المحتوى الرئيسى

د. محمد المخزنجى يكتب: الوزراء يركبون القردة «عندما يؤمن الحُكْم بأن الأمة أكبر من نظامه السياسى» | المصري اليوم

08/10 21:58

فى ذلك النهار من شتاء 1995 فى نيودلهى، توقفت مستغربا أمام طابور من «القِرَدة» البيضاء داخل أسوار مجلس الوزراء الهندى ذى البناء الشامخ بلون الحجر الرملى الأحمر، فقد كانت تلك السيارات الصغيرة البيضاء تشبه إلى حد بعيد السيارة المصرية التى اشتهرت وانتشرت فى مصر فى أوائل الستينيات وأسماها المصريون «القِرْدة»، وقد كانت أول سيارة مجمعَّة فى مصر من طراز فيات 1100، باكورة إنتاج شركة النصر لصناعة السيارات التى وصلت فيما بعد، وفى الطرازات التى تلت هذه السيارة إلى ما يقارب 85% تصنيعا محليا من مجمل مكوناتها، ولم يكن ينقصها غير همسة، حتى تصرخ معلنة وصول بلدنا إلى إنتاج أول سيارة وطنية 100%، وهو أمر لو كُنا ثابرنا على تحقيقه، لغدا ذلك فتحا كبيرا ليس فى صناعة السيارات وحدها، بل فى التمهيد لنهضة صناعية متعددة الجوانب، لما لهذه الصناعة من قدرة تحفيزية لصناعات مجاورة، وصناعات مُكمِّلة، وصناعات شبيهة. لكن الأمل الموشك على الاكتمال ذهب أدراج الرياح، رياحنا الخائبة المتربة التى لا تهب فى الخماسين فقط، بل فى كل الفصول التى يريد لها عُمى البصائر أن تهب!

للوهلة الأولى حسِبت أن تلك السيارات البيضاء شديدة التواضع داخل مبنى رئاسة الوزراء الهندى، ليست إلَّا سيارات تاكسى تنتظر وفدا من الموظفين أو طلبة الجامعات فى زيارة لمجلس الوزراء. ومجلس الوزراء تبعا لنظام الحكم فى الهند هو راسم السياسات ومُنفذها، لأن الرئيس فى ذلك النظام محدود الصلاحيات للغاية، وقد تتواضع صلاحياته لتقتصر على الأمور البروتوكولية برغم عظمة توقيره معنويا. ولا يتجاوز الرئيس فى ذلك النظام تلك الحدود، إلا فى الظروف بالغة الاستثناء التى يقررها الدستور، عندما تنشأ أزمة حكومية لا يكون هناك مفر من إيلاء حلحلتها لسلطات الرئيس، ولفترات مُحدَّدة ومحدودة للغاية.

رحت أسأل السائقين القابعين فى تأهب وراء عجلات قيادة هذه السيارات «القردة»، ولفت انتباهى أنهم موحدو الزى ويشع منهم إيحاء الانتماء إلى سلطة ما، وبِسَمْت الموظفين من هذا النوع، ظلوا صامتين أمام تكرار أسئلتى عن معنى وجودهم ووجود سياراتهم هذه فى هذا المكان الذى تتسنمه السُلطة الأكبر فى بلد كبير، بل كبير جدا، بثقل الهند السكانى، واتساع مساحتها، وخطورة مكانها، ومكانتها، وإمكاناتها الكامنة الهائلة. ثم جاءتنى الإجابة واضحة ومُفاجئة، عندما أخبرونى فى المقر الصحفى بالمبنى أن هذه «القِرَدَة» ما هى إلا السيارات الرسمية للوزراء، ولرئيس مجلس الوزراء نفسه!

برغم تطابق تلك السيارت البيضاء الهندية الصغيرة مع «قردتنا» المُنقرضة، عدت أدقق معلوماتى فعرفت أنها لا تنتمى للفيات الإيطالية 1100، بل تنتمى لسيارة إنجليزية من طراز «مورِس أوكسفورد»، وهذا فى حد ذاته يشى بعظمة الحكمة الهندية القائمة على التروى والتأمل والتسامح مع ما ينفع ويُفيد. عكس الحنجورية الغوغائية لدى عبدة الأيديولوجيات لدينا، فهذه السيارة ذات الأصل البريطانى من بلاد الإنجليز الذين ساموا الهند عذاب العذاب، ونهبوا خيراتها نهبا فاحشا حين كانت الهند «درة التاج البريطانى»، وأذلوا أهلها حتى إنهم كانوا يكتبون على مداخل فنادقهم على الأرض الهندية «ممنوع دخول الهنود والكلاب»، هذه السيارة ذات الأصل البريطانى لو كانت بمكان «قردتنا» ذات الأصل الإيطالى لَتزاعَق البعض: «إنها سيارة بريطانية استعمارية»، وتَصارَخ غيرهم: «بل سيارة كافرة». لكنها الهند، بلد عشرات اللغات وعشرات المِلل والنِحَل وأكبر ديمقراطيات العالم. ثم إنها ــ الآن ــ معجزة التنمية فى جنوب آسيا، بل معجزة كل البلدان التى تشبهنا، لهذا وجبت الرؤية.

تلك السيارة منذ بزوغها كصناعة وطنية هندية خالصة عام 1958 أسماها الهنود «سفيرة هندوستان» Hindustan Ambassador وهندوستان هو أحد الأسماء القديمة للهند ذو جذر لغوى فارسى ويعنى «أرض الهندوس»، أما سفيرة هذه الأرض فأصلها السيارة الإنجليزية «مورِيس أوكسفورد 3»، وقد بدأت تجميعها فى الهند ــ قُبيل الاستقلال ــ شركة «هندوستان موتورز» الأهلية، فى مصنعها بمقاطعة «أوتار بارا» القريبة من «كلكوتا» غربى إقليم البنغال، ثم تطور التجميع إلى تصنيع جزئى، فتصنيع كامل بعد سنوات قليلة، وقصة مدهشة. وبرغم ما يُقال من أن هذه السيارة كانت قصة نجاح وطنية لستة مهندسين هنود بقيادة المهندس «جايشانكار تاوارى»، إلا أن قصة نجاحها تتجاوز براعة المهندسين لتشمل إخلاص الرأسماليين الوطنيين، وسلامة حس المواطنين، وبُعد نظر السياسيين، ابتداء من «نهرو» مؤسس الهند الحديثة، حتى «نارسيمها راو» الذى دشنها سيارة رسمية لحكام الهند فى فترة عسيرة، لتوحى بمعانٍ ومغازٍ كثيرة قد نكون فى أمسّ الحاجة إلى استيعابها، بما لا يعنى أبدا التضييق على أهل الحكم لدينا بالتقشف والتواضع إلى هذا الحد، لأن هذا مجرد معنى صغير واحد من معان أكثر وأكبر، جسَّدها قرار اعتماد هذه السفيرة الهندية ــ شبيهة قردتنا المنقرضة ــ سيارة رسمية لحكام الهند فى فترة عصيبة من عمر الهند المعاصرة.

فى عام 1942، أى قبل استقلال الهند بست سنوات، تكونت الشركة الهندية الرائدة فى صناعة السيارات تحت اسم «هندوستان موتورز المحدودة»، تابعةً لمجموعة اقتصادية هندية أسسها رجال الصناعة من أسرة «بيرلا» التى تُعتبر من أغنى أسرتين للصناعيين الهنود مع أسرة «تاتا» الشهيرة بصناعة الصلب والسيارات أيضا، وكان أول إنتاج لهذه السيارة نسخة مُجمَّعة من السيارة الإنجليزية «مورس 10» تحت مُسمَّى «هندوستان 10»، وظل الهنود يضيفون إليها بما يؤصل لتوطين صناعتها حتى كان استقلال الهند، فظهر الطراز «هندوستان 14» عام 1949، وظل إنتاجها متواصلا على هذا النهج من التجميع والتطوير، حتى حدثت الواقعة التى تدل على الحصافة وبعد النظر الهنديين، وبما يؤكد أن الفرصة لا تذهب حقاً إلا لمن يستحقها، ففى عام 1957 توقف البريطانيون عن إنتاج السيارة «مورس أكسفورد» وأغلقوا مصنعها، متوجهين إلى إنتاج سيارة أحدث وأكثر تطورا، فسارع الهنود إلى اقتناص الفرصة، واشتروا كل مكونات المصنع الإنجليزى المتقاعد حتى أصغر مسمار فيه، ونقلوها إلى بلدهم، فامتلكت الهند فى قفزة واحدة إمكانية صناعة سيارة محلية مائة فى المائة، ثم أضافوا إليها وطوروا، فظهرت عام 1958 السيارة «سفيرة هندوستان»، هندية خالصة المبنى والمعنى ويُبشِّر اسمها بأنها أول ممثل لصناعة السيارات الهندية البازغة والطامحة، بل المُصِرَّة على الصعود. وتجاوبت معها الروح الوطنية للشعب الهندى، فصارت السيارة الأكثر تفضيلا فى الهند، برغم وجود سيارات أخرى أجنبية، أجمل وأرحب وأكثر تطورا. ولقد بَجَّل الهنود سفيرتهم المتواضعة، فدللوها «أمبى»، وتوجوها «ملكة الطرق الهندية».

لم يتوقف الهنود عن تطوير سيارتهم الوطنية هذه، ومع إضافات تراعى مواصفات الأمان ومتطلبات البيئة الأوروبية، كأحزمة الأمان وجهاز التدفئة، فاستطاعت هذه السيارة المنافسة فى سوق السيارات البريطانى وظهرت فى شوارع لندن عام 1993. أما داخل الهند، فقد ظلت السيارة الشعبية الأولى لدى الخاصة والعامة، بل السيارة الرسمية لقمة السلطة فى عهد رئيس الوزراء «ناراسيمها راو». وقد نالت لقب أفضل تاكسى فى العالم تبعا لاستطلاعات برنامج التليفزيون Top Gear عام 2012. واستمر إنتاجها مع إضافات جديدة حتى مارس 2014، حيث أعلن مُصنِّعوها التوقف عن إنتاجها، مبشرين بانتقال روح مأثرتها إلى إنتاج هندى جديد، أحدث تقنيا وأفخم مظهرا وجوهرا، وأَدْعى لدخول صناعة السيارات الهندية على خط المنافسة مع عمالقة صناعة السيارات الفارهة فى العالم بسيارة فائقة «supercar»، وقد كان!

لا من فراغ أو أحلام هائمة

مسيرة تلك السيارة الهندية الأولى، التى صبرت وثابرت حتى أسست لصناعة سيارة هندية وطنية المكونات بنسبة 100%، شكلت القاعدة لانطلاق الهند على الطريق الواسع للمنافسة العالمية فى هذه الصناعة، والتحفيز المحلى لكل ما يتعلق بها من صناعات مكملة ومجاورة تشع بخبراتها وإرادتها فى القطاع الصناعى الهندى كله. ولم يعد مُستغرَبا شيوع ترقُّب دولى لأن تتبوأ الهند المركز الأول عالميا، أو أحد المراكز الأولى على الأقل، فى مستقبل هذه الصناعة التى تنمو فى الهند باطراد مذهل، فقد كانت الهند تنتج 6.3 مليون سيارة سنويا عام 2000، صارت 11 مليون سيارة سنويا عام 2009، ولا تزال تتقدم بمعدل نمو هائل يزيد على 10% سنويا. وهذا يدعونا، بحكم واقع أحوالنا، أن نتصور كم من مليارات العملات الصعبة أدخلتها وتُدخلها هذه الصناعة للهند، وكم من مليارات أخرى لا تخرجها فى استيراد سيارات أجنبية كانت ستضطر إلى جلبها لو لم تكن لديها هذه النسبة الهائلة من التغطية الذاتية لما تحتاجه؟!

الآن، ثمة اختراقات تقنية وجمالية مبهرة وصلت إليها صناعة السيارات الهندية، وأحدها منبثق من تجربة تلك السيارة الهندية المتواضعة الأولى، شبيهة قردتنا المهدورة. فبينما توقف إنتاج «أمبى» التى زالت مبررات تدليلها، كُشِفَ فى معرض Auto Expo منذ عامين، عن أول سيارة فارهة وفائقة بتقنيات هندية متقدمة وتكوين ساحر لمبدعين هنود أسموها «فيتارا»، وتنافس « الأسطورة» لامبورجينى ومثيلتها فيرارى! وهى من إبداعات المُصمِّم الهندى «ديليب تشهابريا» الذى صار علما عالميا فى مجاله، وليس «ديليب» إلا نموذجا متكرراً لنِتاج بشرى إبداعى فى سياق الصعود الهندى، الناهض على أكتاف النظام التعليمى رفيع المستوى الذى وضع أساسه «جواهر لال نهرو» فور استقلال بلاده، وقد حافظ على هذا النظام ونمَّاه كل من حكموا الهند بعد نهرو، سواءً اختلفوا أو اتفقوا مع توجهاته السياسية. فالمصمم المبدع «تشهابريا» نال شهادته الجامعية فى الهند، ثم رأى فى نفسه مصمما، فذهب للدراسة فى الولايات المتحدة، وكان أساسه العلمى الهندى برغم اختلاف الاختصاص، إضافة لموهبته بالطبع، كفيلين بدفعه للتفوق فى منعطفه الجديد، فاختطفته شركة «جنرال موتورز» لتطوير تصاميم سياراتها، لكنه لم يلبث حتى عاد بكل خبرته ودراسته وإبداعه إلى وطنه الناهض، ليساهم فى تطوير صناعة هندية تطمح لتسنُّم القمة العالمية فى مجالها، لا من فراغ، ولا من أحلام وِهامية عشوائية، بل من مثابرة وصبر وجِد، ودراسات جدوى اقتصادية مُعمَّقة، وبحث وتطوير دؤوبين.

داخل مسار هذه الصناعة الهندية الصاعدة، ثمة ما يُذهِل ويخلب اللُّب من زاوية مختلفة تتعلق بمنطق الاستدامة والحفاظ على سلامة البيئة، فصناعة السيارات الهندية لم تهمل أبدا التوجه لإنتاج سيارات صغيرة تعمل بالكهرباء والطاقات النظيفة من كل الأنواع المتاحة فى البيئة المحلية، ومنها سيارات كهربائية صارت تُرى فى شوارع أوروبا كالسيارة «ريفا» من إنتاج شركة «ماهيندرا» فى مومباى. وبمواكبة ذلك الصعود الهندى الجاد الصبور الناجح، صار طبيعيا أن يركب حكام الهند بعد عبور المنحدر، سيارات الملوك والرؤساء الفارهة الفائقة الرسمية المصفحة، مرسيدس إس 600، وبى إم دبليو7 عالية الأمان، وحتى هذه يعملون على استبدالها بسيارات رسمية هندية التصنيع، منها طراز «سكوربيو» المصفحة ذات التجهيزات الخاصة، و«تاتا سفارى» المصفحة أيضا. وهذا كله يجعل أى متأمل لمسيرة الهند الناهضة، بدلالة هذا الصعود فى صناعة السيارات كنموذج للنهوض الهندى العام فى قطاعات مختلفة، يستدعى اللمحة فائقة الدلالة التى تبنَّى فيها مجلس الوزراء الهندى سيارة هندية صغيرة، وطنية الصناعة مائة بالمائة، لتكون سيارة الوزراء والكبراء، حتى رئيس الوزراء نفسه، «ناراسيهما راو»، الذى تولى حكم الهند فى سنة عصيبة، وعبر بها إلى بر النجاة ورحاب النهوض.

وُلِد « فنكاتا ناراسيمها راو»، الذى يُختصَر اسمه أحيانا «ناراسيمها راو»، أو «راو» فقط، فى 28 يونيو 1921 لأسرة متواضعة بريف منطقة «وارنجال» الجنوبية الفقيرة فى ولاية «تاميل نادو»، وثابر فى تعليمه حتى حصل على ليسانس فى الآداب، ثم ليسانس فى القانون أتبعه بماجستير، وصار قاضيا يتميز بالنزاهة والثقافة الواسعة، برع فى برمجة الكمبيوتر، وأجاد العديد من لغات الهند المحلية إضافة إلى سبع لغات عالمية بينها العربية، كتب فى القانون والحِكمة والأدب، وترجم الكثير من الكتب فى لغات متعددة، وعندما هجر القضاء واتجه للسياسة برز عام 1972 كأحد قادة حزب المؤتمر الوطنى الهندى، وشغل عدة مواقع مهمة بينها وزارتا الدفاع والخارجية فى عهد أنديرا غاندى. ومع بداية العام 1991 واقترابه من عمر السبعين، أعد نفسه للتقاعد والتفرغ للتأليف والترجمة، لكن أقدار الهند فى ذلك العام اختارت له ما لم يُخطِّط له.

يوم 21 مايو 1991 اغتيل رئيس الوزراء الهندى «راجيف غاندى» بتفجير انتحارى دبَّرته جماعة «نمور التاميل» الانفصالية فى سيرلانكا، لما اعتبرته انحيازا من راجيف لخصومها عندما أرسل قوات سلام هندية لتهدئة الاضطرابات فى ذلك البلد المُعلَّق بجنوب الهند الشرقى كجزيرة مُنعزلة فى خليج البنغال. وبعد أن دفعت عواطف لحظة الفقد كثيرين من أعضاء وقادة حزب المؤتمر الوطنى الهندى لاختيار «سونيا غاندى» أرملة راجيف لقيادة الحزب، ورفضت هى ذلك، انعقد الإجماع على ناراسيمها راو للقيادة، ودخل الانتخابات العامة وفاز بأغلبية ملحوظة ليكون رئيس الوزراء الهندى العاشر بعد الاستقلال، وكانت الهند فى ذلك العام تعج باضطرابات عرقية ودينية مختلفة، بينما كان الانهيار الاقتصادى يقف بها على شفير الإفلاس، وتشهد تخومها تهديدا من عدوها التقليدى «باكستان»، وفى ثناياها تشتعل عمليات إرهابية متنوعة من تفجيرات واغتيالات واختطاف طائرات وسُياح، إضافة لبروز التطرف اليمينى مُمثلا بحزب «بهاراتيا جاناتا» الذى استقطب بشعاراته الشعبوية المتعصبة الكثير من الأغلبية الهندوسية، وصار هذا الحزب مُعارضا قويا لحزب المؤتمر الوطنى الهندى التاريخى. بل إن الطبيعة لم تبخل على الهند فى ذلك الوقت العصيب، بزلزال عنيف فى «أتور» راح ضحيته عشرة آلاف شخص وتشرد مئات الآلاف. فماذا فعل «راو» ليخرج بالهند من مستنقع الفقر والفوضى والرعب والانحدار، إلى الاستقرار والصعود؟

باختصار، أظهر الرجل السبعينى قدرات استثنائية لا يتمتع بها إلا حاكم حكيم وحاسم، لديه قلب شاب وبصيرة ثاقبة، ومرونة وسعة أفق غير عاديين، فتجلَّى بوضع وتنفيذ سياسات فعَّالة غير مسبوقة، وغير مُتفَق عليها داخل حزبه، وإن رآها ــ بعد توسيع استشاراته للعارفين الصادقين المخلصين من كل الاتجاهات ــ تلائم إنقاذ بلاده من واقع خطير الصعوبات يهددها، فعيَّن الخبير الاقتصادى الدكتور «مانموهان سينغ»، الداعى إلى تحرير الاقتصاد الهندى بضوابط وطنية صارمة، وزيرًا للمالية برغم اعتراض مؤدلَجى الاشتراكية الوطنية فى حزب المؤتمر. ولتحاشى إثارة الصين فيما يخص إقليم التبت حافظ على مسافة محايدة من الدالاى لاما الذى كان مُقرَّبا من الهند. وزاد من توجه الهند نحو محيطها وعمقها الآسيوى فصارت الهند فاعلا مهما فى مجموعة «آسيان». وعندما وقعت تفجيرات بومباى المروعة فى 1993 وتثبَّت من وقوف باكستان وراءها، دعا أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية لإرسال خبرائها للتيقن من ضلوع ربيبتهم فى تلك التفجيرات الدموية المُشينة، مما خفف من الضغوط الأمريكية على بلاده. وفتح بابا كان موصودا مع إيران للتعاون فى مجال الزراعة فعاد على الهند بفوائد جمة. أما الأكثر إدهاشا وأعمق حكمة، فكان تعيينه «مانيان سوامى» عضو الحزب المعارض رئيسا للجنة معايير العمل والتجارة العالمية بدرجة وزير. كما أرسل «آتال بيهارى فاجباى»، منافسه وزعيم المعارضة، لتمثيل الهند فى اجتماع مهم للأمم المتحدة بجينيف.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل