المحتوى الرئيسى

مجتمع عقله فى أذنيه

08/17 22:42

نحن لم نعد مجتمعاً واحداً وإنما مجموعات متعددة، وعوامل الربط فى هذا المجتمع أصبحت واهية ونادرة فى مقابل عوامل عنيفة وشرسة تدفعه لأن يتحلل ويتآكل، لو تأملنا الروابط التى تجمعنا كمجتمع تشد بعضه إلى بعض ربما لن نجد سوى رابطة الحاجة للأمن والشعور العام بالخطر أو بالتهديد، فالاحتياج للأمن شعور عام يتوحد فيه المجتمع بكل فئاته ومجموعاته، وفيما عدا ذلك سنجد كل مجموعة تحاول أن تحتمى بنفسها أو بمصالحها أو تنجو بنفسها بصرف النظر عن علاقاتها بالمجموعات الأخرى، وهذه عوامل هدم تكسر فكرة النسيج الواحد، ومن أوضح عوامل التآكل أن هذا المجتمع لا يسير وراء أفق محدد أو حلم واضح أو هدف مرئى، فما تنام الأغلبية عليه تستيقظ فيه وهو نفسه ما يستهلكها ويستنزفها ولا يخرج عن إطار كيفية الحصول على الطعام والماء والمسكن، وإذا مرض فكيف يصل إلى العلاج دون الوصول إلى الموت أو الموت البطىء من شدة المعاناة، وإذا اشتد عوده يكون الهدف والطموح ألا يجد نفسه عدداً ورقماً فى طوابير العاطلين بالإجبار أو بالاختيار، إذن أغلب الطاقات والأهداف والخطط العامة للأغلبية قائمة على مجرد البقاء على قيد الحياة، وهذا ليس عمل ربط بقدر ما هو أحد أهم عوامل الصراع والتحلل، فندرة الموارد فى مجتمع مزدحم جالبة للصراع على المسكن وعلى العمل وترسيخ فكرة المجموعات الصغيرة التى تدور فى الفراغ تتصادم وتتداخل وتتقاطع، فلا يوجد تيار أو سياق للمجتمع يسير فيه ولا يوجد اتجاه واضح وواحد، هناك دائماً اتجاهات متناقضة ومتداخلة، أو فى كثير من الأحوال تدور حول نفسها، ومن عوامل تآكل المجتمع الشعور العام بالخوف والقلق ومن يخاف يبتعد ومن يأتيه القلق فى كل اتجاه يعيش ببذور الشك التى تحولت إلى غابات كثيفة من الشك فى كل شىء، بداية من الأشخاص مروراً بمنظومة القيم والأخلاق وصولاً إلى العقيدة أياً كانت، فنحن مجتمع لا يملك حقائق ولا يعيش حقائق حتى على مستوى الحياة اليومية أو على مستوى الذات، لا يوجد شىء ملموس يستطيع أن يطمئن إليه لا يستطيع بناء خطة لليوم التالى أو فى أضعف الأحوال تحديد مسار، أصبحنا مجتمعاً فى مفترق طرق، الناس تعيش مرحلة تخمين مستمر والنتيجة غير مضمونة قد تكون ضربة حظ أو ضربة سوء حظ، من أوضح عوامل التآكل فى المجتمع أنه يعيش فى مستنقع من الجهل ناتج عن غياب العلم فى التعليم والجهل هو المعادل المعنوى للعمى، فالجاهل هو شخص لا يمتلك بصراً أو بصيرة وبالتالى يمكن أن يبطش ويمكن أن يغرق، وفى حالة مستنقع الجهل العنيفة فالمجموعات التى نجت من هذا المستنقع تتحصن بما يعلمونه ومنهم من يتعالون ومنهم من لا يستطيعون تقديم يد العون للكتلة الأكبر المصابة بعمى الجهل، الجهل عنصر عزلة وعنصر تفكك صارخ، وليس الجهل فقط وإنما أيضاً غياب الوعى الذى ليس له علاقة بالتعليم، فالكتلة العامة فى فترات كثيرة من مصر لم تنل حظها من التعليم ولكنها كانت تمتلك الحس والفهم، وغياب الوعى معناه الغيبوبة الكاملة وفى ظل وجود ناس غائبة عن الوعى أو غير مبالية أو غير منتهية فمن السهل هنا أن تسوقها فى أى اتجاه يميناً أو يساراً، وفى ظل غياب الوعى يتألق عزف الشائعات بتنويعات مختلفة، خاصة فى الفضاء الإلكترونى فهو سلاح التخريب فى مجتمع عقله فى أذنيه وفعله بين أصابعه، وفى ظل تركيبة واقع ينسجم فيه حضور الجهل مع غياب الوعى فأى فيروس مقصود بثه أو زرعه متعمد داخلياً أو يتم إطلاقه خارجياً وتكون آثار التدمير فيه مضمونة فالمجتمع غير محصن وبالتالى فهو آيل للاحتيال أو الاغتيال، اصطياد المجموعات وضربها أسهل كثيراً من اصطياد مجتمع متماسك، ومن عوامل التآكل فكرة الدين، فكل مجموعة ترى الدين كما يتراءى لها وترى نفسها صاحبة التوكيل الوحيد والحصرى للدين، فالدين عندها وليس عند غيرها وما عند غيرها ليس هو الدين وبالتالى أصبح الدين عنصر صراع، الاقتصاد أصبح ينتمى لمجموعات وليس لمجتمع ومصالح المجموعات لا تصب فى وعاء المجتمع، والاقتصاد الذى يبنى الدول يستفيد منه أصحابه كما يستفيد منه المجتمع، فالجميع فيه على مكسب، أما عندنا فالمستفيد منه هو أصحابه فقط، أغلب الاقتصاد لدينا هو استثمار انتهازى فلا يوجد اقتصاد وإنما حركة أموال فى اتجاهات عشوائية تفيد أصحابها ولا تنتج شيئاً ملموساً للمجتمع، وعندما يكون أغلب المنتجات على الأرض منتجعات سكنية وفى الفضاء سخرية وجدل وتفاهات وفى المؤسسات والوزارات غياب خيال ودقة وضمير وخطة فيبقى إنتاج المجتمع ضجيجاً بلا طحن وتترسخ فكرة المجموعات ويتحلل المجتمع.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل