المحتوى الرئيسى

الانتخابات.. والحقارة المطلقة | المصري اليوم

08/14 00:19

سئل نابليون بونابرت يوماً عن السبب فى قلة عدد رجال الدولة العظماء؛ فأجاب بقوله: «إن الوصول إلى السلطة يتطلب حقارة مطلقة، وممارسة السلطة تتطلب عظمة مطلقة، وقلما تجتمع الحقارة والعظمة فى شخص واحد، لذلك ليس لدينا الكثير من القادة العظام».

لست متأكداً من أن نابليون قال هذه العبارة كما تظهر فى السطور السابقة، لكن على الأقل فإن «جيف بريدجز» بطل فيلم «The Contender» (المنافس) أوردها منسوبة إليه.

يحكى فيلم «المنافس»، الذى أنتج العام 2000، قصة رئيس أمريكى أوشك على إنهاء ولايته الرئاسية، يفاجأ بوفاة نائبه، فيضطر إلى التفكير فى نائب جديد، يخوض الانتخابات باسم الحزب، ويرشح لهذا المنصب امرأة، لديها سجل ناصع من الخدمة وقدرات مكتملة.

لكن أعداء تلك المرأة، سواء من حزبها أو الحزب المنافس، يتكتلون ضدها فى محاولة لإيقاف مسيرة ترشيحها، إذ يتوصلون إلى إثباتات تشير إلى تورطها فى وقائع ممارسة جنسية جماعية، حين كانت طالبة فى التاسعة عشرة من عمرها.

وبسبب تلك المعلومات يتزعزع موقف الحزب الذى يمثله الرئيس بشدة، ويتم تقويض آمال هذه المرأة فى المنافسة على منصب الرئيس.

إنها واحدة من الألاعيب الكثيرة التى يقوم بها المنافسون على المناصب والمرشحون فى الانتخابات، وهى للأسف ألاعيب يمكن أن تكون حقيرة للغاية.

فى الشهر الماضى، وصلت وزيرة الداخلية السابقة «تريزا ماى» إلى منصب رئيسة الوزراء فى بريطانيا، بعد معركة تنافسية مع سيدة أخرى هى الوزيرة «أندريا ليدسوم»، على زعامة حزب المحافظين.

لم تكن تلك المعركة ساخنة بدرجة كبيرة؛ إذ كانت «ماى» تتمتع بتأييد كبير من قيادات الحزب لخلافة القائد المستقيل «ديفيد كاميرون»، الذى أعلن استقالته من رئاسة الوزراء وقيادة الحزب، إثر إخفاقه فى الدفاع عن وجهة نظره ببقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبى، بعدما جاءت نتيجة الاستفتاء على هذا التوجه برفض البقاء.

ما يهمنا فى هذا الصدد، أن «ليندسوم» أرادت أن تضغط على «ماى» وتعزز فرصتها فى التنافس على رئاسة الحزب ومجلس الوزراء، فلجأت إلى أسلوب حقير للنيل من منافستها.

قالت «ليندسوم» فى خضم حملتها الانتخابية إنها «أقدر على قيادة بريطانيا لكونها أماً». وهو تلميح شديد الوضوح أرادت به أن تحط من شأن منافستها وأن تعايرها لأنها لم تنجب أطفالاً.

يذكرنا هذا بسيل من الهجمات والإشاعات والتصريحات الحقيرة التى استهدفت سياسيين أثناء معاركهم التنافسية والانتخابية.

يقول ابن حزم الأندلسى فى كتابه المشوق «طوق الحمامة»: «من تصدر لخدمة العامة، فلا بد أن يتصدق ببعض من عرضه على الناس».. ويا لها من صدقة لا يقدر عليها كثيرون.

سيذكرنا هذا بالهجمات التى تعرض لها مرشحون رئاسيون مصريون سابقون، والصفات التى طالتهم من «السكير»، إلى «الملحد»، إلى «الفاسد»، إلى «الاستبن»، إلى «العاطل»، وغيرها.

مع احتدام المعركة التنافسية بين «دونالد ترامب» مرشح الجمهوريين و«هيلارى كلينتون» مرشحة الديمقراطيين، عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تظهر «حقارة مطلقة» فى تصريحات الملياردير المثير للجدل.

قبل أيام قليلة، كان «ترامب» يتحدث أمام مؤيدين له فى أحد المؤتمرات الانتخابية، فما كان منه إلا أن وصف «كلينتون» بأنها «محتالة»، ولم يتوقف عند هذا الحد بل إنه اتهمها، ومعها الرئيس الحالى «باراك أوباما» بـ «تأسيس تنظيم (داعش)».

ليست هذه أسوأ تجليات حقارة تصريحات «ترامب»، فربما الأخطر من هذه الشتائم، مطالبته مؤيدى سياسة السماح بحمل السلاح من المواطنين الأمريكيين بالدفاع عن «هذا الحق» فى مقابل رفض «كلينتون» له، ما اعتبر تحريضاً مباشراً على استخدام العنف.

لم يتضح لى بعد أى من المرشحين «ترامب» و«كلينتون» أفضل لنا كمصريين، وأقدر كثيراً معظم ما نسب إلى «نابليون» وجُل أقواله، ومع ذلك، فإننى لا أصدق أن الحقارة المطلقة يمكن أن تتلوها عظمة مطلقة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل