياه الفلسطينية، فإنّ القدرة الإنتاجية لمحطات التحلية الست في القطاع تصل إلى 600 كوب في اليوم، لكن معظم إنتاجها غير صالح للشرب ويُحوَّل لري المزروعات.

من جهة ثانية، أكّد الخبير في مجال المياه عدنان عايش أنّ الوضع المائي في القطاع متدهور، حيث انخفض منسوب المياه إلى ما يزيد عن 16 مترًا عن مستوى سطح البحر، ولاحظ أنّ هناك ارتفاعاً في منسوب كمية الضخ السنوي، محذراً من ظاهرة زحف مياه البحر إلى عمق الخزان الجوفي، ما يؤدي إلى ازدياد نسبة ملوحة الخزان لتصل ما بين 1500 و3500 ميلليغرام في الليتر، بينما توصي «منظمة الصحة العالمية» بأن لا تزيد هذه النسبة عن الألف ميلليغرام في الليتر.

وحذَّر عايش من أنّ مشاكل القطاع المائي تتعدى مصادر المياه وتصل إلى شبكات التوزيع، ما يؤدي إلى هلاكها مع الزمن، مشيراً إلى أن من شأن ذلك أن يثقل كاهل المواطن بسبب انقطاع المياه المتكرر.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل