المحتوى الرئيسى

فى المسألة القبطية.. الحوار المجتمعى (5)

08/14 23:28

يظل التواصل والحوار أقصر الطرق لمواجهة أزماتنا، شريطة أن يقوم على المكاشفة والمصارحة والثقة بين أطرافه، وهو أمر تفرضه علينا اللحظة التى نسعى فيها للخروج من نفق طال.. وفيما نحن نطرحه متعلقاً بالمسألة القبطية، لا بديل عن هذا الحوار، لذلك كانت الدعوة لمؤتمر مفتوح لمناقشة وتحليل مشروع قانون بناء الكنائس الذى تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب، كالتزام دستورى نصت عليه المادة 235 من الدستور المصرى (يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية).

وقد أثارت الدعوة للمؤتمر العديد من التساؤلات، عن الداعين والتوقيت والهدف، فى مناخ تتكاثر فيه الأسئلة، وتغيب عنه الإجابات، وتتربص به الشكوك، خاصة أن الحوار المجتمعى آلية تعثرت كثيراً، رغم أننا نعيش عصر الفضاءات المفتوحة، وتتوافر لنا أدوات التواصل الاجتماعى الحديثة والسريعة، لكنها اختطفت إلى دوائر التنابذ وبعضها إلى «الملاسنة».

فالمؤتمر جاء كمحاولة لعودة الدور الحقيقى للمجتمع المدنى فى ضبط بوصلة الحوار المجتمعى، ويمكن المراكمة عليه لولادة تجمعات فكرية إيجابية تفتح الطريق للشباب للمشاركة فى الهم العام بشكل مؤسسى حقيقى وفاعل.

كان السؤال المؤسس لماذا لا نقدم كمجموعة من المفكرين على اختلاف توجهاتنا رؤية مشتركة لحلول حقيقية لأزمة الاحتقان الطائفى التى تؤرق وتهدد سلام واستقرار المجتمع والوطن، وفى محاولات الإجابة جاءت فكرة المؤتمر، الذى هو تجمع مدنى يؤكد الدور الإيجابى المنوط بالمجتمع المدنى ومشاركته فى ترسيخ مفهوم الدولة المدنية، وينطلق من أرضية وطنية وليست سياسية أو دينية، ولذلك فقد شارك فى الإعداد لهذا المؤتمر، وفى ما يطرحه، أجنحة عديدة فى المجتمع المدنى تجاوزت اختلافاتها وتبايناتها لحساب الوطن.

فى سعى لتقديم رؤية وقراءة قانونية وواقعية لما أُعلن عن مشروع قانون بناء الكنائس من الحكومة لمجلس النواب، بما نراه فيه من نقاط تنتهى إلى تفاقم أزمة بناء الكنائس وليس إلى حلها.

وهو لا يمثل مصادمة مع الجهات المعنية وذات الصلة بالمشروع المقدم، سواء الحكومة أو الكنائس أو البرلمان ومن ثم الدولة، بل هو داعم لكل الجهود التى ترسخ لدولة القانون والمواطنة، عبر آليات الحوار والنقاش وقبول الاختلاف.

ولذلك جاء التأكيد على أن المؤتمر لا يطرح رؤية عن حقوق الأقباط وواجباتهم لكونهم أقباطاً، بل لأنهم مواطنون مصريون بالأساس، يواجهون استهدافاً لكونهم أقباطاً، بفعل موروثات صنعتها أنظمة متعاقبة وثقافات اخترقت الفضاء المجتمعى سعت لخلخلة منظومة القيم المصرية الأصيلة.

ولعل الأزمة الحقيقية أن هناك من لا يدرك أننا، والعالم من حولنا، قد انتقلنا من سياقات وأحكام وعلاقات الثورة الصناعية إلى أحكام وعلاقات وأجيال تشكلت ذهنياتها فى ثورة الاتصالات وسيولة المعلومات، لتشكل عالماً جديداً لم تعد فيه الحقوق والواجبات مرتهنة بالنسبة العددية وأثقال الخريطة السكانية، وصار العنوان (دولة المواطنة).

لذلك لم يعد الكلام عن عدد الأقباط مطروحاً، ولم تعد قضية الأغلبية والأقلية العددية هى المؤسِِّسة للالتزام بالواجبات، ونوال الحقوق، وهذا ما أكدته المواثيق الأممية والدولية التى قبِلتها ووقعتها مصر، وما أكده دستورها 2014، وما ترسخ عبر كل الدساتير المصرية منذ عرفنا الدولة بمفهومها الحديث مع إرهاصات تجربة محمد على باشا 1805، التى أسست للانتقال اليها من دولة الملل والنحل والطوائف.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل