المحتوى الرئيسى

عن العرب المغيبين عن بلادهم ومستقبلهم

08/16 21:19

- لكل من أرضنا نصيب والحكم للطوائف!

بات الحديث عن اندثار «العرب» هو السائد، وكأنما الهوية الجامعة بين أشتاتهم الموزعة على عشرين دولة (قابلة للزيادة..) كانت مجرد أسطورة أو اختراع غربى (بريطانى على الأرجح) تمهيدا لإخراجهم كمسلمين، بغالبيتهم، من السلطنة العثمانية وشعارها الإسلامى الجامع.

وفى حين تمسكت مصر بإعلان الهوية العربية فى اسم دولتها «جمهورية مصر العربية»، رسميا على الأقل، فإن دولة مثل اليمن قد أُسقطت كلمة «العربية» عن اسمها الرسمى، وكذلك العراق، وليبيا، أما سوريا ففى حين يتمسك النظام بهذه الهوية (الجمهورية العربية السورية) فإن المعارضة المقاتلة ضده بالسلاح قد أسقطت «العروبة» عمدا عن هوية مشروعها للسلطة. بالمقابل فإن دولة مثل «الإمارات العربية المتحدة» لم يكن أمامها خيار، إذ من دون العروبة كان يمكن لكل مشيخة أن تتخذ لها هوية شيخها والسلام.

هذا فى الشكل، أما فى المضمون فإن جامعة الدول العربية قد انتهت كمؤسسة جامعة لهذه الدول المسلمة – مبدئيا – بهويتها العربية، ولم يتبق منها إلا الاسم.

لا جامع سياسيا بين العرب، أو دولهم، فى هذه اللحظة أو ربما فى المستقبل القريب.. فلا «رأس»، لا قائد ولا قيادة، لا جبهة أو مرجعية ولا قيادة مشتركة تجمعهم على أهداف نضالهم الواحد بأهدافه حكما، من أجل مستقبلهم الأفضل.

أما فى «الشارع» فقد التهم الصراع على السلطة، فى العقود الأربعة الماضية، من كانوا، ذات يوم، فى صفوف النضال من أجل «أمة عربية واحدة» ذات رسالة خالدة «كحزب البعث»، أو فى صفوف «القوميين العرب»، أو حتى فى انشقاقات التنظيم الذى كان لكل منهما، «قيادة قومية» و«قيادات قطرية» لكل فرع.

ولقد تسبب سقوط السياسة فى الوطن العربى، عموما، واندثار الأحزاب التى شكلت، فى زمن سابق، عماد الحياة السياسية بصراعاتها على السلطة تحت الشعار القومى فى العودة – بالرغبة – أو بدوافع خارجية – إلى الدين... والدين مذاهب، وهكذا اختفت العروبة ليحل محلها «الإسلام» الذى بات الآن «إسلامين»: فهناك الأكثرية السنية، وإلى جانبها: الأقلية الشيعية «الوازنة». وعلــى الهامــش أكــثر من «إسلام» فيه المبتدع للفتنة أو لأغراض سياسية محددة.

ومع تفجر إيران بالثورة الإسلامية وإسقاط الشاه فى العام 1979، كان منطقيا أن تبحث «الجمهورية» الجديدة عن مدى حيوى جغرافى وسياسى.. فكان أن التفتت إلى الشيعة فى جوارها العربى، الذين كانوا يعانون – فى العراق خاصة – ظلامة واضحة بين مظاهرها إبعادهم عن مواقع القرار فى السلطة.. وكذلك فى البحرين، ثم تمدد اهتمامها إلى شيعة الكويت، فإلى شيعة لبنان حيث وجدت معهم «القضية» التى تغطى المذهبية بشعار التحرير: تحرير ما يحتله العدو الإسرائيلى من أرض لبنان، وهى تقع فى الجنوب ذى الغالبية الشيعية بين أهله.

أما فى السياسة فقط وجد الرئيس السورى حافظ الأسد، الذى كان على خلاف حاد مع صدام حسين، من جهة، ومع أنور السادات من جهة أخرى، حليفا قويا فى إيران الخمينى.. وكان لا بد من أن ينسب «المدققون» هذا «التحالف» إلى التقارب – نظريا – بين شيعة إيران الخمينى و«علوية» حافظ الأسد، على ما بين الشيعة والعلويين من خلافات عقائدية حادة.

هكذا قام مشروع منظومة سياسية ــ طائفية، كان يمكن «للسنية السياسية» أن تجد فيها خصما قويا. ولعل حرب صدام حسين على إيران الخمينــى قد عــززت هــذا «التصنيف»، وقسمت عرب المشرق على أساس مذهبى، فاعتبر شيعة لبنان مع شيعة العراق، مع شيعة البحرين والكويت، مع علويى سوريا وكأنهم فى معــسكر واحد.. مع أن هذا غير صحيح بالمطلق، وإن كان يمكن استغلاله فى الصراع.

بالتأكيد فإن غياب مصر، التى لم تعرف مثل هذا الصراع المذهبى، ولم تشجعه فى أى يوم، بل كانت وما زالت تمثل الاعتدال فى الدين وتجمع بين«طقوس» المختلفين.. هذا الغياب، قد أفسح فى المجال أمام تغييب المضمون السياسى، فتبدى المشرق وكأنه على وشك أن يستعيد فصولا من «الفتنة الكبرى»..

صار العرب عربين، أقله فى المشرق.. ولأن مصر غائبة، وكذلك الدول الوازنة فى المغرب العربى (الجزائر والمغرب ومعهما تونس)، فقد تفاقم الصراع مذهبيا، وتم تغييب الجوامع الوطنية والقومية.

كان ذلك بديهيا – خصوصا وأن السعودية ذات التطبيق المتشدد لأكثر المذاهب السنية تزمتا، قد تقدمت لتتصدر «أهل السنة» من موقع الخصومة التى تكاد أن تكون عداء للمذاهب السنية الأخرى، فكيف بالشيعة التى يسهل اتهامها بالتبــعية لإيران.

صار بديهيا، أيضا، الحديث عن محور شيعى يمتد من إيران إلى العراق فلبنان، حيث للشيعة وجود وازن، عبر سوريا التى يسهل دمغ نظامها بأنه «علوى» وبالتالى فهو أقرب إلى الشيعة... ثم إنه قد حالف إيران الشيعية فى حربها على العراق السنى بمجمله، برغم أن الشيعة فيه أكثر عددا من السنة.

ومؤكد أن غياب مصر عن المسرح والفعل السياسى عربيا قد وسع مساحة الاختلاف الفقهى ــ ظاهرا ــ السياسى فعلا..

كذلك فإن انتصار المقاومة فى لبنان ممثلة بـ«حزب الله» الذى لا ينكر علاقته العضوية بإيران (تسليحا وتدريبا وتمويلا) قد أضاف إلى رصــيد إيران (ومعها سوريا).. فى حين أن الموقف «المحايد» بل «البارد» الذى اتخذه المحور الخليجى بالقيادة السعودية، من المواجهة الشرسة لمقاتلى هذا الحزب مع العدو الإسرائيلى، قد ضرب – مرة أخرى – وحدة الموقف العربى، حتى من هذا العدو.

فلما تم تفجر الحرب فى سوريا وعليها انقسم العرب، المنقسمون أصلا، إلى معسكرين: أولهما، وهو السعودى – الخليجى ومعه تركيا التى كانت تعيش شهر عسل مع النظام السورى.. وكان بديهيا أن يرى كثيرون فى هذا الانقسام شبهة الانغماس فى الحرب المذهبية، قفزا من فوق الهوية العربية لسوريا بالتركيز على طائفة رئيسها.

ومرة أخرى، تتبدى هنا خطورة انكفاء مصر عن لعب دورها الجامع، من موقعها كأكبر دولة عربية، وصاحبة التاريخ الذى لا يستطيع أحد إنكاره، سواء فى مواجهة إسرائيل (قبل اتفاق كامب ديفيد)، أم فى ترفع شعبها عن الانغماس فى لعبة الانتحار المذهبية.

فأما العراق فإن الاحتلال الأمريكى لأرضه وإسقاط نظامه وتسليم طاغيته صدام حسين إلى الشيعة فى فوضاهم المريعة معززة بالعصبية الطائفية، كل ذلك قد أسس لفتنة مفتوحة فى أرض الرافدين، سرعان ما أفاد من مناخها التقسيمى كل صاحب مصلحة فى شطب دور العراق شديد التأثير فى المواجهة المفترض أنها مفتوحة مع العدو الإسرائيلى، ونقل الصراع إلى أرضه بعنوان مذهبى.

بالمقابل فإن الصراع على النفوذ فى المنطقة قد بلغ اليمن. وهناك أيضا تقدمت إيران لدعم الزيود (وهم يحتسبون مع الشيعة أو ضمنهم) مقابل الشوافع وهم من أهل السنة الذين سارعت السعودية إلى تبنيهم بحجة الحرص على حصتهم فى السلطة..

المشرق، إذن، من أدناه إلى أقصاه، غارق فى مشاريع فتن، لم يحد من مخاطرها حتى اقتحام «داعش»، المسرح، مقاتلا ضد الجميع.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل