المحتوى الرئيسى

حسين رضوان يكتب: عن “مصر المجهولة”

08/10 10:34

يعد وليد فكري من القلائل القادرين على قص أحداث التاريخ بلغة بسيطة تناسب الشباب، الذين هم في الأصل الفئة المراد إبلاغها بما حدث لأسلافهم، والتاريخ ليس مجرد قصص وحكايات تروى على سبيل التسلية أو المساعدة على النوم، وإنما ندرسه لاستخلاص العبر منه، وليكون ماضينا نبراسا ينير لنا الطريق نحو المستقبل.

وعلى هذا المبدأ سار وليد فكري، فنراه في كتبه الثلاثة الأولى (تاريخ شكل تاني، تاريخ في الظل، مصر المجهولة) لا يروي تفاصيل الأحداث التاريخية، وإنما يحدد موضوعا يتحدث فيه مستشهدا بأحداث التاريخ، فتكون العبرة هي الأصل وليست الحدث، ولا يحرمنا في النهاية من مصادر معلوماته لمن يريد التعمق في دراسة الأحداث.

ولعل الطرح الذي طرحه في كتابه (مصر المجهولة) يبلغ من الأهمية حدا لا يصح معه التجاهل، فهو يناقش مناهج التاريخ التي تدّرس في المدارس، والتي وصفها بأنها جريمة ترتكب في حق الأجيال الناشئة، وعبر 14 فصل يناقش الكاتب مشاكل كتاب الوزارة وسبل حلها.

في البداية يدفعنا الكاتب إلى التساؤل: ماذا نريد من منهج التاريخ؟

إذا كنا نريد أن نعلم أبناءنا تاريخهم، فهذه المناهج لا تفيد الطالب بشئ، فهي تحصره في قوالب ثابتة ونموذج إجابة محدد لا يستطيع أن يشذ عنه، وتحرمه في الوقت نفسه من الأدوات التي تساعده على القراءة السليمة للتاريخ إذا أراد أن يتوسع من خارج الكتاب المدرسي، وليت القوالب التي تفرض عليه كافية أو موضوعية، ولكنها -للأسف- أغلبها مسّيّس يسير نحو رضا الحاكم، فيطّوع الأحداث حتى ولو أضطر إلى تحريف بعض النصوص لتسير في الإتجاه الذي تريده الدولة متمثلة في القائمين على شئونها.

أما إذا كنا نريد بها حشو أدمغة أبنائنا ليستفرغوها بعد ذلك على ورقة الإجابة، فهذه المناهج تفي بالغرض.

إنها باختصار مناهج لا تحترم حق الطالب في المعرفة، وتربيه على رؤية أحادية للأمور، فينشأ متعصبا لرأيه رافضا لغيره.

وتلك كانت أول مشكلة، بل لعلها أم المشاكل، مشكلة نموذج الإجابة المفروض على الطالب ألا يخالف رأي واضعيه، وإلا سيكون مصيره الرسوب، حتى ولو كان رأي الطالب أكثر وجاهة وعمقا وموضوعية.

إن الغرض من التعليم في العموم ليس مجرد تلقين المعلومة، بل هو إكساب الطالب مهارة أستخلاصها وتحليلها ونقدها.

إذا أردنا أن نكون أمة لها الريادة، فعلينا أن نربي أبناءنا ليكونوا قادة وليسوا خرافا تردد ما يملى عليها، إذًا فمن الضروري مناقشة موضوع إلغاء نموذج الإجابة، وترك الحرية للطلاب ليعبروا بحرية عن آرائهم، بعد أن نعطيهم بالطبع الأدوات التي تساعدهم على قراءة جيدة للتاريخ وفهم أعمق لأحداثه.

(بشكل أكثر بساطة، ليس المطلوب من كتاب التاريخ المدرسي أن يقدم للطالب سمكة، بل أن يعلمه كيف يصطادها بنفسه).

يظهر الكاتب فيه تعمد واضعي المقرر الدراسي بشكل يجعلنا نشك في نياتهم إلى إهمال تفاصيل الكثير من الثورات والانتفاضات الشعبية، وإن ذُكرت، فإنها تكون ضد حاكم أجنبي ومحتل، مما ساهم بشكل كبير في ترسيخ معنى أن الشعب المصري لا يثور ضد ظالميه، ويرضى بالذل والهوان، وهو عكس ما يثبته التاريخ.

ينبهنا الكاتب إلى خطورة تهميش تاريخ الأقباط والنوبيين وأهل سيناء، مما قد يساهم في قتل التنوع الثقافي المصري، والأخطر من ذلك هو شعور تلك الفئات بالاضطاد وفقدها مع الوقت إنتمائها للوطن.

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كلام يقول:

(كوريا كانت دولة موحدة بشعب واحد، وبعد الحرب العالمية الثانية إنقسمت إلى دولتين بشعبين أساسهما واحد، ولكن بنظامي حكم مختلفين، كوريا الشمالية يحكمها نظام عسكري، وكوريا الجنوبية يحكمها نظام مدني، الفكرة هنا أنه نفس الشعب، لكن الفارق الشاسع بين البلدين سببه اختلاف أنظمة الحكم، إذا العيب في أنظمة الحكم وليس في الشعوب)

وهو مثال ملئ بالمغالطات، ولكني سأكتفي بمناقشة السطر الأخير فيه باعتباره موضوع الفصل الرابع، فأحداث التاريخ في المنهج الدراسي كلها تتمحور حول الحاكم، فإذا صلُح، صلُحت البلد كلها، وإذا فسد فسدت البلد كلها، ويهمش دور الشعب ويتجاهل كفاحه، ويتوقف مستقبل البلد كلها على شخص من يحكمها، فلا عجب أن تنشأ أجيال تردد هذا الكلام، الكلام الذي قد يعتبره البعض سُبة في وجه حكامنا، وما هو في الحقيقة إلا وصمة عار على جبيننا، إن صلاح هذا الشعب في يده وحده، وعلينا أن نتخلص من فكرة البطل المنقذ الذي سيخلصنا من الظلم والفقر والجهل، فالإنسان هو المسئول الأول عن فقره وجهله وظلمه، وما أقول هذا دفاعا عن الحكام فهم لا يستحقون مني ذلك، وإنما أقولها لتكون صفعة على وجه الشعب لعله يستفيق، فإن الطبطبة والهدهدة تبعث على الإسترخاء، والتخلي عن مسئوليتك عن المشكلة لا يساهم في حلها.

إن هذا المثال يستخف بالشعب باعتبار أن الحكام (جعلوه فانجعل) وإن علاقة الحاكم بالمحكوم علاقة الفاعل بالمفعول به، كل تلك الأفكار السلبية سببها إهمال الكتاب المدرسي لدور الشعب في التاريخ، حتى ظن الناس أن لا دور له.

يستعجب الكاتب من أن واضعي المنهج الدراسي يتعاملون مع المجتمع على أنه شئ ثابت، مع إن طبيعة المجتمعات التغير حتى ولو بشكل بطئ، فظهرت القوالب الإنشائية الجاهزة (الشعب المصري متدين بطبعه)، (الشعب المصري لا يهاجر بطبعه) وغيرها، رغم أن الدراسة المتأنية للتاريخ تثبت أن المجتمع المصري كغيره من المجتمعات لو أتيحت له تربية دينية سليمة فسينشأ متدينا، والعكس صحيح، ولو توافرت له فرص النجاح في بلاده لما أضطر إلى البحث عنها في الخارج.

في هذا الفصل يتحدث الكاتب عن صناعة الأصنام، فيصور الكتاب المدرسي الشخصية التاريخية بأنها من العظمة بحيث لا تخطئ (وربما تكون تلك الصورة التي ينبغي لنا النظر بها إلى حكامنا)، وكأن نقد الشخصية التاريخية يعتبر إهانة لها!

إلا أنه قد يربي لدى الطلاب ملكة النقد، فينقدون واقعهم ومجتمعهم ويسعون إلى تغييره، وهو الأمر المخالف بالطبع لسياسة الوزارة.

ولا أحتاج إلى أن أقول بأن الأصنام هنا لا تكتسب أهميتها من عظمتها التاريخية، بل من رضا الحاكم عنها.

يتحسر الكاتب على حال الآثار المصرية وما تتعرض له من نهب وتخريب وإهمال، ويتساءل بنفس مرارة الحسرة عن عدم قيام المدارس برحلات إلى تلك الآثار لكي يرى الطلبة بأعينهم ما يدرسونه على الورق!

ويوضح الكاتب أن نتيجة السؤال الثاني هو ما ترتب عليه الحسرة في السؤال الأول، فإن فصل الطالب عن آثار بلده يجعله لا يشعر بالغيرة والغضب إذا ما تعرضت تلك الآثار لسوء.

يتساءل الكاتب ومن ورائه نحن أيضا:

أيندور المرأة في الكتاب المدرسي؟

إن تجاهل دور المرأة في التاريخ يخرج للمجتمع أجيالا لا تعرف قيمة النساء، ويجعلهن يعتقدن أنهن ما خلقن إلا لإمتاع الرجل وتربية الأبناء، وهذا لا يبخس فقط حق المرأة ومجهودها في صناعة التاريخ، إنما أيضا يحط من قدرها في المجتمع، فإذا أردنا جديا رفع قيمة المرأة في المجتمع، فعلينا أولا أن نمنحها حقها في التاريخ.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل