المحتوى الرئيسى

عاملة إيه انهارده؟

08/16 07:58

علاقتي بالمطبخ كانت تتلخص في زيارت خاطفة لأمي، أفتح أغطية الحلل وأسأل السؤال اليومي "عاملة إيه انهارده؟" كنت فتاة مدللة. تمنعني أمي من حمل طلبات البيت أو تقشير البصل أو حتى قلي البيض، تقول "أخاف إن إيدك تتخدش"، "أخاف يطلعلك عروق في إيدك". تذكرت هذا بعدها بسنوات قليلة عندما وجدت نفسي ربّة بيت، أحمل حقائب ثقيلة من طلبات البيت وعروق يدي كلها نافرة، أقف في المطبخ وحدي مع كل الأشياء التي كنت أزورها من بعيد.

لا أدري أين تذهب كلمات الخطوبة العذبة عن إن "آخر اهتماماتي الطعام" و"أي حاجة من إيديكي تبقى حلوة"، فجأة تواجهين كلمات مثل "عايز محشي" "نفسي في ملوخية". تجدين نفسك أمام فرخة مذبوحة وعيدان خصراء طويلة ولفائف من ورق العنب. تقفين كالمصعوقة، كل الاتصالات بصاحبات الخبرة وكل الكتب ووصفات الإنترنت لن تفلح مع بداية متهورة وضخمة للمطبخ.

أصابتني عقدة من المطبخ. العقدة لم تنشأ بسبب التدليل القديم، فرغبتي الكبيرة في صناعة حياة تخصّني كانت تمنحني المسؤولية والحماس اللازمين لصناعة مطبخ خاص بي، ولكن أسباب نشوء العقدة هي عدم الصبر وعدم التشجيع، على سبيل المثال انعدام جملة "تسلم إيدك" واستبدالها بالعديد من الملاحظات أو علامات الضيق والضجر.

عندما يسألني أبنائي "عاملة إيه انهارده؟" حال يدي يكون فوق قلبي، أجاوب بسرعة كأني منهمكة، كرهت المطبخ. حاجز كبير أقيم بيننا نتيجة شعوري أنه أحد أسباب تعاستي، كنت إذا زرت أحدهم تجنبت المطبخ، أمر عليه بسرعة كأنه أوضة الفيران، أدخله في بيتي كأني داخلة لجنة امتحان، أو فصلاً دراسيًا يصيبك بالضجر، الغريب هو التواطؤ الذي حدث ضدي من قطرات الزيت التي باتت تلسعني كل يوم، وسكاكين المطبخ وغطاء علبة السمن الذي راح يجرحني كل مرة بشكل مختلف.

الأمرّ أني إذا أتت سيرة الطبيخ أعلنت ببساطة ويقين أن "أكلي وحش"، ينظرون لي باستغراب وتساؤلات لا أجد إجابة لها، كان هذا قبل عدة أشهر، عندما زارني الشغف في المطبخ، وقد زارني كثيرًا من قبل، لكنها أول مرّة يدخل مطبخي، ربما أعوام عمري.. ربما أبواب قلبي.. ربما أشياء لا أعرفها هيئت له أن يزورني.

في البداية كنت أسمع أغاني تدور في عقلي، جعلتني أتنقل بين الخزانات والوحدات بخفّة كأني أرقص، خطوات بالكاد تلمس الأرض، ثم كانت خطوة فارقة عندما أصبحت أتعامل بيدي، وليس بالمغارف والأدوات كما كنت أفعل، أمسك خلطة المحشي بيدي وبدفء ألفّه، وبعذوبة الموسيقى أرصّه في الحلّة، أضع مع المقادير ابتسامتي وحبّي والموسيقى داخلي.

ثم زرعت في مطبخي، زرعتين صغيرتين بزهور وردية جميلة تداعب عيني مع كل دخول للمطبخ، بل وتشجعني على البقاء فيه، لعب الأطفال الصغيرة بألوانها الفاقعة نثرتها على الرفوف فزادت من جمال مطبخي أيضًا، شغّلت الأغاني التي أحبها، أصبحت أقف في مكان يشبه روحي، الألفة تزيد قدرتك على العطاء، الموسيقى والرقص يحررانك من مخاوفك وعقدك، الجمال الذي يجتاحك يصل لكل ما تصنعه يدك، حتى الأشياء حولك تصبح أرقّ وتنجذب لك في سيمفونية كونية بديعة.

إذا لم تجدي من يشجعك على المطبخ، اصنعي أنتِ عالمك بنفسك، ولا تنتظري الآراء ولا تخشي النقد، لا تأخذك التوقعات لرومانسية المطابخ والعمل المشترك، تذكري جيدًا أنه مكانك الخاص وكل ما فيه يجب أن يحمل نكهتك، اطبخي الطعام بحب وكفى.

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل