المحتوى الرئيسى

الاغتصاب «كسلاح» في حروب العصر الحديث - ساسة بوست

08/09 11:06

منذ 2 دقيقتين، 9 أغسطس,2016

يابُنيتي ارحلي إلى كرواتيا، واسألي كل رجل: هل أنت أبي؟! *أحد النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب في حرب البوسنة والهرسك

تختلف النظرة للصراعات القائمة طبقًا لمصالح كل طرف وأهدافه، وبينما تُعد بعض الأسلحة المستخدمة في الحروب انتصارًا لأحد طرفي النزاع، وتحقيقًا لأغراضه السياسية والعسكرية والثقافية من جهة، يظهر الطرف الآخر بحاجة لحماية مجتمعه وأفراده مما تفرضه عليه الحرب، أو الهزيمة.

طبقًا لتقرير اليونسيف لعام 1996 عن أحوال أطفال العالم فإن «تحطم العائلات وانحلالها» نتيجة خروج الرجال للحروب، يترك النساء على وجه الخصوص ضِعافًا وعُرضة للعنف، ففي الحرب العالمية الثانية تم اختطاف النساء، وسجنهن، وإجبارهن على تلبية الاحتياجات الجنسية للجنود، وفي حرب فيتنام أيضًا تم إجبار النساء على ممارسة البغاء القسري، واستمر هذا الاتجاه في صراعات اليوم، وأصبحت هذه هي السمة الأساسية بالنسبة للنساء: أن يصبحن عُرضة للاغتصاب، والبغاء القسري، والاتجار بهن بتواطؤ من الحكومات والسلطات العسكرية في فترات الحروب.

‹‹أصبحت أجساد النساء جزءًا من الصراعات القائمة›› هكذا يقول تقرير منظمة العفو الدولية عن الاغتصاب في حروب العصر الحديث، وتستشهد في تقريرها بصراعات كولومبيا، والعراق، والسودان، والشيشان، ونيبال وأفغانستان كأدلة لوجود الاغتصاب وانتشاره كـ «سلاح فعال» في الحروب. لكن الأمر يذهب لأبعد من هذا بكثير حيث يخبرنا التقرير أنه قد تم استبدال أعمال السلب والنهب والتي كانت تميز الحروب والنزاعات في قرون سابقة بالاعتداء الجنسي واغتصاب النساء والفتيات، والبغاء القسري والاتجار بالبشر – خاصة النساء والأطفال – في الحروب الحالية.

 نساء بوسنويات يبكين في ذكرى الحرب

عددت لنا «غيتا ساجال» المسؤولة السابقة في المنظمة الأسباب التي من أجلها أصبح الاغتصاب سلاحًا مُدمرًا في الحروب التي شهدها القرن الحالي، حيث تُخبرنا بأنه: ‹‹من الخطأ الاعتقاد أن هذه الاعتداءات هي مجرد إشباع لحاجات الجنود الجنسية›› ولكن الاغتصاب أصبح استراتيجية عسكرية متعمدة تهدف لزعزعة استقرار المجتمعات وبث الرعب وفرض السيطرة في المناطق المتصارع عليها، ففي كولومبيا على سبيل المثال تم اغتصاب وتشويه وقتل الفتيات والنساء في قرى بأكملها كوسيلة عقابية لتلك الجماعات وفرضًا لسيطرة القوى المنتصرة على تلك المناطق. بينما استخدمت قبائل الجنجويد – بجنوب السودان – الاغتصاب الجماعي لإذلال الجماعات غير العربية في المناطق التي خضعت لسيطرتها بعد عدة نزاعات مسلحة. يُستخدم الاغتصاب كذلك كأداة للتطهير العرقي و«الإبادة» وهو ما أطلقته الأمم المتحدة على ما تم في «حرب البوسنة والهرسك» من اغتصاب لعشرات الآلاف من الفتيات والنساء، وهو نفس التكتيك الذي استخدمته القوات الباكستانية المدعومة من الدولة في معارك استقلال بنجلاديش عام 1971.

«لقد تم اغتصاب النساء البوسناويات ليحملن أطفال الصرب» – تقرير منظمة أطباء بلا حدود عن حرب البوسنة

«من البوسنة والهرسك إلى رواندا وبيرو تم استهداف النساء والفتيات في النزاعات المختلفة، ومن بين السجن والتعذيب والإعدام كوسائل عقابية كان الاغتصاب هو الأكثر ألمًا وتدميرًا للمرأة وللمجتمعات التي عانت منه» هكذا يُخبرنا تقرير اليونسيف لعام 1996، ويقول كذلك بأن العنف ضد المرأة – وخاصة الاغتصاب – أصبح «وصمة عار» خاصة بالحروب في الأزمنة الأخيرة. ولا ترجع أسباب استخدام الاغتصاب كسلاحٍ في الحروب فقط لكونه استراتيجية عسكرية تتبعها الأطراف المتنازعة لفرض قوتها وإذلال الطرف الآخر، لكن الأمر كذلك أصبح شبه متعارف عليه بين الجيوش، فالفتيات والنساء في معسكرات الاعتقال والسجون أصبحن «غنائم حرب» وأصبح من حق الطرف المنتصر التصرّف فيها كيفما يشاء وتحت أعين الحكومات ومباركتها. بل وأصبحت مخيمات اللاجئين كذلك هي جزء من الصراع على الفوز بالغنيمة الأكبر من الحرب وهو ما حدث كذلك في البوسنة والهرسك.

نتائجه على المجتمع «ما بعد المُغتَصَب»

عشرات الآلاف من النساء البوسناويات اللاتي لا يستطعن الحصول على حقوقهن أو حقوق أطفالهن -الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب – حتى الآن، منهن من أقدمن على الانتحار، منهن من تخلَّين عن أطفالهن ومنهن من يُعانين حتى الآن في صراعات نفسية طويلة سببتها الحروب والاغتصابات المتكررة مرةً بعد مرة، وكمجتمع إسلامي، يُصبح الحديث عن الأمر أكثر صعوبة، وتصير محاولة تقديم الجناة للعدالة أكثر مأساوية خصوصًا مع حالة السلام التي فُرضت على مجتمع عانى ويلات الحرب لأربع سنوات متتالية أن يعيش أفراده جنبًا إلى جنب مع من اغتصب حقهم في الحياة والكرامة.

المشكلات النفسية التي تواجهها الفتيات والنساء نتيجة الحرب من جهة، ونتيجة كونهن المتضررات من الاغتصاب بعد انتهاء النزاعات من جهة أخرى – حيث يُنظر للأمر بطريقة شخصية وتعتبر النساء أن ما حدث هو جريمة ضدهنّ فقط – المشكلات المجتمعية والاضطرابات الناتجة عن استغلال النساء في الحروب وكونهن مقياسًا لقيم المجتمع ومصدر التربية فيه. فالمشكلات الأسرية والعنف ضد المرأة الناتجين عن شعور الرجال بفقدانهم لقدرتهم على حماية نسائهم وبيوتهم، والموت نتيجة الانتحار أو نتيجة العنف ضد المرأة سواء في فترات الحروب أو الفترات التي تليها، كل هذه النتائج وأكثر تخرج بها الدراسات والتقارير الدولية كآثار مترتبة على سلاح الاغتصاب، وكيفية تدميره للمرأة وللأسرة وللمجتمع بأكمله. كل هذا يجعل التساؤل مطروحًا عما يفعله المجتمع الدولي للخروج من هذه الأزمات التي يُسببها الاغتصاب والعنف ضد المرأة في الحروب والنزاعات؟ وهل ترتبط سمعة الجيوش في الحروب الحديثة بقدرتها على إحداث أكبر تدمير ممكن بخصومها عن طريق الاغتصاب أم أن الأمر يرتبط أكثر بالصراعات العرقية وبكونه وسيلة لفرض بعض الجماعات المسلحة هيمنتها على الطرف الآخر؟

في كتابها «الحرب والاغتصاب: القانون، الذاكرة والعدالة» تُجيبنا الباحثة نيكولا هنري عن سؤالنا الأول:

كيف واجه المجتمع الدولي العنف ضد المرأة في فترات النزاع والحرب؟

تقول الكاتبة أن المجتمع – والقانون – الدولي قد تجاهلوا العنف ضد المرأة وما يشمله من اغتصاب وإجبار للنساء على البغاء القسري في فترات الحروب لسنواتٍ طويلة ولأسباب إما شخصية أو سياسية، وأن التعامل مع مثل هذه القضايا كان يتمُّ في صمت، وبمحاولاتٍ لطمس ملامح تلك القضايا وإسكاتِ الضحايا باعتبار مثل هذه الجرائم «خسائر ثانوية» ونتيجة حتمية يفرضها الصراع الدائر. لكن تحولًا جذريًا طرأ على تلك النظرة لقضايا الاغتصاب في الفترة ما بين عامي 1940 إلى 1990 وما بعدها، وتُرجِع أسباب ذلك إلى أن النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب وممارسة البغاء القسري لسنواتٍ طويلة قد أصبحن أكثر قدرة على الإفصاح عن معاناتهن، وأكثر قابلية للحديث عنها علانية وإخبار العالم عما واجهنه خلال فترات الصراع، وأن ذلك منح قضايا الاغتصاب بُعدًا آخر في المحاكمات الدولية التي كثيرًا ما تجاهلت مثل هذه القضايا نتيجة لامتناع النساء – سابقًا – عن الإدلاء بشهادتهن.

كل هذا قد منح الأمور منحىً جديدًا، وبُعدًا مختلفًا للصراع الدائر في المحاكم الدولية وبعيدًا عن سيطرة- الرجال المسلحين – على ساحات المعارك. فمنذ عام 1990 بدأ النظر للاغتصاب، والبغاء القسري والاستعباد الجنسي في فترات الحروب على أنها «جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية»، وظهر هذا جليًا في المحاكمات التي تمت بعد معارك البوسنة والهرسك، وكذلك في المحاكمات الخاصة بجرائم الحرب في رواندا – حيث تم اغتصاب واستعباد الآلاف من النساء والفتيات من قبائل التوتسي جنسيًا وإجبارهن على ممارسة البغاء – مع جنود ميلشيات الهوتو المسلحة.

لقد لعبت السياسة دورًا كبيرًا في تجاهل قضايا الاغتصاب والعنف الجنسي في فترات الصراع، فـ «عدالة المنتصر» كما أسمتها الكاتبة، والتي فرضتها الدول الكبرى المنتصرة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، قد جعلت ملاحقة بعض القادة تحت راية الاتهام بارتكاب «جرائم ضد السلام» والتركيز على الصراعات القومية أهم بكثير من المعاناة الفردية لضحايا جرائم الاغتصاب، وكذلك لعبت التفرقة العنصرية بين الجنسين دورًا هامًا في التغاضي عن مثل هذه القضايا، لقد شارك الجميع – بما فيهم الدول المنتصرة – في طمس الحقائق، وإخفاء الوقائع وغضّ النظر عما حدث من جرائم.

يمكننا الآن معرفة ما إذا كان الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب يرتبط بسمعة الجيوش وفرض سيطرتها بشكل عام أم أنها قضايا فردية وصراعات عِرقية خاصة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل