المحتوى الرئيسى

مجزرة رابعة

08/14 10:27

مجزرة صب فيها الجيش المصري النار على آلاف المعتصمين في ميدان رابعة العدوية، فيهم النساء والأطفال والشيوخ، فأثخن قتلا وحرقا وعاث فسادا ودمارا حتى ضج الميدان واختلط الأموات بالأحياء، وحُرّقت الجثث وتطايرت الأشلاء وضاعت الهويات، وغصت المستشفيات والمشارح.

وقد وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها "إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث".

بدأت الأحداث تترى متسارعة بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، فانطلقت مظاهرات منددة بالانقلاب وأهله، وأخرى مرحبة مؤيدة، ولكن ميدان رابعة والنهضة وغيرهما من معاقل الرافضين للانقلاب كانت تستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وكانت سلطة الانقلاب ضيقة الصدر تتربص بكل من يعارض الانقلاب أو يناوئ الحكم الجديد.

اتُّهم المرابطون في ميدان رابعة بحيازة الأسلحة، وبترويع الآمنين ومضايقة السكان، وأجمع الملأ من قوم الانقلاب على فض الاعتصام، وارتفعت أصوات أمنية وإعلامية تنادي بإدة المعتصمين، فكان ما كان.

المكان ميدان رابعة العدوية (نسبة إلى الزاهدة البصرية المعروفة المتوفاة سنة 180 للهجرة) شرقي القاهرة، والزمان صباح يوم 14 أغسطس/آب 2013، حيث يرابط عشرات الآلاف من المصريين الرافضين لانقلاب عبد الفتاح السيسي والمنادين بعودة الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهذا هو شهرهم الثاني في الاعتصام.

صبّح الجيش المعتصمين وهم غارّون هاجعون بعد صلاة الفجر، وقد بدأ الهجوم من شارع طيبة مول ثم شمل كل المداخل الرئيسية، واقتحمت المدرعات والمجنزرات الميدان، وانتشرت سحب غاز الدموع، واعتلى القناصة أسطح المنازل وحلقت الطائرات الحربية في سماء الميدان.

وتدفقت جحافل الجيش والشرطة وبدأت تمطر الناس بالرصاص الحي، وتحاصر المنافذ الرئيسية للميدان، وكانت طائرات الأباتشي تصب قنابل الغاز وتقنص المصورين.

لقد بدأ ما يشبه المعركة الحربية فهبت رائحة الموت، واهتزت الأرض وماجت الشوارع وتقطعت بالمعتصمين الأسباب، واندفعوا يبحثون عن ملاذ آمن.

فاتجه البعض إلى المستشفى الميداني، واتجه آخرون إلى مسجد رابعة، ولاذ فريق بالفرار، ولكنْ جاء الموت من كل مكان وعصف بالمكان وأهله، وغشيت المعتصمين أمواج من الهول والكرب، وطفقت القوات المهاجمة تجْهز على الجرحى وتحرّق الموتى، ولم يسلم المستشفى الميداني، ولا الأطباء والمسعفون.

وكانت قنابل الصوت تعلو صراخ المستغيثين، وتَكظِم أنين الجرحى، ومع ذلك فقد قال شهود عيان إن الجنود المنتصرين كانوا يجلسون وسط ركام الأموات يأكلون ويشربون، ويبحثون عما في مخيمات الميدان المنكوب من الغنائم.

هذا شاهد عيان يروي للجزيرة: "دخلنا الميدان حيث صوت الجرافات والرائحة الكريهة المنبعثة من الميدان، نتيجة الحرائق، والدماء، والجثث المحترقة، والجثث التي بدأت تتعفن، بجانب بدء حرق كل الخيام المتبقية".

ويمضي قائلا: "في المستشفى الميداني جثث ملقاة على الأرض ملفوفة بقماش أبيض، كلها مجهولة وأصحابها غير معروفين، وعلى أغلبهم مصاحف صغيرة، رائحة بشعة تفوح في كل أرجاء المكان، جثث متفحمة، غاز مسيل للدموع، دخان الخيام المحترقة، وأغراض المعتصمين المتفحمة، جرافات وكاسحات ضخمة في كل مكان".

وفي تقرير مفصل أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش في أغطس/آب 2014، واستغرق إعداده سنة كاملة، وصفت المنظمة الفاجعة بأنها إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث.

وقالت إن ما حصل "لم يكن مجرد حالة من حالات القوة المفرطة أو ضعف التدريب، بل كانت حملة قمعية عنيفة مدبرة من جانب أعلى مستويات الحكومة المصرية".

ويومها قدم محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت حينذاك استقالته احتجاجا على ما حصل. وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد يوم من المذبحة: "إن الولايات المتحدة تدين بقوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين". 

واقتصر الأمين العام للأم المتحدة بان كي مون على إدانة على لسان المتحدث باسمه، واكتفى الاتحاد الأوروبي بالتعبير عن قلقه. 

ووجه رئيس الوزراء التركي يومها رجب طيب أردوغان انتقادا لاذعا للسلطات المصرية، ودعا بيان صدر عن مكتبه مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية لإيقاف المجزرة، فيما وصف الرئيس التركي -يومذاك- عبد الله غل الحادث بأنه "لا يمكن أن يقبل إطلاقا".

وأدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقوة قتل المتظاهرين، واعتبر ما حصل انقلابا على الشرعية الدستورية والديمقراطية واقترافا "لأفظع جريمة عرفها تاريخ مصر الطويل" وقال في بيان له: "إن تاريخ مصر بل وتاريخ الإنسانية لن يغفر لأولئك الوالغين في الدماء والأعراض".

على المستوى الشعبي خرجت تظاهرات عديدة في عدد من الدول العربية والغربية لإدانة المجزرة، ودعت إلى إدارة الصراع السياسي بالقواعد الديمقراطية وليس بالرصاص والجرافات.

وقد أصبحت إشارة رابعة (رفع أصابع اليد كلها وعقد الإبهام) رمزا عالميا، رفعه زعماء سياسيون من بينهم أردوغان، وأصر المناهضون للانقلاب على رفعه في كل أنحاء مصر. 

وقد اختلفت التقديرات في عدد القتلى والمصابين في المجزرة، فورد في تصريحات لقيادات من الإخوان المسلمين كمحمد البلتاجي وعصام العريان، أن عدد القتلى تجاوز 3000 قتيل وآلاف الجرحى والمصابين، وذهبت قيادات أخرى إلى أن عدد القتلى بلغ خمسة آلاف.

وأعلن تحالف دعم الشرعية المؤيد لمرسي أن إجمالي الوفيات في فض اعتصام رابعة وحده بلغ 2600 قتيل، وهو العدد الذي أعلنه المستشفى الميداني في رابعة.

وتحدث تقرير وزارة الصحة المصرية عن 670 قتيلا ونحو 4400 مصاب. وأعلن المسؤولون عن الطب الشرعي بالقاهرة -في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2013- أن إجمالي عدد القتلى بلغ 377 قتيلا، من بينهم 31 جثة مجهولة الهوية.

وذكر تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن "قوات الأمن المصرية قتلت أكثر من ألف على الأرجح".

ونبه نبيل فهمي (عضو سابق بالمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر) إلى صعوبة الجزم بإحصائية دقيقة لضحايا الفض "في ظل امتناع عدد من الأهالي عن إيصال الجثث للمشرحة أو المستشفيات، وفي ظل الحديث عن حرق وتجريف جثث أخرى".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل