المحتوى الرئيسى

جمعيات مدنية.. لا «جيتوهات» أجنبية

08/13 12:34

ليست الجمعيات الأهلية - فى الأساس - منافسًا للدولة ولا عدوًا لها، ولكنها أداة تكاتف تعمل على معاونة السلطة الرسمية فى مد يد المساعدة المادية والثقافية للمواطنين، فضلاً عن أنها ركن راسخ من أركان الحياة المدنية، إذ لا يستقيم حكم مدنى ديمقراطى من دونها.

والجمعيات الأهلية أو المدنية ليست اختراعًا غربيًا ولا مستوردًا، إذ إنها تضرب بجذورها فى الثقافة العربية الإسلامية منذ قرون طويلة، سواء كانت «تكية» للفقراء والجوعى، أو «وقفاً» يذهب ريعه للمحتاجين، أو جمعية خيرية تستهدف تقديم «الخير» بشتى أشكاله لهوامش المواطنين الذين يسقطون من «متن» المجتمع.

ومن الثابت أن ثورة 1919 أفسحت المجال واسعًا لتشجيع الجمعيات الأهلية فى إطار سعى حزب الوفد لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، حيث نص دستور 1923 فى مادته رقم (30) على «حق المصريين فى التجمع وتكوين جمعيات»، ما أدى إلى زيادة عدد الجمعيات من 159 جمعية فى الفترة ما بين عامى 1900 - 1924 إلى 633 جمعية فى الفترة ما بين 1925 - 1944.

وتشير الإحصائيات إلى أنه منذ منتصف السبعينيات بدأت حركة انتعاش جديدة فى المجتمع المدنى عمومًا والجمعيات الأهلية خصوصًا، حيث تخطت 10 آلاف جمعية فى ذلك الوقت، إلى أن شهدت مطلع التسعينيات طفرة هائلة خاصة مع انهيار الاتحاد السوفيتى (هل يمكن القول إنه كان «جمعية» اشتراكية كبيرة تؤمم أو تلتهم العمل الأهلي)، وبروز العولمة واقتصاد السوق والليبرالية المتوحشة وتدنى دور الدولة، ما كان لزامًا على الجمعيات فى معظم دول العالم ومن بينها مصر، أن تكثف أنشطتها لسد ثغرات فادحة طالت شرائح واسعة من المواطنين، ما أوقع بعضها - خاصة فى الدول الرخوة - فريسة سهلة بين مخالب وحوش التمويل المشبوه.

هل تحولت الجمعيات من فاعل خير إلى بائع شر؟

هل تحولت من خدمة الأهل إلى خيانة الأهل؟

هل انحرف الهدف السامى إلى دور إجرامى؟

قطعًا لا.. لكنها ليست «لا» على طول الخط، حيث تلتبس الخطوط وتتشابك الخيوط، لقد لعبت أصابع كثيرة فى المياه النظيفة، وبرز تجار وسماسرة التهموا ولوثوا دور الشرفاء فى العمل الأهلى، وساد «التمويل» بكل شروطه ولسانه الغريب، مكان «التبرع» بكل حميميته وطهارته وإنسانيته (ليس بالطبع التبرعات التى تستهدف غسيل الأموال)، وتحولت بعض الجمعيات إلى «دكاكين» لمحترفى الإثراء السريع أو «جيتوهات» سرية لأهداف مشبوهة.

كانت الثورة هى شرارة الحرب لا على نظام مستبد فقط، وإنما على منظمات وجمعيات المجتمع المدنى دون تفرقة بين جمعية تعمل فى إطار القانون وأخرى لا تلتزم الشفافية ولا تفصح عن مصادر تمويلها ولا توجهاتها، وتكاتفت الدولة العائدة بقوة بعد «هزة يناير» للثأر ممن هددوا عرشها بتهمة العمل لصالح جهات أجنبية.

عند الطرفين: عند الجمعيات بضرورة العمل فى إطار القانون والتزام الشفافية فى إعلان توجهاتها ومصادر تمويلها، وعند الدولة بالتعامل قانونيًا مع هذه المنظمات وعدم انتهاز الفرصة لخلط الشرفاء بالسماسرة وجمع كافة أشكال التمويل الأجنبى فى سلة واحدة سواء كان ذا هدف نبيل أو خبيث، بهدف خنق المجال العام وتدمير المجتمع المدنى.

الحل أيضًا فى نهوض الدولة بدورها الرئيسى فى تقديم الخدمات ورفع مستوى المعيشة للفقراء والمعدمين حتى لا يكون البؤس الذى تعيش فيه شرائح واسعة من المصريين، بابًا خلفيًا لأهداف خارجية.

43 ألف جمعية أهلية فى مرمى الاتهامات

كتبت: نادية مطاوع و زينب قرشى

لا يختلف اثنان على أن سنوات ما قبل ثورة 25 يناير قد شهدت دوراً ملموساً لمنظمات المجتمع المدنى، بالرغم من زيادة نشاط المنظمات بعد الثورة، إلا أن هناك عدداً من الاتهامات التى توجه لها من الدولة بقيامها بأدوار مشبوهة تستغل من خلالها دورها الخيرى والتنموى.

ويواجه عدد كبير من منظمات المجتمع المدنى بشكل عام اتهامات عديدة منها العمالة لجهات أجنبية وتلقى أموال من الخارج لتنفيذ أجندات خارجية، خاصة من أمريكا، وبعد ثورة 30 يونيو وأحداث رابعة العدوية وفض الاعتصام الذى أقامه مؤيدو الجماعة بالقرب من المسجد، واجه عدد من الجمعيات العاملة فى مجال العمل الاجتماعى شبهة العمالة للإخوان، حيث تم تجميد نشاط 72 جمعية بفروعها فى المحافظات تبين أنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الشبهات أثرت على جمعيات أخرى رغم عدم تبعيتها فعلياً لهم، وهو ما حدث مع جمعية رسالة للأعمال الخيرية التى واجهت هذا الاتهام، ورغم ثبوت عدم تبعيتها لهم، إلا أن تأثير هذا الاتهام ما زال قائماً، وما زالت إيرادات الجمعية تعانى منه.

تؤكد الإحصاءات أن عدد الجمعيات الأهلية فى مصر يصل الآن إلى 43 ألف جمعية، معظمها يعمل فى مجال الخدمات الإنسانية، وهى امتداد لتاريخ طويل من العمل التطوعى الذى عرفته مصر خلال القرن الـ 19، حيث ظهرت جمعيات ثقافية وخدمية بعضها مرتبط بالكنيسة مثل جمعية المساعى الخيرية القبطية، وبعضها إسلامية مثل الجمعية الخيرية الإسلامية، بالإضافة إلى جمعيات مستقلة، وكلها اتفقت على تقديم خدمات اجتماعية وصحية وثقافية وتعليمية، ونجحت فى دورها دون الارتباط بأى شبهات للحصول على تبرعات من الخارج، وإنما اعتمدت على تبرعات أعضائها من المصريين فقط.

وعلى أثر الاتهامات الموجهة لمنظمات المجتمع المدنى قامت الدولة فى شهر مارس الماضى، بإعادة فتح التحقيق فى قضية «التمويل الأجنبى» رقم 173 لسنة 2011 بعد مرور خمس سنوات عليها، والتى كان قد تم الحكم فى الشق الأول منها الخاص بالمنظمات غير الحكومية الأجنبية فى يونيو 2013 على 43 موظفاً من المصريين والأجانب بالسجن لمدد تتراوح بين عام واحد وخمسة أعوام، ولكن لم يقض أى من المتهمين عقوبته.

وعلى خلفية الحكم القضائى تم إغلاق عدد من المنظمات، منها (المعهد الجمهورى الدولى، والمعهد الديمقراطى الوطنى، وفريدم هاوس، والمركز الدولى للصحفيين، ومؤسسة كونراد أديناور)، كما تم منع عدد من مسئولى المنظمات من السفر، بينهم جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وحسام بهجت، مدير المبادرة المصرية، ومحمد زارع، من السفر، وصدرت بحقهم قرارات بالتحفظ على أموالهم.

وبعد عام من الحكم أعلنت وزارة التضامن فى الصحف مطالبتها للمنظمات غير المسجلة بالتسجيل بموجب قانون الجمعيات فى موعد آخره نوفمبر 2014، ولكنها لم تتمسك بهذا القرار وتم التراجع عنه نظراً لتزامن ذلك مع تقديم مصر تقريرها للجنة المراجعة الدولية فى المجلس العالمى لحقوق الإنسان، هذا التراجع فى القرارات وفى تنفيذ الأحكام القضائية اعتبره البعض بمثابة التخبط فى أداء الحكومة مع منظمات المجتمع المدنى، فى حين فسره البعض بأنه ساهم فى تقوية شوكة المنظمات وأتاح لها استغلال العمل الخيرى فى تحقيق مصالح شخصية.

ورغم أن دور منظمات المجتمع المدنى تكميلى لدور الدولة لنهضة المجتمع وتنميته، إلا أن هناك دائماً عملية شد وجذب بين الدولة وبين تلك المنظمات، وهو ما أرجعه البعض إلى ضعف قانون الجمعيات الأهلية لسنة 2002 الذى لم يحقق التوازن بين دور منظمات المجتمع المدنى ودور الدولة بالكيفية التى تتيح للمنظمات العمل بجدية بجانب الإتاحة للدولة بمراقبة تصرف هذه المنظمات فى أموال التبرعات والتمويل الخارجى ومصادره، وذلك فى إطار التقيد بالمعايير الدولية.

والخطير فى القضية أن الحكومة لا تقحم نفسها فى العمل الخيرى الذى يعتبر ركناً أصيلاً من أركان منظمات المجتمع المدنى منذ عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك من خلال دعوتهم للتبرع لصالح مستشفى سرطان الأطفال، وزادت فكرة مطالبة الحكومة للشعب بالتبرع فى فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى من خلال دعوته للتبرع لدعم الاقتصاد المصرى        ومشروع النهضة على حساب 333/333، بالإضافة إلى التبرع لرفض المعونة الأمريكية، واستمر إقحام الحكومة نفسها فى العمل الخيرى فى فترة حكم الرئيس السيسى من خلال تدشين صندوق «تحيا مصر». واستمرار تدخل الحكومة فى العمل الخيرى يعتبر بمثابة عدم نزاهة وشفافية، وفقاً لما يراه حقوقيون، مطالبين بضرورة أن تقوم الدولة بتقديم الدعم المالى لمنظمات المجتمع المدنى دون أن تقحم نفسها فى عمل الجمعيات.

واعتبر الباحث السياسى محمد عادل، مؤسس مؤشر الديمقراطية والمدير التنفيذى للمجموعة والمؤسسة، أن الدولة تشن حملات تشويه إعلامية ضد منظمات المجتمع المدنى فى كل فترة من الفترات منذ عهد الرئيس الأسبق مبارك لعرقلة عمل المنظمات، مبيناً أن الكثير يقوم بمساعدة الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر دون وعى.

وأشار إلى أن أكثر المنظمات والجمعيات التى ينتشر بها الفساد هى المنظمات التابعة للدولة نفسها بما يخالف طبيعية العمل الأهلى فقد قامت الدولة بعمل جمعيات لمحاربة مرض سرطان الأطفال ومع ذلك يتجاوز رواتب الأفراد فيها 50 ألف جنيه، كما أن الدولة فتحت التبرعات لصناديق وجمعيات تحمل اسمها وينتشر بها الفساد المالى والإدارى، بالإضافة إلى أنه لا يعلم حتى الآن الجهات التى تم صرف عليها الأموال التى تم تجميعها فى كل نظام حتى الآن.

أكد الدكتور خالد رفعت، رئيس مركز طيبة للدراسات والأبحاث السياسية، أن أزمة منظمات المجتمع المدنى لا تكمن فى ضعف قانون الجمعيات الأهلية كما يدعى البعض وإنما فى عدم تطبيق القانون وهى آفة كل شىء فى مصر لا يسير بطريقة صحيحة.

وأضاف أن القانون نص على أن المنظمات التى تحصل على تبرعات فى الداخل تظهرها فى ميزانيتها بينما فى حالة حصولها على تمويل من الخارج أن تخطر وزارة التضامن أولاً وتحصل تصريح قبل قبول أى مبالغ مالية من أى جهة خارجية، مبيناً أن المنظمات لا تلتزم بالقانون وتحصل على تبرعات خارجية بشكل مخفى دون أن تخطر الدولة.

وأوضح أن القانون نص على أنه يتم حل الجمعية أو المنظمة فى حالة مخالفتها القانون ولكن هذا لا يحدث مطلقاً نتيجة التقاعس الشديد من كافة الجهات المسئولة، متابعاً أن المعهد الجمهورى الأمريكى فى كل فترة يقوم بكتابة المبالغ المالية التى تبرع بها لصالح المنظمات المصرية بالأسماء وبتاريخ تلقى هذه المنظمات للتمويل.

وأشار إلى أن أبرز أشكال استغلال العمل الخيرى الذى تقوم به الجمعيات الأهلية هى تسخير المبالغ المالية التى يحصلون عليها من الخارج لخدمة مصالح سياسية معينة خاصة أن هذه الأموال معفاة من الضرائب لأن المنظمات غير هادفة للربح، كما أن البعض ينشئ جمعية أهلية على أنها خيرية لتعليم الفتيات فن الحياكة ويحولها إلى مصنع يتربح منه فى الخفاء دون أن يخطر الدولة، ضارباً مثالاً بما حدث في عهد الإخوان من قيام عدد من المنظمات التابعة للتيار الإسلامى باستخدام أموال التبرعات والتمويل فى توجيه الناخبين لترشيح محمد مرسى دون الاعتماد على الجانب السياسى التوعوى الذى يعد من الأدوار الأساسية للمنظمات المجتمعية.

ورداً على ما يتم إثارته بشأن تعنت القانون ضد منظمات حقوق الإنسان، قال رئيس مركز طيبة للدراسات والأبحاث السياسية، أن سحب التراخيص من المنظمات وفقاً لما أقره القانون يتم فى ست حالات فقط مسببة ولا يحق للدولة سحب التراخيص دون إبداء أسباب، كما أن القانون أعطى للمنظمة الحق فى التقاضى إذا شعرت بتعنت وظلم من الدولة تجاهها.

وحذر من اتباع المنظمات لأسلوب جديد فى الحصول على التمويل الخارجى وهو تهريب الأموال فى حقائب وليس تحويلها عن طريق البنوك وبذلك يصبح من الصعب على الدولة تتبع هذه الأموال لافتاً إلى أن هذا الأسلوب يتم اتباعه فى التمويل الذى يأتى لعدد من المنظمات من قطر وتركيا.

غياب دور الدولة باب «خلفى» للتدخل الأجنبي

أوضح خبراء ومتابعون لملف المجتمع المدنى وحقوق الإنسان فى مصر، أن غياب دور الدولة عن المناطق المحرومة والتعليم والعشوائيات والخدمات كان بمثابة باب خلفى لدخول منظمات بهدف التنمية، تستغل تمويلاتها فى الضغط على المجتمع من خلال مناطق محرومة.

قال الدكتور ولاء جاد الكريم مدير عام مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، إن الدولة تقاعست عن دورها فى تنمية المناطق العشوائية وقصرت فى مسئوليتها السياسية تجاه تلك المناطق، الأمر الذى فتح الباب لدخول منظمات أجنبية وقوى أخرى غيرها.

وأوضح أن غياب الدولة سمح بوجود فريقين أحدهما يتبنى الفكر المتطرف، والآخر المنظمات الأجنبية التى لا تعمل بأسس شفافة ويهمها أن تستخدم سكان المناطق العشوائية والفقيرة كأداة ضغط.

وأوضح أن تلك المنظمات لا تعمل بشكل تنموى، لأن العشوائيات والأماكن المهمشة تعد المناطق الأضعف فى قدرة تحمل المجتمع وتمثل نقطة ضعفه، مشيراً إلى أن الأطراف التى تتدخل فى هذه المنطقة تدرك ضعف تلك المناطق.

وأوضح أن بعد الثورة ظهرت منظمات بدعم غير معلن تعمل فى هذا الملف تحت مسميات التخطيط الحضارى والعمارة الإنسانية وما شابه ذلك من مصطلحات.

وذكر أن التجاهل سمح أيضاً بدخول الفكر المتطرف، مؤكداً أن الدولة تركت الساحة خالية لعناصر تهدد أمنها الداخلى والخارجى.

بينما أوضح عبدالغفار شكر نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن المجتمع الحديث يتكون من 3 مقومات «القطاع الحكومى، والقطاع الخاص، والمجتمع المدنى».

وذكر أن مصر عرفت المجتمع المدنى منذ القرن الماضى، مشيراً إلى أهمية تضافر وتساوى تلك القوى الثلاثة فى المجتمع.

وشدد على أن الدول المتقدمة لديها مجتمع مدنى وقطاع خاص قوى، وحكومة مسيطرة، والقطاع الخاص يحمل على عاتقه تمويل المناطق العشوائية والمهمشة ويتبنى دوراً فعالاً فى دعم المجتمع المدنى.

وذكر أن غياب القطاع الخاص الوطنى بمصر تخلى عن دوره فى دعم المجتمع المدنى وتمويله، الأمر الذى فتح الباب للتمويل من الخارج.

واشترط أن تتم التمويلات بمرأى ومسمع من المجتمع وتكون الدولة طرفاً فى عملية التمويل، مطالبا بإخطار وزارة الخارجية عن الجهة الممولة وينتظر موافقة وزارة التضامن على منحه التمويل.

وذكر أنه قبل الثورة السفارة الأمريكية استقبلت أصحاب منظمات كبرى وأعطتهم تمويلات مباشرة دون موافقة الدولة أو علمها أو مراقبتها، مؤكداً أن جزءاً كبيراً من التمويلات يذهب لمشروعات وتدخل لأماكن الدولة طرف فيها، ولكن دورها غائب.

من جانبه قال عاطف مخاليف وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، أن الطبيعى خلال ثورتين أن يقل تدريجياً دور الدولة، ومن هنا بدأ التدخل.

وشدد على أنه قبل الثورة كان هناك منع ومراقبة من قبل الأجهزة الأمنية فى مراقبة أوجه صرف وإنفاق التمويلات القادمة من الخارج.

وأوضح أن مجلس النواب بصدد إصدار تشريعات تقنن التعامل المادى لتلك المنظمات لتوضيح أوجه إنفاق التمويلات التى تضخ فى البلاد.

حافظ أبو سعدة: 72 ألف جمعية سرية فى مصر

قلت له إن أصحاب جمعيات حقوق الإنسان فى مصر عملاء وجواسيس.. فغضب وقال كلاماً معناه أن الجاسوسية باب مفتوح لكل من يقبل أن يبيع نفسه للشيطان.

قلت إنهم يشوهون صورة مصر خارجياً، فقال الحل بسيط جداً..

وقلت إنهم ينفذون أجندات خارجية فقال: الغرب ليس عدواً.

قلت فى مصر أكثر من 48 ألف جمعية، وفلوس الجمعيات سداح مداح.. فقال أزيدك من الشعر بيتاً «الجمعيات المسجلة لا تتعدى 40% من الجمعيات الموجودة بالفعل وبالتالى فحوالى 60% من الجمعيات لا تعلم عنها الحكومة شيئاً».

قلت إذن الغلق هو الحل، فعاد للغضب وقال بالعكس، يجب دعمها وزيادة عددها

قلت الدولة قلقة من منظمات المجتمع المدنى، فقال: عندها حق

على هذا المنوال استمر حوارى مع حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، وأحد رواد العمل الأهلى فى مصر، الذى اعترف لى بأنه الجانب الأكبر من تبرعاته السنوية تذهب للجمعيات الخيرية، وليس للمنظمات الحقوقية، وقال إن السبب فى ذلك هم أولاده.

«أبوسعدة» الذى تصورت أن يدافع عن حمله لقب «ناشط حقوقى» هاجم اللقب وحامليه وقال إنه من المصطلحات غير المنضبطة فى مصر.

- فقال: فى عام 1993 نظمت الأمم المتحدة المؤتمر الدولى لحقوق الإنسان، ووقتها كان الدكتور بطرس غالى أميناً عاماً للأمم المتحدة، وهذا المؤتمر منح المنظمات الأهلية دوراً كبيراً، وجعلها تشارك الحكومات فى طرح رؤاها، ووقتها أيضاً، تم استحداث منصب المفوض السامى لحقوق الإنسان فى المنظمة الدولية، وتم منح منظمات أهلية صفة استشارى، وتمت الاستعانة برأيها، وصدرت توصيات من الأمم المتحدة للحكومات بأن تسمح بتكوين منظمات غير حكومية، وأن تفسح لها مجال العمل على نطاق واسع، ولهذا زاد عدد المنظمات غير الحكومية فى أغلب دول العالم وليس فى مصر وحدها.

- فعلاً.. ولكن هذا العدد الكبير لا يعمل كله فى مجال حقوق الإنسان، فهناك حوالى 100 منظمة فقط تعمل فى حقوق الإنسان، والباقى يعمل فى المجال الخيرى، بالمناسبة بعض تلك الجمعيات يعود إلى عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضى، وبعضها قام بأدوار عظيمة، منها مثلاً إقامة المستشفيات، من بينها مستشفيات المبرة والمواساة والقبطى، وحتى جامعة القاهرة كانت من أعمال إحدى الجمعيات الأهلية.

- لا أعرف على وجه الدقة ولكن أعتقد أن الغالبية العظمى تتلقى تمويلات خارجية.

- التمويل المحلى موجود وقائم، وهناك ما بين 4 أو 5 جمعيات خيرية مصرية تجمع سنوياً حوالى 16 مليار جنيه، ولكن جمعيات حقوق الإنسان ربما لا تجد تمويلاً محلياً مثل الجمعيات الخيرية، وبالمناسبة الحصول على تمويل أجنبى عملية شاقة وتحتاج إلى جهد ضخم.

- لأنه مش أى حد يقدم على تمويل أجنبى سيحصل عليه، فعليه أولاً أن يقدم مشروعا أو فكرة تحظى بقبول منظمات خارجية، ثم يطرح تصوراً دقيقاً لتنفيذ هذه الفكرة، فإذا اقتنعوا بها يوافقون على التمويل، وإذا لم يقتنعوا، فخلاص كل شىء ينتهى إلى لا شىء، وحتى عندما تتم الموافقة يتولون تقييم مراحل تنفيذها، فإذا وجدوا عدم جدية، فعلى الفور يتوقف التمويل، ولهذا فمن بين كل 100 أو 200 طالب تمويل أجنبى يحصل 7 أو 10 منهم فقط على تمويل أجنبى.

- ليست مبالغ كبيرة، كما يتوهم البعض، وفى الغالب تتراوح بين 10 آلاف و30 ألف دولار، وبالمناسبة هذه المبالغ تكفى، لأن نشاط الجمعيات الحقوقية غير مكلف، لأنها فى الغالب تنحصر فى تنظيم ورش عمل وعقد مؤتمرات وإصدار كتب، وهكذا، وكلها أنشطة غير مكلفة مادياً.

- موجود فى كل دول العالم.. مثلاً منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأمريكية الشهيرة تتلقى تمويلات من هولندا وألمانيا.

- أختلف مع هذا الكلام.. وأختلف مع من يرون الغرب عدو.. الغرب ليس عدواً، ومن المفيد لنا أن نتعاون معهم من أجل تحقيق التنمية ونقل التكنولوجيا وإقامة مجتمع متقدم.

- بصراحة معرفش، ولكن ما أود أن أقوله هو أن الجاسوسية والتجسس لا يقتصر على فئة معينة، فكل من يقبل أن يبيع نفسه للشيطان يمكنه أن يعمل جاسوساً لمن يدفع له سواء أكان يعمل فى منظمة حقوقية أو يعمل فى أى مهنة أخرى.

- وما الذى يمنع أن تكون صحيفة ما خنجراً فى قلب الوطن؟.. ليس هناك ما يمنع طبعاً.. الفيصل كما قلت هو من يقبل أن يبيع نفسه للشيطان.

- تبرعات المصريين فى الغالب، تنحصر فى أموال الزكاة (بالنسبة للمسلمين) والعشور (بالنسبة للمسيحيين)، وهذه الأموال تكون وجهتها الأساسية أوجه البر والخير.

وفى الثلاثينات والأربعينات والخمسينات كان بعض الأثرياء يخصصون أموالاً معينة للإنفاق منها على مشروعات أفكار معينة، فينشئون جمعيات لحماية الأسماك أو لرعاية الخيول أو لدراسة التاريخ.. وهكذا.. الآن لم يعد لأمثال هؤلاء وجود اللهم إلا الأستاذ محمد حسنين هيكل -رحمه الله- الذى تبرع لنقابة الصحفيين بوديعة بـ5 ملايين جنيه وخصصها لتدريب الصحفيين، ومنح جوائز للمتفوقين منهم.

- السبب يكمن فى أن الثقافة العامة للمصريين انتقلت من التركيز على الجانب الثقافى إلى الجانب الدينى، وهو الأمر الذى نجحت فى الاستفادة منه، كثير من الجمعيات الأهلية التى تعمل فى مجال العلاج وبناء المستشفيات، فأقنعت -عبر إعلاناتها- كثيراً من المصريين على التبرع بأموال الزكاة والعشور لهذه الجمعيات، وأنا نفسى أتبرع لهذه الجمعيات بضغوط من أبنائى الذين تأثروا بشدة بإعلانات مستشفيات علاج السرطان، ومركز الدكتور مجدى يعقوب.

- أتبرع للاثنتين.. الجمعيات الخيرية، والجمعيات الحقوقية، وتحديداً للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، التى لم يتوقف تبرعى لها منذ عام 1998.

- ما أعرفه أن أية جمعية مسجلة فى الشئون الاجتماعية تتم مراقبة نفقاتها، ولا يسمح قط لرئيس الجمعية أو مديرها أن يحصل على أموال دون سبب مقبول، فكل شىء يخضع للرقابة، ومن يخالف يتم تحويله للنيابة.

- مرة أخرى ما أعرفه هو أن هناك مراقبة من الشئون الاجتماعية على إيرادات ونفقات الجمعيات المسجلة فى الشئون الاجتماعية؟

- ليس عليها رقيب ولا حسيب.. حاجة كده أشبه بجمعية سرية لا يعرف أحد عنها شيئاً.

- الجمعيات المسجلة حوالى 40 % فقط من الجمعيات القائمة بالفعل.

- الدولة قلقة من الجمعيات عموماً، وهذا القلق انعكس فى قضية المنظمات الشهيرة، حيث قدمت الدولة 45 جمعية ومنظمة للمحاكمة، منها جمعيات مسجلة وأخرى غير مسجلة، وهذه القضية هزت صورة مصر فى الخارج.

- بصراحة قلق الدولة مشروع، السبب الجمعيات غير المسجلة، وهى جمعيات لا يعرف عنها أحد شيئاً، وتفعل ما يحلو لها -كما قلت- دون حسيب أو رقيب.. باختصار الدولة لا تعرف هذه الجمعيات بتشتغل مع مين أو فين أو حتى بتشتغل إيه أساساً.

- الحل.. بسيط جداً ويقضى تماماً على قلق الدولة من الجمعيات، ويقضى أيضاً على الاتهامات التى تطارد الجمعيات، والعاملين فيها، وهو إصدار قانون الجمعيات، وفى عهد الوزير أحمد البرعى - وزير التضامن الاجتماعى الأسبق تمت صياغة مشروع قانون، ولكن المشروع تجمد بسبب خروج التعديل الوزارى وخروج البرعى من الحكومة، ولما خلفته الدكتورة غادة والى اجتمعت بممثلى منظمات حقوقية، وقالت أن لديها 3 مشروعات للقانون، مشروع قانون قدمته الحكومة ومشروع قانون قدمته المنظمات نفسها، ومشروع القانون الذى تم إعداده فى عهد الدكتور البرعى، وبعدها لم يحدث شىء وتوقف الحديث عن مشروع القانون رغم أهميته

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل