المحتوى الرئيسى

الدكتورة سعيدة جعفر تتحدث عن لحظة الحقيقة في القطاع المالي

08/11 13:01

تُطلق الدكتورة سعيدة جعفر، المديرة العامة لقسم ممارسات الخدمات الاستشارية للمؤسسات المالية وتحسين الأداء، شركة ألفاريز آند مارسال الشرق الأوسط،  مصطلح (لحظة الحقيقة) على المرحلة الراهنة التي يمر بها القطاع المالي الإماراتي والخليجي بشكل عام ، لأنها محطة ضرورية ستجبر البنوك على اتخاذ إجراءات عدة، وعلى النظر في كيفية تعزيز الكفاءة بدلاً من التركيز الكامل على تعزيز النمو.

في عدة مرات سابقة، اعتبرت الدكتورة سعيدة أن العام 2016 هو (عام التحدي) بالنسبة للبنوك في الإمارات والمنطقة، فتوقعت تباطؤاً في مستويات الاقراض وتراجعاً في الأرباح المصرفية، فيما رأت ضرورة عمل البنوك على تعزيز قدراتها التنافسية وعلى الكفاءة لاستقطاب عملاء جددا من بنوك أخرى، مع تآكل لا مفر منه من الهوامش الربحية، و تردد المستهلكين وعملاء الشركات أنفسهم في اللجوء إلى الاقتراض.

تقول الدكتورة سعيدة: «أعتقد أن البنوك ستركز على الكفاءة، ولكن مرة أخرى لننظر إلى الأمر في سياقه. البنوك سيئة السمعة عالمياً في ما يتعلق بعدم كفائتها منذ فترة طويلة جداً و هم الآن مجبرون على رفع كفائتهم.  وبينما يحدث هذا، ستتعلم البنوك، وسوف تصبح أكثر كفاءة داخلياً  فيما يتعلق بالعملاء والمساهمين، وسيكون من مصلحتهم المضي قدماً في التطوير.»

و تضيف الدكتورة سعيدة:«لا شك أن تفاقم صعوبة الأوضاع الاقتصادية له تأثير كبير على الشركات في جميع القطاعات، ولأن البنوك تقوم بإقراض هذه الشركات، من الطبيعي أن تكون عرضة هي الأخرى لتأثيرات كبيرة. تجد البنوك صعوبة في استقطاب عملاء جددا من الأفراد نتيجة انخفاض مستويات الهجرة إلى البلاد، ما يعني أنه عليها أن تعزز قدراتها التنافسية لاستقطاب عملاء جددا.»

حالياً، بحسب تصريحات الدكتورة سعيدة، تشير الأرقام الصادرة عن البنوك أنه من بين 19 بنكاً مدرجاً في أسواق المال بالإمارات، أظهرت نتائج 11 مصرفاً تراجعاً في إجمالي صافي الأرباح للربع الأول من العام 2016 على أساس سنوي، بينما تمكنت 4 بنوك فقط من تحقيق نمو بأكثر من 2 % فقط. وعلى العكس، مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2015، أظهرت نتائج 5 بنوك تراجعاً في الأرباح بينما أظهرت نتائج 12 بنكاً تحقيق نمو بأكثر من 2 % للربع الأول من العام 2015. بشكل عام، انخفضت أرباح البنوك خلال الربع الأول من العام 2016 بنسبة 11 % على أساس سنوي مقارنة بزيادة قدرها 7 % عن العام السابق لنتائج الربع الأول من العام 2015 مقارنة مع الربع الأول من العام 2014.

آخذين بعين الاعتبار هذه النتائج، ما الذي يحتاجه القطاع المالي للتغيير رفع مستوى الكفاءة؟

تجيب الدكتورة سعيدة:«لا أظن أن هناك قطاعاً في العالم بأسره لا يفتقر إلى شيء ما. القطاع المالي في الإمارات ودول الخليج بشكل عام  يواجه عدة تحديات. فلقد رأينا ضغطا كبيرا على هوامش الربحية  وتباطؤ النمو، ونتيجة للأمرين، ازداد التركيز على الكفاءة وخدمة عملاء أكثر من ذي قبل. هذا ليس خبراً سيئاً بل أمراً جيداً».

وفي رأيها: «بالنظر إلى ما نحن عليه الآن، هذا هو التوقيت المثالي لكي تنظر المؤسسات المالية في بنيتها الداخلية وتقييم خطواتها التي قامت بها عبر السنوات الماضية ونقاط ضعفها. بشكل عام، نرى هذا يحدث الآن حيث تقوم البنوك بترتيب بيتها الداخلي و يستثمرون الآن في تنظيم وتنظيف إجراءاتها. ما يحدث عادة هو أنه عندما تنمو البنوك سريعاً، تلتفت لتلبية احتياجات عملائها ولا يكون لديها الوقت لكي تضع الأمور المنهجية في نصابها الصحيح.  تقوم البنوك حالياً بتوحيد الأشياء بالطريقة التي يجب أن تعمل بها، وإذا لم تفعل ذلك  فإنها ستواجه  الكثير من المخاطر التشغيلية ومسائل متعلقة بخدمة العملاء».

و ترى الدكتورة سعيدة أن البنوك تتعامل بحكمة أكبر الآن فيما يتعلق التكلفة، كما تؤمن شركتها أيضاً أنه من الضروري للمصارف أن تركز سياساتها على التكلفة الحقيقية أكثر من الأمور الرئيسية. «مثال على ذلك، قال لي أحد عملائي أنهم سيتخلصون من استصدار إحدى الأوراق أو المستندات اللازمة ما سيوفر   عليهم 5 مليون درهم.  أقصد بالتكلفة أشياء من هذا القبيل لأن الأمر لا يتعلق بتكلفة الورقة فقط بل بطباعتها وتخزينها وأرشفتها وتفاصيل أخرى التفاصيل تأتي مع الورقة.»

 وتطرح الدكتورة سعيدة مثالاً آخر:«مصارف أخرى تطبع تقارير كثيرة لا يقرأها أي شخص. أحد عملائنا يقوم بطباعة تقرير محدد يوم الخميس أسبوعياً ويقوم بتوزيعه على المعنيين. قمنا بتتبع التقرير بعد طبعه يوم الخميس واكتشفنا أنه يتم التخلص منه في آلة تقطيع الأوراق يوم الأحد أسبوعياً.  هذه التفاصيل تعد من الأمور التي تشير إلى عدم الكفاءة.»

 ولكن هذه أمور داخلية لا تتعلق بالعملاء الذين ينصب اهتمامهم على الرسوم أو التكلفة أو الفائدة المفروضة عليهم؟

تجيب:«أتفق معك، و لكن ما يزعج عملاء البنوك هنا هو ما يزعج عملاء البنوك في كل مكان. دعيني أقول لك من خلال تجربتي الشخصية ما يزعجني. أنا أعتمد على هاتفي وأريد مصارف إلكترونية ولا أريد أن أزور الفروع لأنجز الأمور  والأهم بالنسبة لي، هو كيفية تعامل البنوك مع الأخطاء عندما تقع.».

 وتستكمل حديثها:« أولاً و قبل كل شيء أنا أو لا أحد يريد للأخطاء أن تحدث، ولكن الكثير منا يعي أنها ممكن أن تحدث. المهم هو كيفية تعامل البنك معي عندما يحدث الخطأ؟ و ماذا يفعل لإصلاح هذه المشكلة؟ أو هل يقول لي (تعرف هذه ليست مشكلتي، تعامل معها أنت). إجابة مثل هذه بالنسبة لي هي ما يدمر العلاقة مع العملاء، وهي تندرج ما نسميه لغوياً (لحظة الحقيقة) لأنها لحظة كاشفة.

المصرفي .. لم يعد مرموقاً

تشدد الدكتورة سعيدة هنا على أنها ترى اتجاهات معية في السوق الآن فالعملاء «يريدون الحصول على ما يلائمهم وأن يشعروا بمعاملة خاصة وأن يكون لديهم خيارات متعددة. كانت مهنة العمل المصرفي مرموقة جداً في السابق، فلم  يشكك العملاء في بنوكهم لأنهم  يعرفون ما هو الأفضل للعملاء، ولكنني أعتقد أن الأمر لم يعد في ظل المعلومات والبيانات المتاحة.»

وفي رأيها، أصبح العملاء أكثر «شطارة وذكاء» فأصبحوا يريدون المصارف أن تشرح لهم الأمور لهم، «بل يسألونهم لماذا يتعين عليهم دفع 10 % من أموالهم  التي تحفظها لهم المصارف؟ ..الديناميكية تغيرت وبعض البنوك في الطليعة والبعض الآخر يحاول مواكبة هذا، بينما هناك فئة لا تحاول مطلقاً. نرى هذا التطور وأعتقد أنه في غضون سنوات قليلة –إذا لم يكن قبل ذلك- سوف نرى تحولاً كبيراً في العملاء وفي طريقة تعاملهم مع البنوك.»

 هل يعني هذا التحول خروج بعض البنوك  من السوق؟

تجيب: «هذا سؤال صعب ولكن ما أستطيع قوله يقيناً هو أن المشهد سيبدو مختلفاً. البعض سيتعلمون من أخطائهم، و هؤلاء سيتفوقون في بعض الأمور، أو ربما سيظهر لاعبون، لم يكن لهم أهمية كبرى اليوم، بمقترحات تقود السوق. بالنظر إلى العالم  المتغير  والمؤسسات المالية المتغيرة، هذا ما يحدث الآن. المستقبل سيبدو مختلفاً كثيراً عن الماضي.»

ويرافق هذا التغير في أسواق المصارف العالمية والمنطقة ظرف خاص يتعلق  يؤثر تحديداً على هذه المنطقة التي تعد واحدة من أكثر مناطق العالم إنتاجاً للنفط. مع هذا أيضاً، ينعكس التأثير على القطاع المصرفي، فما رأي الدكتورة سعيدة؟.

توضح الخبيرة  في الاستشارات المالية أن الناتج المحلي الإجمالي للإمارات حقق نمواً بنسبة 4 % سنوياً خلال السنوات الخمس الأخيرة (حتى العام 2015).  يسهم قطاع النفط، المساهم الأكبر في الاقتصاد، بحوالي 40 % من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من تراجع هذه النسبة بشكل مطرد في ظل مساعي الحكومة لتنويع الاقتصاد المحلي، فيما سيؤثر الانخفاض في أسعاره  في نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث تشير التقديرات إلى أن نسبة نمو في العام 2016 ستكون حوالي 2.5 %.

ونتيجة لذلك، تراجع مستوى النشاط في القطاع المصرفي. وانخفض النمو الإجمالي للقروض من 8-9 % خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 6.5 % خلال الشهور الإثنى عشر الأخيرة. كما تراجعت مستويات السيولة حيث بلغ متوسط نسبة القروض للودائع خلال السنوات الخمس الماضية ما يقرب من 100 % مقارنة مع 97 % حالياً، بحسب تصريحاتها.

تقول الدكتورة سعيدة: «ومع ذلك، من المهم جداً أن نضع هذه المشكلة في السياق الصحيح. يمكن التعامل مع مشكلة التباطؤ بأنه خطوة صحية للقطاع المصرفي لأنها تجبر البنوك على اتخاذ إجراءات والنظر في كيفية تعزيز الكفاءة بدلاً من تركيزها الكامل على تعزيز النمو. من الطبيعي أن نتوقع تأثير أكبر مساهم للاقتصاد على ما يجري على مستولى الشركات و الأفراد.»

وتستطرد: «في عالم الأعمال، بدأت تشعر بعض الشركات ببعض من التأثير سواء  على مستوى انخفاض المبيعات أو التباطؤ في تحصيل إيرادات المبيعات التي يستغرق وقتاً أطول في صرفها عن ذي قبل، ما يضغط على احتياجات رأس المال و بالتالي تنخفض السيولة. بدأنا نرى الكثير من هذا في الكثير من المؤسسات.»

و تستكمل:«أما في ما يختص الأفراد، فنحن جميعاً سمعنا عن الأشخاص الذين تم الاستغناء عنهم، وعن الذين لم يحصلوا على مكافآتهم أو على الحوافز أو انخفضت رواتبهم ، ما يؤدي إلى انخفاض في القدرة الشرائية. نعم كان هناك تأثير، و لا أظن أنه لم يكن متوقعاً و لكنه جزء لا يتجزأ من تلك العوامل.  أعتقد أنه بمجرد أن تعود الأمور مثلما كانت ستكون الأمور على ما يرام.

واستناداً إلى الأرقام المتاحة للجمهور، قام القطاع المصرفي بتسريح أكثر من 1500 موظف خلال السنة الماضية تحت ذريعة تعزيز الكفاءات وتحقيق وفورات في التكاليف داخل المؤسسة. في حين من الصعب الجزم ما إذا كان هناك المزيد من التسريحات، يبقى الشيء الواضح هو أن هناك حاجة ملحة لتعزيز الكفاءة وتخفيض التكاليف، بحسب قولها.

نقول الدكتورة سعيدة:«نحن في شركة ألفاريز ومارسال نعتقد بأن تسريح الموظفين يجب أن يكون الخيار الأخير، حيث يوجد هناك العديد من السبل لتحقيق ذلك. وهذا ينطبق على العديد من القطاعات. ويعتبر قطاع النفط مثالاً جيداً على بروز الحاجة الملحة لتعزيز الكفاءات بعد تراجع مستويات الإيرادات. مرة أخرى، لا يتعلق الأمر بتقليص التكاليف، وبشكل أكثر، تكاليف رأس المال البشري، بل يعني ضرورة تعزيز كفاءة الإنتاجية عند تصبح الهوامش الربحية أقل.»

هل يعني حديث الدكتورة سعيدة أننا نمر بنسخة مكررة من أزمة 2008؟ تجيب: «أنا شخصياً أكثر تفاؤلاً  الآن، وأعتقد أن الطريقة التي تعاملنا مع الأمر هذا أعلى بكثير من أي شيء على الإطلاق. هذا أمر طبيعي ، فنحن نكبر ونتعلم وكدولة أعتقد أننا كنا شفافين  في ما يخص الأشياء التي تحدث. مرة أخرى إذا فكرت في الأمر، العوامل المحيطة بنا هذه المرة مختلفة قليلا عما كانت عليه في المرة الأخيرة. وإذا ألقيت نظرة على الطريقة التي نتعامل بها، فنحن نتعامل مع الأمر بحكمة وبصراحة على نحو لم آراه أو أسمعه في مكان آخر. نحن نتخذ الكثير من الاجراءات الوقائية، وحالياً نتصرف بذكاء في ما يتعلق بما علينا أن نفعله  على مدى العامين المقبلين، ونسأل أنفسنا إلى أين نحن ماضون في  إنفاق أموالنا وما الذي يجب أن نركز عليه وما هو الشئ العام وغير الهام.»

وتشرح وجهة نظرها قائلة:«لأطرح لك الأمر بالمفاهيم المصرفية. الطبيعة الأساسية  في عمل المصارف هي تخفيف المخاطر فهو يقرض شخصاً مالاً وهناك دائماً خطر أن ذلك الشخص أو الشركة قد يدفع أو لا يدفع. هذا ما يميز بنكا عن الآخر- أي دقته و قدرته على التنبؤ بذلك.  إذاً الأمر كله يتعلق بالتعلم هذه المرة..لقد تعلمنا من السنين القليلة الماضية ولهذا أعتقد أن هذه المرة ستكون الأمور أفضل. هذا لا يعني أن العالم سيكون مكاناً مثالياً فجأة، أو لن يكون هناك أمر آخر. لا  بالطبع، ومن السذاجة أن نتوقع ذلك. كل ما يمكنني قوله هو أننا مررنا بشيء تعلمنا منه. سوف تتحرك إلى الأمام مع ذلك، وسوف تتعامل مع الأشياء.

وبالنظر لعملائها، ترى الدكتورة سعيدة أنهم أصبحوا أفضل بكثير في التعامل مع الأشياء هذه المرة. تقول: لأعطيكي مثالاً بسيطاً... أتذكر المحادثات مع عملائي منذ عام. قالوا لي حينها أن يشهدون ملامح تباطؤ وبدأوا التخطيط وفقاً لذلك بدلاً من متابعة هبوط نتائجهم المالية والتصرف حيالها بعد ذلك كرد فعل. لذلك أعتقد أن هناك تحولاً جوهرياً من القيام برد الفعل إلى الاستباق و التخطيط. هذا أمر جيد للغاية.»

هنا أيضاً نأتي على ذكر تباطؤ تطبيق حوكمة الشركات في الإمارات ودول الخليج، إلا أن الدكتورة سعيدة ترى أن دول المنطقة قطعت أشواطاً هامة في هذا المجال تطبيق حوكمة الشركات وخاصة في دولة الإمارات، حيث شكل تحقيق التنويع الاقتصادي المحور الرئيس لتطبيق مقومات الحوكمة الشركات، وبالنظر إلى بعض القطاعات مثل الخدمات المالية، وأسواق رأس المال والعقارات، نرى أنها نجحت في تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال. «منذ تأسيسه منذ أكثر من 10 سنوات، عمل مركز دبي المالي العالمي على تبني أفضل الممارسات العالمية في مجال الحوكمة، وعملت أسواق أبوظبي العالمية، بالرغم من حداثة نشأتها، على تبني النهج نفسه. قامت إمارة أبوظبي مؤخراً بإطلاق قانون الرهن العقاري الجديد لتعزيز شفافية وكفاءة السوق. كما تم وضع معايير لتعزيز كفاءة المشتريات من أجل تحقيق الشفافية، والمساءلة وإدارة التكاليف في جميع القطاعات، سواء العامة أو الخاصة» بحسب وصفها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل