المحتوى الرئيسى

«حكومة الحوينى» تعرقل محو خانة الديانة من البطاقة الشخصية

08/09 12:51

- من النسخة الورقية لجريدة اليوم الجديد الاسبوعية 

- السلطة تؤسس لانحدار السلم الاجتماعى بشرعنة التمييز وتجاهل الدستور واختصار المواطنين فى خانة «مسلم ومسيحى»

- التجاهل الرسمى التاريخى لإزالة التمييز قسم المصريين إلى معسكريين متحفزين.. ومنح الطائفية الكلمة العليا فى الشارع

أصبحت مصر بلد الصدف العجيبة بامتياز.. فبينما يتصاعد الجدل المقيت بشأن مشروع قانون برلمانى لإزالة خانة الديانة من البطاقة الشخصية لمنع التمييز، فإذا بمحمد حجازى، صاحب الدعوة الشهيرة لتغيير عقيدته فى بطاقة الهوية من مسلم إلى مسيحى فى العام 2007، يظهر مجددًا ليعلن عودته إلى الإسلام مرة أخرى!!

من المفارقات أن الجدل بشأن تلك القضية جديد قديم فى الوقت ذاته، وكثيرا ما تفجر من وقت إلى آخر، بيد أن دستور الدولة الذى يقر المواطنة كعنوان له، لا علاقة له بممارسات التمييز التى يعانى منها جموع المصريين بمختلف عقائدهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، ناهيك بالهدر التاريخى لأى مساواة بين الرجل والمرأة.

الأصل فى الحكاية ليس كما يحلو للبعض أن يصورها، بأن معوقات قانونية قد تهدد السلم الاجتماعى تعوق اتخاذ قرار محو خانة الديانة من البطاقة الشخصية. الأرجح أن التعصب الدينى كامن ليس فقط فى نفوس شرائح المجتمع المختلفة، ولكن كذلك فى أعصاب الجهاز التنفيذى للدولة.

يقول البعض إن إزالة خانة الديانة ربما يعرض بعض الأسر للخداع. كأن يتقدم أحدهم للزواج من ابنتهم مثلُا على كونه مسلمًا بينما هو مسيحى أو العكس.

حسنًا، وماذا عن إصرار الدولة على عدم منح البهائيين مثلُا لا تدين لا بالإسلام ولا البهائية الحق فى وضع شرطة أمام خانة الديانة فى البطاقة حتى لا تخدع الأسر والمجتمع فى معاملات الزواج من أحد أبناء تلك الطائفة.

جرت العادة فى مصر على منح البهائيين، وغالبيتهم متحولون أو أبناء متحولين عن الإسلام والمسيحية، ديانة فى البطاقة منطلقها هوية الاسم الذى يحمله أى من أبناء تلك الطائفة.. فلو كان اسمه أحمد، يصبح مسلمًا، ولو كانت تدعى جورجيت، تكون مسيحية، مع أن الاثنين بهائيان ولا علاقة لهما بأى دين سماوى.

المعضلات القانونية تحتمل الحلول فى كل الأحوال، لكن التعنت الطائفى والتعصب المذهبى والعقائدى هو المصيبة.

الدولة على الأرجح، غير جادة فى تحويل مبادئ المواطنة لأسلوب حياة، بل إنها لا تبدو حتى جادة فى احترام دستورها الذى يقطع بحرية العقيدة، تمامًا مثلما يقطع بحق الحفاظ على الخصوصية وعدم التمييز جراء الجنس أو الدين أو المذهب السياسى أو العرق.

لماذا ترفض الدولة منح نفر من المصريين الحق فى عدم خوض الآخرين فى حياتهم الدينية؟ لماذا تصر الدولة على أن يتدخل كل شخص فى حياة الآخر، ويفتش فى إيمانه، ومن ثم قد يتخذ إجراءات أو يقترف أفعالًا تهدر حقوق غيره، ومن ثم يتهدد السلم العام الذى يزايد به الطائفيون دومًا؟

الدولة على هذا النحو، وبالفم المليان، تؤسس لانحدار السلم الاجتماعى، بشرعنة التمييز واختصار المواطنين فى خانة ديانة.

الظاهر للعيان أن السلطة لا تقوى على مجابهة تيارات سلفية ودينية تمقت الآخر الدينى، بل وتعتبره بعض أجنحتها المعتبرة، كأبو إسحاق الحوينى ونجله وياسر برهامى ومحمود عامر وغيرهم، كافرًا، وتلك هى المأساة التى تتضاعف يومًا بعد يوم، لينسحب المسيحيون إلى الكنيسة، ويتمسك المسلمون بمن فيهم حتى غير المتدينين بنظرة متعالية طائفية تجاه من لا يدينون بدين محمد صلى الله عليه وسلم.. الدولة لم تعد الحاضنة.. جهات عقائدية منحت حق الدفاع عن أتباعها، وهذا قولًا واحدًا المظهر الأساسى للدولة الدينية، لا دولة القانون.

فى تونس أزالت السلطات خانة الوظيفة من البطاقة الشخصية منعًا للتمييز، لكن المقولة المصرية الشهيرة تصر على أن مصر ليست تونس، ومن ثم فالوضع أكثر فداحة والتمييز لا يزال يلعب بالنار متشبثًا بالعقيدة.

التجاهل الرسمى التاريخى لإزالة هالات التمييز ومناخاته قسم المصريين إلى معسكريين مشحونين على طول الخط، وهو ما يتردد صداه فى حوادث متكررة لا نهاية لها تتسم بالطائفية، ناهيك بأجواء عامة ترسخ لجيتوهات كبيرة تجزئ المواطنين لفريقين متعارضين متحفزين.

هل كان فى مصر قبل عقود ليست بعيدة تلك المسابقة المجنونة للتنابذ بالأسماء، بحيث سيطر أسماء القديسين على أنجال المسيحيين، والأسماء العربية والتراثية على أبناء المسلمين، على هذا النحو اللافت؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل