المحتوى الرئيسى

"ثقافة عروس البحر" في عيون الكتاب والمبدعين

08/10 12:43

أحيانا يكاد الواقع يضارع الخيال أو حتى يسبقه ويصنع حقائق معادلة موضوعيا لأساطير إنسانية مثل فتنة الحياة تحت الماء وعالم البحر الذي كان ملهما دوما للعديد من الكتاب والمبدعين سواء في الغرب أو في الشرق.

ومن طرائف الصحافة الثقافية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص أن تتحدث الآن عن "ثقافة عروس البحر" وأن تتجول "داخل اقتصاد عروس البحر" كواقع ملموس يتجاوز مشاعر مبهمة كانت تعبر عنها مقولات مثل "نداهة البحر" !.

و هاهي كاتبة رصينة وذات اهتمامات عميقة بقضايا السياسة الخارجية في الولايات المتحدة مثل اليزابيث سيجران تقول للقاريء :" ليس من السهولة بمكان أن تقوم بدور عروس البحر وما عليك سوى أن تسأل راشيل سميث التي تقوم بدور كبيرة حوريات الماء كل ليلة في رحاب موئل أنيق لفنون الغطس بمدينة ساكرامنتو" بولاية كاليفورنيا الأمريكية.

والمثير حقا ان راشيل سميث تقدم هذا العرض مع 12 مرؤوسة لها من عرائس البحر في حوض زجاجي بعمق40 قدما ومكتظ بالأسماك التي تسبح وسط 7500 جالون من الماء المالح فيما تصف سميث التي بدأت العمل في هذا المكان الغريب منذ مطلع عام 2011 عملها "بالحلم الذي تحول الى حقيقة" .

وترى "عروس البحر راشيل سميث" أن التحول إلى كائن مائي أسطوري له تحدياته وهي مهمة صعبة وأصعب ما فيها أن تؤدى بصورة لا يشعر الناس بصعوبتها فيما السيقان مضمومة مربوطة معا والأسماك تتجول ما بين عرائس البحر البشرية في ظلمات ما تحت الماء.

وإذ يصل وزن ذيل عروس البحر البشرية في هذا الموئل الأمريكي لفنون الغطس إلى 35 رطلا فإن الماء المالح يجعل العروس تطفو فإذا بها مطالبة بأن تتحمل وزنا إضافيا قد يصل إلى عشرة أرطال في صورة سير جلدي تتمنطق به ما بين ساقيها.

ورائدة مهنة عروس البحر في الولايات المتحدة تدعى ليندن ولبيرت وقد بدأت مسيرتها الاحترافية تحت الماء منذ نحو عقد واحد فيما تقول عن نفسها أنها "صاحبة ذهنية مفتونة بالماء" وهي ببساطة اختارت العمل في المجال الذي تعشقه وهذا المجال فتح لها آفاقا رحبة لتقديم عروضها في منتجعات وفنادق وحتى في حفلات الزواج ناهيك عن حفلات أعياد الميلاد للأطفال.

ورغم صعوبة العمل فإن مهنة عروس البحر جذبت أعدادا جديدة لأنها تحظى بإقبال كبير من الجماهير والطريف أن المسألة لم تعد قاصرة على الإناث فهناك أيضا ذكور لهم أن يقوموا بدور "عرسان البحر" فيما يقدر عدد العاملين من الجنسين بهذه المهنة بدوام كامل واحترافي في صالات الألعاب المائية بالولايات المتحدة بنحو ألف شخص.

ولأنها مهنة مبهجة وخاصة للأطفال فان عرائس وعرسان البحر يقدمون أيضا بعض العروض داخل حمامات سباحة في أعياد الميلاد وشيئا فشيئا راح من اختاروا هذه المهنة يتجمعون في مؤتمرات وكيانات لبحث هموم العمل ومتطلبات التطوير.

وهكذا ظهر في الولايات المتحدة مصطلح جديد وطريف هو مصطلح "اقتصاد عروس البحر" كعلامة على ازدهار اقتصادي لا ريب فيه ونجاح تجاري يجذب المزيد لخوض غمار المهنة الغريبة تحت الماء وبحكم طابع الحياة الأمريكية المولعة بالتقاليع والغرائب مضت بعض الشركات في صنع زعانف وذيول لآلاف الهواة المتطلعين للقيام بدور عروس البحر ولو على سبيل الهواية بعيدا عن المسارات الاحترافية.

وسرعان ما افتتحت فصول دراسية لتدريب حوريات وعرسان البحر لتضخ المزيد من الدماء في شرايين "اقتصاديات عروس البحر" بينما باتت نماذج الألعاب المستوحاة من عروس البحر في متاجر الهدايا موضع إقبال جماهيري كبير وطلب واضح.

و"اقتصاد عروس البحر المزدهر" يعكس قوة الحلم الإنساني الذي يداعب البعض للحياة تحت الماء او "سحر النداهة وفتنة نداءات البحر" بينما يبقى "اكتساب هوية عروس البحر والتماهي معها لحد التوحد" شرطا ضروريا لمن يريد التألق في تلك المهنة.

ومع الازدهار الاقتصادي والإقبال الجماهيري ظهر مصطلح "ثقافة عروس البحر" في الولايات المتحدة لتنضم تلك الثقافة الجديدة لثقافات ترفيهية راسخة هناك مثل "ثقافة البوب" بقدر ما تعكس "الهوس بالحياة تحت الماء" وتعبر عن تجلياتها في أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية جديدة.

وإذا كانت "مدارس عرائس البحر" قد امتدت من الولايات المتحدة وهاواي إلى الفلبين وأسبانيا لتدريب البشر المولعين بالحياة تحت الماء كما تقول الكاتبة اليزابيث سيجران فمن بمقدوره استبعاد رؤية هذه المدارس في يوم غير بعيد بمصر والعالم العربي على وجه العموم ؟!.

والبحر حاضر بقوة في إبداعات وذكريات الكثير من المثقفين المصريين مثل الراحلة العظيمة الدكتورة عائشة عبد الرحمن التي لقبت "ببنت الشاطيء" فيما شبت عن الطوق ببلدتها دمياط ما بين هدير البحر المالح وعذوبة ماء النيل الخالد.

وفي كتابها الذي صدر بعنوان دال :"على الجسر" تحدثت بنت الشاطيء عن "نداهة البحر وحكايات الجن والغرق" وولعها في طفولتها بالسفن الشراعية رغم قلق أمها لأن البحر اختطف من قبل جدة الفتاة الصغيرة التي ستتحول فيما بعد لعلم من أعلام الثقافة المصرية والعربية المعاصرة.

ومن يتأمل أعمال المبدع المصري صبري موسى وهو بدوره من مواليد محافظة دمياط سيلحظ دون عناء شغفا بالبحر والبحيرات في عديد من مجموعاته القصصية ورواياته وكتبه حتى في رائعة "فساد الأمكنة" حيث تلتقط الرواية روح الوجود العصية في تراسلاتها ما بين الإنسان والجبل والصحراء والبحر.

وفي هذه الرواية لصبري موسى بأجوائها الأسطورية يجد القاريء نفسه ضمن أساطيرها مع "عبد ربه كريشاب وعروس البحر التي خطفت اخاه وابن عمه وابن خاله " ويستمع لقسمه بأخذ الثأر من "عروس البحر التي تصنع أحبولتها من ماء ونار ودخان".

وتشكل رائعة "موبي ديك" الصادرة عام 1851 للكاتب الروائي الأمريكي هيرمان ملفيل واحدة من عيون الأدب العالمي التي تدور حول صراع تراجيدي بين الحوت والإنسان فمنذ فترة قريبة تحول حوت ضال قبالة الساحل الشمالي لمصر الى موضوع مثير للجدل واستدعى تدخل وزارة البيئة عبر بيانات وإيضاحات عديدة تؤكد على أن "الحيتان والدلافين ليس لها سلوك عدواني مسجل ضد الإنسان ولا تمثل خطرا عليه" خلافا لواقع الحال مع اسماك القرش مثلا.

وناشدت وزارة البيئة المواطنين تجنب التصرفات العدوانية او المزعجة للحوت الذي يسمى "بحوت الزعنفة" مؤكدة على الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تمنع صيد الحيتان فيما تحدث البعض عن احتمال أن يكون هذا الحوت قد فقد امه او عجز عن الوصول لمياه البحر المفتوحة.

ولئن كانت رائعة "العجوز والبحر" للكاتب الأمريكي الشهير ارنست هيمنجواي قد عرفت طريقها للشاشة الكبيرة فإن عشاق الدراما التلفزيونية المصرية لن ينسوا المسلسل الذي كتبه الراحل الموهوب أسامة أنور عكاشة بعنوان :"وقال البحر" والذي استمده من رواية "اللؤلؤة" للكاتب الأمريكي جون شتاينبك.

والفكرة الأساسية لهذا العمل تتمثل في عثور صياد فقير على لؤلؤة ضخمة يظن أنها الخلاص والطريق للحياة الأفضل فإذا به يتعرض لمشاكل جمة بسببها وإذا به يقوم في نهاية المطاف بإلقاء اللؤلؤة في البحر ليستعيد الراحة وهدوء البال رغم الفقر.

وها هو الكاتب والروائي محمد جبريل عاشق الإسكندرية وحي بحري الذي ولد في السابع عشر من فبراير عام 1938 وانتج عبر مسيرته الابداعية اكثر من 50 كتابا يقول:"أتمني أن أظل اكتب واكتب بينما نظراتي تتجه إلى البحر" موضحا أن البحر عنده هو الموطن والطفولة والنشأة والذكريات الملتصقة بلحم الجسد فيما يستشهد بمقولة فحواها انه كلما اقترب الإنسان من البحر المتوسط ازداد تشبثه بالحياة وكلما ابتعد عنه هان عليه الموت.

وقد سبق وأن تساءل الباحث الأيرلندى تيم سيفرن حول حكايات السندباد البحرى ورحلاته السبع وما إذا كانت كلها من نسج الخيال أو أنها يمكن أن يكون وراءها لون من ألوان المعرفة الواسعة من أسرار بحار العالم من جانب الامبراطورية الإسلامية ولون من الاهتمام الذى نسميه الآن بالأمن القومى الواسع المدى.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل