المحتوى الرئيسى

"أنت".. الضمير "الثالث" في السرد العربي، كيف ساد؟

08/17 09:49

كتاب يختص بدارسة وتحليل -ربما للمرة الأولى في النقد العربي- ظاهرة السرد عن طريق ضمير المخاطب أو كما يسميه البعض "الضمير الثالث". كتاب "أنت.. ضمير المخاطب في السرد العربي" يرد طريقة السرد المعاصر هذه إلى ما هو أبعد من الأعمال الأدبية الحديثة التي اعتمدت ضمير المخاطب في سرد الأحداث، إذ يقول مؤلفه الناقد والمترجم خيري دومة، أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة:

"ضمير المخاطب في الأدب، أو حتى في السرد، ليس ظاهرة جديدة، ولا ظاهرة خاصة بالأدب العربي؛ فقد ألفنا "الحديث" إلى القارئ وبضمير المخاطب في كل الثقافات الشفاهية، التي تقوم على لقاء حي بين متكلم ومستمعيه. وكان من الطبيعي أن تنهض البلاغة القديمة في كل الآداب، على حضور المخاطَب، ورغبة المتكلم في إقناعه بكل السبل، واتخذ هذا التفاعل بين المتكلم والمستمعين صورًا متعددة على مدار التاريخ، وجدت أبرز تجلِّ لها في نوعين من الأدب القديم على وجه الخصوص، هما "الشعر الغنائي" و"الخطابة".

الكتاب الذي صدر أخيراً عن عن الدار المصرية اللبنانية، ضمن سلسلة (رؤى نقدية)، استغرق تأليف وإعداد فصوله سنوات عدة وكانت مادته دائما "كتاب مفتوح. سيظل كذلك، ولا أظنه سيكتمل. لم يكن من الممكن إغلاقه إلا بقرار. وستظل تداعبني بلا نهاية، فكرة إضافة فصول وزوايا ونصوص جديدة إليه".

بدأت فكرة الكتاب، كما يوضح مؤلفه، أثناء عمله في أوائل التسعينيات على أطروحته للدكتوراه التي نالها من جامعة القاهرة، بإشراف أستاذه د. سيد البحراوي.

يقول: "لاحظت مع قراءة نصوص القصص القصيرة لتصنيفها، واكتشاف تقاليد الأنواع الأدبية المختلفة فيها، أن هناك ظاهرتين لغويتين بسيطتين، حين تظهران في النص القصصي فإنهما تشيران بوضوح وباطّراد مُطَمْئِن، إلى توقف حركة السرد، وتصاعد نغمة الغناء، وتعلنان عن إمكانية للتداخل بين نوعين من الأدب يصح أن يلتفت إليها الباحث. أولى هاتين الظاهرتين كانت استخدام ضمير المخاطب لسرد القصة، بدلاً من ضمير المتكلم والغائب المعتادين في كل سرد، أما الثانية فكانت استخدام الجملة الاسمية (أو الجملة الفعلية ذات الفعل المضارع)، بدلا من الجملة الفعلية، خصوصًا ذات الفعل الماضي المعتاد في معظم السرد".

ويوضح دومة أن طه حسين كان مثالاً بارزًا على مخاطبة القارئ بضمير المخاطب على نحو مباشر؛ فبدأت منه ومن كتبه النقدية والإبداعية المتشابهة في هذه النقطة، خصوصًا في كتابيه "المعذبون في الأرض" و"ما وراء النهر"، ولاحظ كيف يوظف مصطلح "الحديث" توظيفًا لافتًا ودالاً جعل منه راويًا محدِّثًا بامتياز. ومن طه حسين انتقلت إلى تلميذه يوسف إدريس الذي استخدم في سرده الواقعي الجديد ما أسماه المؤلف "فن الحديث"، ولكن بطريقته الخاصة المختلفة تمامًا عن طريقة أستاذه.

إذن، وبحسب تحليل دومة، بات مصطلح "الحديث" مصطلحًا سرديًّا، يتبلور بين يدي بحثه يومًا بعد يوم، ودراسة بعد دراسة، وفي هذه الأثناء ربط المؤلف بين المصطلح في مفهومه السردي المعاصر، وبين مصطلح "الحديث" الذي يحضر بقوة في التراث العربي، ومن هنا استشعر المؤلف ضرورة البدء من هذه النقطة البعيدة لتعميق الفهم للظاهرة وللوعي بحضوره ومجاليه المختلفة من ناحية ثانية.

تطرقت دراسة المؤلف إلى فحص وتأمل سيرة المصطلح في التراث العربي، كيف شاعت كلمة "حديث" و"حدثنا" ومشتقاتهما على نحو مدهش وبمعان متغيرة، وكيف عالجت المعاجم العربية الكلمة ومعانيها، وكيف شمل معناها أنواعًا مختلفة من النثر العربي القديم، وكيف تحرج المثقفون من استخدامها في وصف القص، ثم كيف انتقلت الكلمة إلى اللغة العامية فصارت "حدوتة"، واكتسب معناها ظلالاً جديدة، إلى أن وصلنا إلى بدايات النهضة العربية الحديثة، وما رافقها من مصطلحات سردية جديدة.

أثناء عمله على النثر العربي القديم بتاريخه الطويل، لفت المؤلفَ واحدٌ من أشهر الكتب التي استخدمت ضمير المخاطب وأطولها في التراث العربي، وهو كتاب أبي حيان التوحيدي "الإشارات الإلهية"، الذي رأى فيه دومة بلورةً لنوع من الأدب العربي لم يلق حظه من الدرس النقدي، كما مثل ذروة متقدمة لاستخدام ضمير "الأنت"، على نحو أقرب إلى ما فعله الكتاب المعاصرون، حين انقسموا على أنفسهم وأشبعوها لومًا وتقريعًا.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل