المحتوى الرئيسى

جُزر قرقنة التونسية: التاريخ يروي مساراته ومزاراته

08/16 17:38

تواصل فعاليات "صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016"، فعالياتها حيث شهدت جزيرة قرقنة في إطار مشروع "المسارات والمزارات" وهو من المشاريع الهامة في برمجة العاصمة الثقافية، مهرجانا جمع بين الطرافة والجمالية، حيث تابع سكان الجزيرة وزوّارها الذين يتوافدون إليها كل صيف بالآلاف، عديد العروض والمعارض والفعاليات التي تصبُّ كلّها في التعريف بتراث أرخبيل قرقنة وتجذّره في عمق التاريخ الإنساني.

وتعرف المزارات والمواقع الثقافية والأنشطة الفنية التي يزخر بها "مسار الأرخبيل" في جزر قرقنة أحلى فتراتها واِنتعاشتها القصوى خلال فصل الصيف الذي تُصبح فيه قِبلة لعشرات الآلاف من الزوّار، وهي فرصة لإبراز عمق التراث المادي واللامادي فيها.

وسط ساحة بلدة "أولاد يانق" بجزيرة قرقنة وفي ظل حضور جماهيري كبير اِنتظمت فعاليات الدورة الثالثة من "مهرجان القُلَّة" وهو مهرجان يعتمد أساسا على فنون الشارع والقرب أكثر ما أمكن من الجمهور، من خلال تقديم عروض فولكلورية من التراث الشعبي المحلّي الذي وجد تفاعلا كبيرا من الحاضرون سواء من أبناء الجزيرة أو زوّارها الذين يتوجّهون إليها بالآلاف خلال فصل الصيف، وتمّ تقديم العروض في فضاءات مفتوحة، وهو الخيار الذي تراهن عليه تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 حيث بكون الفعل الثقافي والتعبيرات الثقافية بشكل عام قريبة من الناس وتتوجه إليهم أينما كانوا.

ولأن "أولاد يانق" منطقة بحرية تتواجد في موقع استراتيجي مهم بالارخبيل القرقني ولان البحر جزء من الذاكرة والتراث القرقني فإنّ المهرجان تضمّن معرضا للحِرف والمنتوجات التقليدية المصنوعة من سعف النخيل فضلا عن الأنسجة التقليدية مع عرض بعض الأكلات التي تختصُّ بها الجزيرة والتي تُصنع في المنازل وتعتمد منتوجات النخيل كمواد أولية لها، هذا بالإضافة لمعرض خاص بآلات الصيد الوفلاحة القديمة ومستلزماتها.

ومن الفقرات التي كان لها أثر كبير، وجمعت حولها الآلاف سهرة اليوم الأول والتي جاءت تحت عنوان "عرس الطبل" أين تنافست فرقة عديد الفرق الفلكلوريةمن قرقنة ومن دوز وتطاوين على تقديم وصلات غنائية من الفولكلور والتراث الشعبي.

وللطبل في جزيرة قرقنة حكايات تطول، وله مع الناس والحجر تاريخ طويل وقصص يحفظها الصغار قبل الكبار...

الطبل هنا في هذا الأرخبيل التونسي الجميل ليس مجرد آلة إيقاعية تضفي حالات من السعادة والفرح على المتلقّي تقدم إيقاعات محليّة أصيلة ومتجذّرة في التاريخ، أو رمز من رموز الأعراس والمناسبات السعيدة، بل هو يتجاوز ذلك ليكون جزءًا من الحياة اليومية للإنسان "القرقني"، ولكنّه تاريخ وأيام تداولها الناس منذ قرون، ما جعله يبقى حالة عشق متبادل وتأصيلا لعلاقة الإنسان بالفن...

برنامج المهرجان تضمّن أيضا ندوة فكرية محورها "الطبل في الفولكلور القرقني" إلى جانب فقرة من العرس التقليدي المحلّي تُسمّى "هروب قرقني" وهي الليلة التي تسبق ليلة الدخلة مباشرة وتمتاز بما يتمّ تقديمه من أغانٍ فلكلورية من قِبل فرقة نسائية، كما تلبس كل الحاضرات ومن مختلف الأعمار الأزياء التقليدية.

ومن فقرات المهرجان التي طبعت تجذّره وتأصّله، الرحلة البحرية على متن مراكب الصيد الشراعية تحت اسم "قُفَّة البحر" وهي الملحمة اليومية التي تكشف عن جزء من شخصية الإنسان في قرقنة، بجولة بين المواقع الأثرية في الجزيرة تًسهم في تشكيل اللوحة الفسيفسائية القرقنية لأرض سكنها النوميديّون والرومان والإسبان والنورمان ويشهد على ذلك القبور والسراديب وبرج "ملّيتة وبرج الحصار...

ويعتبر برج الحصار الموقع الأثري الأبرز في الجزيرة والمصنّف من المواقع الهامّة بالنظر للحفريّات التي كشفت بجواره عن ميناء كبير مرَّ به القائد القرطاجنيّ حنبعل في رحلة فراره عبر البحر ولهذا المرور حكايات تُرْوَى تعتمد أساسا على صخرة "البو" وهي الصخرة الباقية من الموقع الذي وقف فيه حنّبعل مخاطبا جنده ومن سانده من أهل الجزيرة حتى يخرج منها يسلام وفي هذا تُروى حكايات دوّنتها الكتب والذاكرة الشعبية.

أما نمط العيش والتراث المادي لأرخبيل قرقنة فقد حفظت الكثير منه طبيعة الحياة اليومية في الجزر، وقد نجح متحف العباسية في جمع جزء كبير منه وتشحيصه في لوحات تحاول الإقتراب في أدقّ تفاصيل حياة "القرقني" في البر والبحر الأمر الذي اِشتغل عليها طويلا عبد الحميد الفهري الباحث في ثقافة الجزر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل