المحتوى الرئيسى

انقراض «يهود مصر»: 6 سيدات ورجل | المصري اليوم

08/12 20:03

6 سيدات ورجل، هم كل من تبقى من المصريين اليهود على أرض مصر، بعد وفاة لوسى شاؤول، الأسبوع الماضى. نهاية قد لا تكون سعيدة بأى حال من الأحوال لطائفة من أبناء الشعب المصرى، ساهمت كغيرها من أبناء الوطن فى إثراء حياته الفنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وشكلت جزءًا مهمًا من تراثه، تسعى العديد من المنظمات الصهيونية إلى الاستيلاء عليه، فى مواجهة مقاومة شديدة من رئيسة الطائفة الحالية، ماجدة شحاتة هارون.

احتضنت مصر اليهود الذين عاشوا على أرضها دون أى تمييز، منهم من كان مصريا صميما، أبًا عن جد ويحمل الجنسية المصرية، ومنهم من عاش فى مصر محتفظًا بجنسية أجنبية، ومنهم من عاش فيها دون أن يحمل أى جنسية. حتى قررت الغالبية العظمى المغادرة أو أجبرت عليها، فيما قرر آخرون البقاء، ومواجهة حالة من العداء تسبب فيها إعلان قيام «دولة يهودية» على أرض فلسطين، واحتلالها للعديد من الأراضى العربية، ومن بينها سيناء. غادر كوهين مصر، أو يوشك، ليترك حسن ومرقص وحدهما، وهكذا فعلت راشيل، لتبقى فاطمة وماريكا، بعد أن عاش الثلاثة، وعاشت الثلاث، فى مصر قرونا طويلة يشاركون سويًا فى نهضتها. وبين رواية المغادرة الصهيونية، القائلة بالتهجير المطلق، والرواية الأخرى، المعتمدة على التخوين المطلق، روايات وسيناريوهات أخرى، لإسدال الستار على حياة طائفة من أبناء الشعب المصرى. روايات جمعتها «المصرى اليوم»، من خلال شهادات ليهود مصريين أو عاشوا فى مصر أو غادروها طواعية أو قسرًا أو خوفًا، ليجد سؤال ماجدة هارون محلًا لطرحه: من سيغلق باب المعبد لآخر مرة؟

عمليات إسرائيل السرية لتهجير اليهود من مصر

مؤتمر لليهود المهاجرين من بورسعيد فى جامعة تل أبيب

قبل قيام إسرائيل، اعتبرت الحركة الصهيونية مصر مركزًا مهما لها، ومحطة انطلاق للعديد من اليهود الصهاينة، سواء المهاجرين أو المقيمين فيها إلى فلسطين. وهى الهجرة التى تمت بشكل طوعى بحت، بل كان اليهود المهاجرون يخاطرون فيها بحياتهم لمغادرة مصر. وبعد قيامها، عملت تل أبيب على تهجير يهود مصر، عبر منظمات سرية أشرف عليها ضابط المخابرات الإسرائيلى إبراهام دار، المعروف باسم جون دارلينج، والذى قام بعملية نوعية أثناء العدوان الثلاثى خدع فيها اليهود من سكان القناة، بلغة وملابس عسكرية فرنسية، وسفن إيطالية، قبل أن يفاجأ من وافقوا على مغادرة بورسعيد، أنهم فى إسرائيل.

فى شهر إبريل من عام 1946، غادر اليهودى الصهيونى أليكس شيانين، مصر. بعد أن تلقى تدريبًا عسكريًا سريًا على يد صهاينة فى قرية صغيرة بضواحى الإسكندرية. فى إحدى نشرات مركز أبحاث تراث يهود مصر، التابع لجامعة تل أبيب، والتى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منها، روى شيانين قصة هجرته من مصر بإرادته، يقول: «المجموعة كانت فى التدريب حوالى 55 عضوا، كلهم عمرهم حوالى 19 سنة. تم أخذنا فى ليلة لمعسكر كبير، وهناك كان 3 أعضاء من أرض إسرائيل يلبسون ملابس مدنية، أقسمنا اليمين لمنظمة الهاجاناة، وتعهدنا بالحفاظ على الأسرار».

يضيف شيانين: «لم يشعر أحد منا بالأسف، خلعنا ملابسنا المدنية، ولبسنا الملابس العسكرية للجيش البريطانى.. ركبنا شاحنات الجيش، سافرنا حتى وصلنا للإسماعيلية على شاطئ قناة السويس، ومن هناك أوصلتنا سيارة مدنية حتى الحدود المصرية– الفلسطينية». أثناء سفره، كتب أليكس شيانين، كيهودى صهيونى، رسالة وداع لـ«الأمة المصرية» التى عاش بها 19 سنة عزيزة وجميلة كما يقول، جاء فيها: «سلام لك يا مصر، نغادرك للمرة الثانية، والنهائية. كنت أرض مولدنا، ولكنك لست الوطن. كان لنا حياة رائعة فيك، بدون خوف أو رعب أو كره.. كانت طفولتنا رائعة وحصلنا على تعليم جيد جداً، ومعظمنا حصل على شهادات عليا بنجاح».

شهادة أليكس شيانين، كشخص يمثل شريحة من الصهاينة اليهود المصريين أو الذين عاشوا فى مصر، ليست الوحيدة، فثمة شهادات أخرى توثق لهجرة هذه الشريحة من اليهود برغبتهم، وبدافع أيديولوجى، دفعهم لتشكيل منظمات سرية تعمل على تهريب يهود من مصر بأموالهم، تعمل تحت قيادة ضابط المخابرات الإسرائيلى، إبراهام دار، والمعروف باسم جون دارلينج. ومن بين هذه الشهادات، التى حصلت عليها «المصرى اليوم»، شهادة إيلى مايو، التى أدلى بها فى مؤتمر استضافته جامعة تل أبيب، لليهود الذين هاجروا من بورسعيد، والتى وثق فيها دوره كناشط فى منظمة صهيونية سرية تهدف لتهجير اليهود بأموالهم من مصر.

بعد قيام إسرائيل تواصلت عمليات تهريب اليهود من مصر، تحت إشراف الدولة الوليدة. وفى عام 1956، كانت واحدة من هذه العمليات، التى كشف عنها ضابط المخابرات الإسرائيلى، إبراهام دار، فى مؤتمر لـ«يهود بورسعيد»، نظمه مركز أبحاث تراث يهود مصر، وتم توثيق شهادته فى تقرير يتضمن تفاصيل العملية، حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه، يقول: «قضية اليهود (المصريين) كانت مهمة (فى الإعداد للحرب)، توجهنا لشاؤول أفيجدور، فى الموساد وطلبنا التدخل للمساعدة فى إخراج اليهود من مصر. اتفق مع الفرنسيين أن يضعوا قوات تحت سلطته من أجل أن نتمكن من تحقيق كل أهدافنا، وأرسل لوفا إلياف كمسؤول عن الاهتمام باليهود، وفى 9 نوفمبر خرجنا بطائرة خاصة».

يدلى إلياف بشهادته عن العملية قائلًا: «عندما وصلنا المدينة كانت مليئة بالانفجارات والقتلى، كان المنظر صعباً، بدأنا نقلق على أمر اليهود، وجدنا أنفسنا بملابس عسكرية فرنسية ومعنا سلاح، سألنا عن منطقة اليهود، كنا خائفين جداً، رأينا المنطقة ورأينا المعبد، كان هذا اللقاء مع إيلى مايو.. كونا خلية استطاعت الوصول للطائفة اليهودية، كانوا يعرفون أننا فرنسيون حيث لم نخبرهم أننا إسرائيليون».

وأضاف إلياف: «أردنا أن نصل لنقطتين: النادى اليهودى والمعبد، أردنا أن نعرف عدد اليهود الموجودين وإذا كان من الممكن عمل اتصال معهم، وإذا كان من الممكن أن تتطور العلاقة لعلاقة جيدة من أجل معرفة من الذى كان يريد الخروج».

يواصل ضابط الموساد الإسرائيلى شهادته عن العملية: «قلنا إننا قادرون على إخراجهم فى جماعات منظمة، اعتقدنا أننا يمكننا عمل ذلك عن طريق البر. لكن فهمنا أن هذا غير ممكن، فقررنا إخراجهم عن طريق البحر. توجهنا لسلاح البحرية، وطلبنا سفينتى صيد، واخترنا سفينتين تحملان العلم الإيطالى. كنا قد جمعنا اليهود فى نقطتين: النادى اليهودى والمعبد. العلاقة كانت جيدة واليهود كانوا منضبطين، وتم نقلهم إلى سفن الصيد، التى اتجهت إلى حيفا». وبحسب خريطة تنفيذ العملية، فإن خلية الموساد الإسرائيلى هبطت مع القوات الفرنسية فى مطار جميل ببورسعيد، ثم تمركزت فى معسكر للمخابرات الفرنسية فى بورفؤاد، حيث أجرت أول اتصال لاسلكى مع تل أبيب. وفى 10 نوفمبر أجرى إبراهام دار وإلياهو إلياف، اتصالًا مع الحى اليهودى، حيث استخدم مسؤول الاتصال معهم المعبد للتواصل، ونجح فى الفترة من 11 إلى 16 نوفمبر فى إقناع يهود الحى بالهجرة.

فى هذه الأثناء تم إجراء عدة محاولات فاشلة للاتصال بقوة أمامية للجيش الإسرائيلى فى سيناء، تتولى نقل اليهود إلى فلسطين برًا، وبعد فشل المحاولات أجرت خلية الموساد اتصالًا لاسلكيًا بقوات البحرية فى 16 نوفمبر. وفى ليلتى 16: 17 نوفمبر تم تجميع اليهود فى المعبد والنادى اليهودى، ونقلهم بشاحنات فرنسية لزوارق فى مجرى القناة.

وفى مساء 17 نوفمبر التقوا سفينتى صيد إسرائيليتين وتم رفع العلم الإيطالى عليها للتمويه ومنحهما اسمى «كاستيلا ماره» و«أفروديستا»، وتم نقلهم للسفن التى أقلتهم شمالًا. بملابس عسكرية فرنسية، وسفن تحمل العلم الإيطالى، نفذ الموساد الإسرائيلى عملية خداع لتهجير اليهود من مصر، إلى جهة لم يعلمها على الأقل عدد كبير ممن تم تهجيرهم إلا بعد وصولهم إلى حيفا، واستيعابهم فى المعسكرات الانتقالية، هناك أجرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، لقاءً مع بعض المهاجرين الجدد، فى ديسمبر 1956، ليخبرها أحدهم: «مصر بلدنا، وليس لنا بلد آخر، آباؤنا كانوا هناك، منذ زمن طويل، بالضبط مثل أى فرد من المسلمين».

شهادات يهود مصريين فى أمريكا والبرازيل: التهجير كان خوفاً وأمراً بعد العدوان الثلاثى

الرئيس محمد نجيب فى زيارة للمعبد اليهودى

لم تتخذ الحكومة المصرية قرارًا رسميًا، ولو على الأقل معلنًا، بتهجير اليهود من مصر، إلا أن أحداثًا تاريخية، كانت إسرائيل هى العامل المشترك فى معظمها، وكذلك لأمور متعلقة ببعض توجهات قادة ثورة يوليو، أدت إلى هجرة نسبة كبيرة من اليهود، مرغمة، أو خائفة، أو بالأمر المباشر. الأسباب كانت كثيرة ومتنوعة وتوضح بعضًا منها شهادات جمعتها «المصرى اليوم»، من يهود هاجروا من مصر مرغمين أو هُجروا منها أمرًا، إلى الشتات.

فى مايو 1948، كان هناك من يعلن فى فلسطين، ليس فقط عن إقامة «دولة يهودية» صهيونية، باسم إسرائيل، وإنما أيضًا عن بدء تدمير الحياة المستقرة لليهود فى الدول العربية، وخاصة فى مصر. إصرار قادة الدولة الوليدة على تصويرها دولة كل يهود العالم، واستمرار عمل المنظمات الصهيونية بشكل سرى فى القاهرة، جعل اليهود فى مصر، بين عشية وضحاها، متهمين، بل أعداء، فى نظر بعض القوى، وخاصة التى تنتهج العنف مثل الإخوان المسلمين، الذين قاموا بعدة تفجيرات فى ممتلكات اليهود المصريين، وفى حارة اليهود، التى قتل فيها فى تفجير واحد بسبتمبر 1948، أكثر من 20 مواطنا يهوديا، وهو ما تسبب فى زيادة الهجرة، حيث سيطر الخوف على العديد من اليهود المصريين، ما جعلهم يفضلون الهجرة.

مع قيام ثورة يوليو حاول قادتها طمأنة اليهود فى ظل النظام الجديد، فقام اللواء محمد نجيب، أول رئيس جمهورية لمصر، بزيارة معبد اليهود القرائين فى العباسية، مؤكدًا لهم أن «الدين لله ومصر لكل المصريين»، وفى يناير 1953 تم اختيار المحامى زكى عريبى فى لجنة وضع الدستور ممثلًا للطائفة اليهودية، إلا أنه كان هناك فيما يبدو من يتربص بهذه العلاقة التى بدأت جيدة، وانتهت مأساوية.

وكان لسقوط شبكة التجسس والتخريب الإسرائيلية فى 1954، (فضيحة لافون) تأثير سلبى على أوضاع اليهود فى مصر، خاصة لتورط شباب يهودى مصرى فيها. لم تهتم تل أبيب كثيرًا بأوضاع الطائفة فزادت من استفزاز النظام فى القاهرة، عندما وصف رئيس وزرائها، الجاسوسين موسى مرزوق وصموئيل عازار، بـ«الشهيدين»، وأطلق اسميهما على شوارع فى بئر سبع، وأعلنت إسرائيل الحداد الرسمى، ما تسبب فى تحول فى العلاقة بين النظام الجديد فى مصر ويهودها، الذين بات يُنظر إليهم على أنهم طابور خامس، قال عنه مدير المركز الأكاديمى الإسرائيلى الأسبق فى مصر، إيمانويل ماركس: «لولا عملية سوزانا لما تدمرت الطائفة اليهودية بالقاهرة».

ويقول الدكتور محمد أبوالغار، مؤلف كتاب «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات»: «كان من الأسباب المهمة قيام دولة إسرائيل، لكنه لم يكن السبب الرئيسى، هاجر إلى الخارج 20% فقط من اليهود المصريين وذهب أقل من نصفهم إلى إسرائيل، خلال السنوات من 1946 حتى عام 1956 لأنه تم إلغاء الامتيازات الأجنبية، ومع منح أفضلية للمصريين فى قوانين العمل، وحيث إن معظم اليهود كانوا يحملون جنسيات أجنبية أو بدون، فقد وجدوا صعوبة فى العثور على وظائف، أما الأغنياء من اليهود فقد لاحظوا أن الدولة تحد من سلطة رأس المال الخاص».

توجه مصر القومى خلال هذه الفترة، انعكس على أوضاع الجاليات الأجنبية فى مصر، ومن بينهم اليهود الذين يحملون جنسيات أجنبية أو مقيمون فى مصر بشكل غير شرعى (لا يحملون جنسية). لكن العدوان الثلاثى على مصر فى 1956، والذى شاركت فيه إسرائيل، التى كان لمخابراتها دور فاعل فى عمليات التخريب بالقاهرة والإسكندرية، كان نقطة اللاعودة بين نظام يوليو واليهود فى مصر.

فى اتصال سابق مع «المصرى اليوم»، قال الدكتور جوئيل بينين، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة ستانفورد الأمريكية، ومؤلف كتاب «شتات اليهود المصريين»: «بعد حرب 1956 تم طرد بعض اليهود، وفى جانب كبير، تم طرد اليهود الموجودين بشكل غير شرعى، الوضع أصبح أصعب، وأصعب أن تعيش كيهودى فى وقت يتعاظم فيه الصراع العربى– الإسرائيلى، والإحساس القومى العربى يصبح أقوى».

بعد العدوان الثلاثى، اتخذت الحكومة المصرية قرارًا بتهجير رعايا الدول المعتدية، ومن بين هؤلاء اليهود الذين عاشوا فى مصر بجواز سفر فرنسى أو إنجليزى. فى شهادتها لـ«المصرى اليوم» قالت إيتى فريسيمو، بنت الإسكندرية، التى غادرت أسرتها مصر عام 1956، بجواز سفرها الفرنسى، وتعيش الآن فى ساو باولو بالبرازيل: «بدأ ذلك فى أغسطس 1956، كان عمرى 13 عامًا، بدأ الأمر يسوء بسرعة، شركة والدى تم تأميمها من قبل الحكومة، وطردنا من مصر. لم نكن صهاينة، والنظام المصرى هو من أراد ذلك».

من الولايات المتحدة، أدلت إيمى داسا كليجمان، وهى متخصصة فى شؤون اليهود السفارديم، لـ«المصرى اليوم» بشهادتها عن هجرة أسرتها من مصر فى أعقاب العدوان الثلاثى، تقول: «كان لا يزال مسموحاً لنا بالذهاب إلى أى مكان نريده، متى شئنا، فى 1957 بعد أزمة السويس (العدوان الثلاثى) بفترة قصيرة، بدأ جزء من عائلتنا فى المغادرة، ولم أكن أفهم لماذا فى هذا الوقت، فأبى لم يرغب فى المغادرة. ولكن فى يوم من الأيام، رأيت موظفين مصريين يأتيان إلى شقتنا التى فتشاها بالكامل، بعد ذلك بفترة قصيرة قرر أبى الهجرة». تتابع كليجمان: «عندما كبرت وبحثت فى جذور وتاريخ عائلتى، تحققت أن كل هذه الاضطرابات بدأت مع تأسيس دولة إسرائيل، وخروج الفلسطينيين من أراضيهم، وقضية لافون، وإيلى كوهين الذى وافق على التجسس لحساب إسرائيل، وقصف إنجلترا وفرنسا لمصر رداً على تأميم قناة السويس من قبل جمال عبدالناصر»، وتضيف: «الإذاعة أصبحت تحت حكم ناصر تشجب اليهود، والدولة اليهودية أيضًا فى هذه المرحلة، كانت بحاجة ليهود أكثر للعمل فى أراضيها، فنشطت فى تجنيد أشخاص فى الدول العربية».

نسبة كبيرة من اليهود الذين تم إجبارهم على مغادرة مصر كانوا ضمن من تم إلزامهم بالرحيل لعدم حملهم الجنسية المصرية (المقيمين غير الشرعيين)، وكانوا يسافرون بوثيقة سفر مصرية لمرة واحدة. من بين هؤلاء كانت زكية سيراتو، التى غيرت اسمها بعد ذلك إلى زيفا. طلبت شهادتها على اعتبار أنها بريطانية يهودية من أصل مصرى، قبل أن يتم اكتشاف أنها هاجرت إلى إسرائيل وليس بريطانيا.

تقول زيفا (زكية): «لم نكن صهاينة على الإطلاق عندما كنا نعيش فى مصر، كنا مصريين 100% أحببنا مصر أم الدنيا (كتبتها بالعربية بحروف لاتينية)، ولكننا لم نحصل أبداً على جواز سفر مصرى، ولكن مع مجىء ناصر تغيرت المعاملة، وتم اعتقال والدى، لأن ناصر كان يرغب فى مغادرة اليهود. غادرنا مصر بوثيقة سفر، لمرة واحدة. تركنا فى مصر منزلنا وأعمالنا ومدارسنا، لكننا حصلنا على جواز سفر إسرائيلى، وغيرت اسمى من زكية إلى زيفا». إلى جانب من هاجروا بسبب الخوف أو التضييق أو بالأمر، من حملة الجنسيات الأجنبية ومن بينها جنسيات دول اعتدت على مصر، أو ممن لا يحملون أى جنسية، هناك من هاجر للأسباب نفسها من اليهود المصريين، الذين أصبح يُنظر إليهم كطابور خامس، وهناك من بقى ليواجه مصيره الصعب.

النهاية الكئيبة.. بين «هجرة إلى العالم الآخر» وحياة بديانة أخرى

منهم من هاجر طوعًا أو خوفًا أو أمرًا، ومنهم من قرر الصمود فى مواجهة كل شىء، رغم ما تعرضوا له من تضييق وتخوين. من بين هؤلاء يطل شحاتة هارون، المصرى اليهودى اليسارى، الذى أصبح رمزًا لمقاومة الصهيونية، كتب الرجل فى كتابه «يهودى فى القاهرة»: «لن أترك مصر حتى لو قطعوا رقبتى، إنها وطنى وحقى وواجبى، وأنا محام لا يفرط فى حقه ولا يتهرب من واجبه».

التمسك بالبقاء فى مصر دفع ثمنه شحاتة هارون ليس فقط من حريته وراحته هو وأسرته، لكن الثمن كان أفدح: حياة ابنته الكبرى منى التى أصيبت فى الخمسينيات بمرض فى الدم كان يتطلب السفر لعلاجها فى باريس، حاول شحاتة إنقاذ حياة ابنته بالاستعداد للسفر حتى أبلغته السلطات المعنية أنه إذا غادر مصر ستكون رحلة ذهاب بلا عودة، فحسم الرجل أمره باختياره مصر، مضحيًا بحياة ابنته.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل