المحتوى الرئيسى

الحق في الصحة.. الفريضة الغائبة «3»: طبيب ومريض وممرضة.. ثلاثة فى مهمة شاقة

08/17 10:35

• مريضة: دفعت 100 ألف جنيه مقابل إجراء عملية جراحية وهمية

• نقيب الأطباء: لا نتردد فى محاسبة أى طبيب يخطئ.. وظروف الأطباء الصعبة وراء الأخطاء

• منى مينا: الأخطاء لا تبرر تزايد حالات اعتداء أهالى المرضى على العاملين فى المستشفيات

محمد محسن خليل: مصر تعانى نقصًا فى الأطباء بنسبة 40% وفى التمريض بنسبة 60%

مع تردى أوضاع منظومة الخدمة الصحية فى مصر، أصبح أضلاع المنظومة الثلاثة من أطباء وتمريض ومرضى يشتركون فى المعاناة والشكوى من تردى الأوضاع.

وأصبح تبادل الشكاوى بين المرضى والأطباء أو المرضى والممرضات أو الأطباء وأسر المرضى وفرق التمريض قاسم مشترك فى أغلب المستشفيات.

بالطبع فالشكوى الأشد إيلامًا هى تلك التى تأتى من المرضى وأسرهم باعتبارهم الأشد معاناة فى رحلة البحث عن العلاج.

والمفارقة أن الشكوى موجودة لدى هؤلاء الذين يلجأون إلى المستشفيات أو العيادات الخاصة للحصول على الرعاية الصحية ولدى هؤلاء المعتمدين على الخدمة الحكومية المدعومة والمجانية. فالجميع يشكون من تقاعس الأطباء عن القيام بدورهم فى تقديم الرعاية المناسبة للمرضى أو فى استغلال المرضى، خاصة الذين ليس لديهم حظ وافر من التعليم، بأشكال تتراوح ما بين الاستغلال المالى المباشر من خلال رفع مستمر ومبالغ فيه للأتعاب الطبية وفواتير المستشفيات ومعامل التحليل أو غير مباشر من خلال وصف عقاقير مكلفة يمكن الاستغناء عنها بما هو أرخص سعرًا أو التوصية باللجوء لمعامل أشعة وتحاليل بعينها أو فى بعض الحالات استخدام عقاقير طبية هى بالأساس قيد التجريب دون إخطار المرضى بذلك والأسوأ إخضاع المرضى لعمليات جراحية غير مسببة

وبحسب هؤلاء المرضى فإن الأطباء والمستشفيات التى ترتكب مثل هذه المخالفات لا تخضع لأى محاسبة حقيقية ولا تتحرك الجهات المسئولة بما فى ذلك نقابة الأطباء لمجازاتهم، إلا إذا تحولت الواقعة إلى قضية إعلامية عامة. 

وتقول سلمى سيدة أربعينية إن أحد أكبر أطباء النساء والتوليد فى القاهرة أجرى لها جراحة لاستئصال مبيض ولكن بعد 3 أشهر وأثناء وجود سملى فى إحدى العواصم الأوروبية فى رحلة عمل تعرضت لوعكة شديدة أدخلت على إثرها المستشفى ليتم التشخيص بأن الآلام التى أصابتها جاءت نتيجة لوجود كيس على المبيض المفترض أنه تم استئصاله.

وفى غضب لم يبارحها رغم مرور أكثر من عام على الواقعة تتذكر سلمى اللحظة التى أطلعها فيها الأطباء على صورة الأشعة لتجد أنها مخالفة تمامًا للأشعة التى قدمها لها الطبيب عقب الجراحة التى اقتربت تكاليفها من حوالى مائة ألف جنيه.

وتقول سلمى إنها طلبت من الأطباء فى الخارج كتابة تقرير حول الحالة وعندما عادت للقاهرة أخذت التقارير التى جاءت بها من الخارج وتلك التى كانت بحوزتها فى أعقاب العملية الجراحية وذهبت لطبيب أوصته بها إحدى صديقاتها وكانت الصدمة المتوقعة لها بالتأكيد أن الطبيب لم يقم باستئصال المبيض وأن الأشعة التى كانت بحوزتها، والتى تقول إنها أجريت فى المستشفى الذى يباشر فيه الطبيب عملياته الجراحية ليست لها من الأساس.

وقررت سلمى ألا تقاضى الطبيب لأنها قدرت أن الأمر لن يؤدى إلى شىء «لأننا فى بلد فى دكاترة طلعوا قالوا إن الناس ممكن تخف من الإيدز بجهاز كفتة» واكتفت برواية قصتها على الفيسبوك وكتابة اسم الطبيب على مواقع التواصل الاجتماعى. 

مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي - تصوير: مجدي إبراهيم

«لقد رأيت أن هذا هو السبيل الأفضل لأننى لا يعنينى كثيرًا أن يحال للجنة تأديب أعلم أنه سيخرج منها بريئًا ليعود لممارسة عمله ولكن ما يعنينى فى الأساس ألا تتعرض نساء أخريات لهذه التجربة» كما قالت سلمى.

من ناحيته حسين خيرى نقيب الأطباء قطعيًا محاباة النقابة للأطباء على حساب المرضى ويقول إنه ينظر بالدقة فى كل شكوى ويتعامل مع الأمر من خلال السياق النقابى الرسمى وبكل شفافية.

وفى منتصف يوليو تعرض أربعة من أكبر أطباء الكبد فى مصر للإحالة لمجلس تأديب بسبب مساهمتهم فى الترويج لـ«جهاز الكفتة» الذى أعلن عنه قبل عامين على أنه اختراق طبى فى مجال تشخيص وعلاج الكثير من الأمراض وبخاصة الإيدز وفيروس «سى».

وتقول منى مينا وكيل نقابة الأطباء إن النقابة عندما تنظر فى الشكاوى التى تصلها حول أى من الأطباء فإنها تفرق أساسًا بين أمرين، الأول هو الخطأ الطبى، «وهناك نسبة واردة للخطأ غير المقصود فى كل الأحوال، ولكنه يتم أيضًا التعامل معه» وبين الإهمال أو الأذى المتعمد «وهناك فروق بين هذه الأمور، ولكن أيًا منها لا يمر مرور الكرام».

ويقول حسين خيرى، متحدثًا من موقعه كطبيب وليس نقيبًا للأطباء، إن «غياب التفرغ هو أحد أسباب المشاكل التى يمكن أن يعانيها المرضى والشكاوى التى يتقدم بها بعضهم تتعلق بذلك تحديدًا»، لافتًا إلى أن اضطرار الطبيب لأسباب مادية للتنقل ما بين العمل فى هذا المستشفى وهذه العيادة وأن كان غير ممنوع قانونًا ومفهوم واقعيًا إلا أنه ينال من دقة متابعة الطبيب لمرضاه، خاصة بالنسبة للأطباء الجدد الذين لا تسعفهم خبرة متراكمة فى التنبه لإشارات ودلالات طبية مهمة.

الدكتور حسين خيري نقيب الأطباء - تصوير: هبة الخولي

ويصر حاتم أحمد، طبيب، فى الأربعينيات من عمره، أنه فعليًا لا يمكن للطبيب أن يعمل فى مستشفى واحد أو عيادة واحدة لأن ذلك يعنى أنه لن يحصل على الدخل المناسب، «فى الوقت الذى يكون الطبيب فيه دومًا مطالبًا باستمرار التعلم والمشاركة فى حضور مؤتمرات طبية والاطلاع على مراجع حديث وهذا بعيدًا عن حق الطبيب كإنسان أمضى سنوات دراسة شاقة ومكلفة ويقوم بعمل يتطلب الكثير من الجهد أن يعيش فى مستوى كريم ويوفر لأسرته أسباب الراحة والأمان المادى»

ويقول نبيل المهيرى الرئيس الأسبق لهيئة التأمين الصحى إن الحل فى مشكلة التفرغ يكمن فى منح الأطباء مرتبات مجزية وكافية بحيث لا يضطر الطبيب للعمل فى أكثر من مكان «ولو الطبيب وجد ده أكيد هيكون أحسن له».

وتقول منى مينا إنه «يجب ألا ننسى فى نهاية الأمر أن الطبيب هو أيضًا إنسان له احتياجات وأنه يقوم بمهمة يمكن فى كثير من الأحيان أن يتعرض خلالها لإصابات أو عدوى تتسبب فى أذى كامل له».

الدكتورة منى مينا وكيل نقابة الأطباء - تصوير: روجيه أنيس

وتضيف منى مينا أنه فى كل الأحوال فلا ينبغى أن يكون خطأ الطبيب، سوى ذلك الذى يقع فى هامش الخطأ الطبى المعروف أو حتى فى إطار الإهمال، مبررًا لتعديات أهالى المرضى على الأطباء.

وقد شهدت نقابة الأطباء فى وقت سابق من العام الجارى غضبة واسعة جراء تعرض أطباء استقبال فى مستشفى المطرية من قبل 3 من أمناء الشرطة الذين طالبوا الأطباء بترك مرضى يعتنون بهم للتوجه لمريض أتى فى صحبتهم٫، وهو الأمر الذى فتح ملف الاعتداءات التى يتعرض لها الأطباء أثناء عملهم، خاصة أطباء الطوارئ، ولمطالبة النقابة بعد جمعية عمومية حاشدة بتوقيع العقاب على المعتدين على أطباء مستشفى المطرية وبتوفير إجراءات حماية للأطباء خاصة من الأفراد الذين تتيح لهم وظائفهم حمل سلاح اثناء وجودهم بالأماكن العامة.

غير أن شكاوى المرضى من الأطباء أو شكاوى الأطباء من أسر المرضى لا تصل إلى شكاوى المرضى من التمريض، بل ومن الأطباء ضد التمريض.

ويقول جراح مرموق إنه يشعر بالأسى لتراجع كفاءة التمريض فى مصر إلى درجة أصبحت مزعجة لعمل الجراحين أنفسهم والذين يحرص بعضهم على العمل مع فرق تمريض بعينها أثناء الوجود فى غرفة العمليات وأيضًا لمطالبة أطباء بتولى فرق بعينها من التمريض متابعة مرضاهم خاصة المصابين بحالات معقدة.

ويقول طبيب مخ وأعصاب إن تقاعس التمريض عن متابعة حالة المريض «والإفراط فى الاعتماد على المرافق للمريض من أسرته» يمكن أن يتسبب فى حدوث مضاعفات غير حتمية لو أن التمريض يتنبه جيدًا لحالة المريض ويتابع الأمر مع الأطباء المناوبين.

لكن سامية محمد، الممرضة المتقاعدة، تقول «بكل صراحة أن هذا الكلام نظرى لأن المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة لا تقوم بتعيين إعداد كافية من فرق التمريض وهو ما يلقى بأعباء كبيرة على الفرق الموجودة اثناء المناوبة ــ ويتسبب فى حدوث ارتباك أثناء حالات طوارئ يمكن أن تقع فى نفس الوقت لأكثر من مريض».

وتضيف سامية محمد أن «أفراد التمريض مثل الأطباء بالضبط بيضطروا يشتغلوا فى أكتر من مكان للحصول على دخل كافٍ لأنه لا يمكن الاعتماد على دخل جهة واحدة».

وتصر سامية محمد أن «التمريض قطاع مظلوم» لأن معظم الممرضات يتعرضن كثيرًا لمعاملة غير كريمة سواء من الأطباء «خاصة بعض الجراحين الذين ينظرون لأنفسهم على أنهم آلهة وينسون أنه بدون التمريض لا يستطيعون القيام بمهمتهم» وأيضًا من قبل بعض ذوى المرضى الذين «لا يفرقون بين التمريض وبين عاملة النظافة».

غير أن الأطباء يشيرون كدلك إلى الحاجة إلى تدريب أفضل للتمريض ليس فقط أثناء الدراسة فى معهد التمريض وإنما كذلك أثناء التدريب التالى للتخرج بل واستمرار التدريب.

ويقول نبيل المهيرى إن إعادة النظر فى تدريب وتوظيف وقواعد عمل فرق التمريض يجب أن تكون ملمحًا رئيسيًا من ملامح إعادة النظر فى الخدمة الصحية فى مصر مع تطبيق نظام التأمين الصحى الاجتماعى الشامل بحيث يكون هناك رفع للكفاءة وتوسع فى استخدام التمريض من خلال إنشاء نظام للتمريض غير المركزى بحيث تكون هناك إمكانية لتوفير تمريض جيد وتحت الرقابة المباشرة لأجهزة الصحة المعنية للمحتاجين فى أماكن إقامتهم دون احتياج لنقلهم للمستشفيات إذا لم تكن هناك حاجة طبية لذلك.

لكن المرضى يتحدثون عما يصفونه بغياب لصفات إنسانية تتعلق بحسن التعامل مع المرضى ويلومون على إدارة المستشفيات سماحها لفرق التمريض بالتعامل بقسوة غير مبررة مع المرضى وأيضًا بإهمال يصل فى بعض الحالات لعدم التأكد من دقة توزيع العلاج على المرضى المقيمين بالمستشفيات، بما فى ذلك أصحاب الحالات الحرجة، وعدم العناية الدقيقة بالمرضى بما فى ذلك حالات وحدات الرعاية المركزة.

وما بين تبادل الشكاوى بين الأطباء والمرضى والتمريض، هناك تظل مشكلة نقص الإمكانيات القاسم المشترك فى أغلب المشكلات.

الوحدات الصحية لا تكفي البسطاء ولا تقدم لهم الخدمات المطلوبة - تصوير: أحمد عبدالفتاح

وفى ردهة أحد المستشفيات الخاصة وقفت سيدة تدعى داليا وهى تبكى، قبل أن تتلقى اتصالًا هاتفيًا على الموبايل تهرع على أساسه وهى تمت بحمد الله، «لقوا مكان فى العناية المركزة لحسام... حسام كان هيروح منى خلاص... الحمد لله يا رب».

حسام هو ابن داليا وعلى أبواب التخرج فى الجامعة وأصابته نوبة قلبية غير مفهومة بالنسبة لمرحلته العمرية وصحته الجيدة أثناء وجوده فى أحد المقاهى مع أصدقائه الذين حاولوا دون جدوى الحصول على عربية إسعاف فلم يتمكنوا فقرروا المخاطرة بنقل حسام بنفسهم إلى مستشفى قريب.

داليا أيضًا لم تكن مضطرة للقلق على المصاريف المالية لأنها كما يبدو من مظهرها فى بحبوحة مالية «لكن هى الفلوس ما كنتش هتيجب سرير فى العناية لأن فى الساعتين اللى استنيت فيهم كلمت كذا مستشفى وما كانش فى سراير عناية فى أى مستشفى قريب ونقله لبعيد بالحالة اللى وصل بيها المستشفى كانت هتكون مغامرة حتى لو بسيارة إسعاف برفقة طبيب».

ويقول محمد محسين خليل، رئيس لجنة الحق فى الصحة فى نقابة الأطباء إن مشكلة توافر أماكن بغرف الرعاية المركزة أصحبت جزءًا معضلًا من مشكلة الخدمة ـ الرعاية الصحية فى مصر، لافتًا إلى أن مصر «فيها حوالى عشرة آلاف وخمسمائة» سرير رعاية مركزة لأن نحو الثلث أو يزيد من هذه الأسرة لا تعمل لعدم وجود تمريض أو أطباء عناية مركزة.

وبحسب محمد محسن خليل فإن حتى عدد الأسرة الأصلى غير كافٍ لتقديم الغوث فى حالات الاحتياج للرعاية المركزة كما أن غياب غرف تحكم مركزية للرعاية المركزة يعجز المرضى وذويهم فإذا كان المريض قد تم نقله لمستشفى لا يوجد به رعايا مركزة فتكون مسئولية من معه أن يتوصلوا مع كل المستشفيات للبحث عن مكان فى أى مسشتفى.

ويضيف محمد محسن خليل إن النقص فى عدد أسرة العناية المركزة هو جزء من النواقص العديدة التى يواجهها المرضى فى الخدمة الصحية والتى تشمل بداية عدد الأطباء «حيث إن الحكومة تقول إن مصر بها نحو ربع مليون طبيب ولكن هذا حديث غير سليم ان هذا فعليًا هو عدد الأطباء المسجلين فى الكشوف التابعة للنقابة منذ عام 1940، وبالتاكيد فإن من تخرج وبدأ ممارسة الطب قبل أكثر من سبع عقود هو فى الأرجح غير ممارس اليوم أن لم يكن قد توفاه الله».

ويقدر محمد محسن خليل إن العدد الفعلى للأطباء حسب معلومات الجهاز المركزى للإحصاء المتاحة فى عام 2015 يقل عن نصف العدد الذى تردده الحكومة، لافتًا إلى أن هذا يمثل نقصًا كبيرًا بنحو 40 بالمائة عن الاحتياج الفعلى «وهذا النقص الإجمالى لأن هناك مشكلة مزمنة فى توزيع الأطباء الممارسين والدين يتكدسون فى أماكن من البلد دون غيرها فى حين أن هناك مناطق فى الصعيد والدلتا على سبيل المثال تعانى من شبه الغياب الكامل للأطباء مما يتسبب فى تعطيل قرابة 30 بالمائة من الوحدات الصحية».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل