المحتوى الرئيسى

العلوم الاجتماعية منفصلة عن الواقع

08/08 21:42

نشرت مجلة الفنار للإعلام مقالا للباحثة «دانا بويد»، تتساءل فيه عن سبب قيام الباحثين، بإجراء أبحاث فى العلوم الاجتماعية؟ هل للحصول على ترقية وظيفية أم لزيادة المعرفة الإنسانية؟ وإذا كانوا ملتزمين حقا بالهدف الأخير، فهل هم بذلك على الطريق الصحيح؟ وتناقش الباحثة فى المقال أوضاع الباحثين وطريقة تفكيرهم وانتقائهم للقضايا البحثية التى يتناولونها، كما تطرح عددا من المقترحات التى يمكن من خلالها ربط الأبحاث والعلوم الاجتماعية بالواقع مجددا.

تقول بويد إن واحدة من أصعب مراحل القيام بأبحاث فى العلوم الاجتماعية، تتعلق بإيجاد مسألة ذات أهمية؛ حيث يقلق الباحثون كثيرا بخصوص جودة ودقة عملهم. ويدفعهم ذلك أيضا للتفكير «بتأثير عملهم». ويمثل هذا على وجه التحديد السبب الذى يجعلهم يفكرون فى المسألة. وللأسف، فإنهم بذلك سيقضون وقتا أقل فى التفكير بتأثير أسئلتهم نفسها، والآثار المترتبة عند اختيار دراستهم، والعمليات التى تؤثر على خياراتهم، والآثار الاجتماعية لطلب المعرفة.

تقول بويد إن أحد الأصدقاء ذكر ذات مرة بأن الباحثين يدرسون أشياء تتفق مع اهتماماتهم. وهذا هو بالتحديد السبب الذى يجعل هناك حاجة لباحثين من خلفيات سياسية وثقافية وتجريبية متنوعة. على الرغم من كون القوى من خارج الوسط الأكاديمى تؤثر فى اتخاذ القرارات بخصوص ما يجب دراسته، فكذلك أيضا تفعل الضغوط والحوافز المؤسساتية والتخصصية».

تعتبر التخصصات الأكاديمية قصيرة النظر بصورة وحشية، وتحكم على أى شخص يختار استكشاف مسار تحقيق يقع خارج الحدود المقبولة للمجال. وهذا الأمر نتيجة ثانوية لأزمات الهوية الوجودية المختلطة مع معارك التمويل والمشروعية. لم تكن العلوم الاجتماعية دائما متعلقة بمجالات منفصلة فى حالة حرب مع بعضها البعض. بمرور الوقت، تم تضييق نطاق الأسئلة، وإمكانية طرح الأسئلة المهمة خارج الإطار الأكاديمى، وخارج حدود مجال التخصص. وهذا الأمر ليس جديدا بأى حال من الأحوال – فقد كان جزءا من مسار طويل وشاق من الشرعية والمساءلة وإيجاد المعنى لما يقوم به الباحث.

إن حقيقة كون إجراء الأبحاث فى الوسط الأكاديمى بالمقام الأول نتيجة للتفويض المهنى؛ جعلت الباحثين أساتذة لأنها تبدو كوظيفة طبيعية يمكنهم من خلالها التعليم. بطبيعة الحال، وفى هذه العملية، تحولت المهمة الأستاذية لمسئولية تعليم الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم الـ 18 عاما. وبسبب الطريقة التى تم بها إعداد الجامعات، غالبا ما يُنظر إلى التعليم على أنه نشاط من الدرجة الثانية ومن دون مردود فى التقييم فى الوقت نفسه الذى تواجه فيه الجامعات ضغوطا جادة، لتكون أكثر اهتماما بالطلاب.

تضيف الكاتبة قائلة «يزداد تشوش كل ذلك بفعل الطريقة التى يتم بها تخصيص خطوط أعضاء هيئة التدريس، مما يدفع الأساتذة للتنافس مع الأقسام الأخرى ومن ثم التنافس فى أقسامهم، مع الاعتراف بأن المسافات بحاجة لأن يتم شغلها فضلا عن وجود منافسة شديدة بين الأكاديميين على الوظائف والتمويل. ويدفع هذا، بدوره، طلاب الدراسات العليا الاستراتيجية لمتابعة قواعد القبول والعمل على اتباعها ليتم الحكم عليهم من قبل زملائهم بطريقة من شأنها أن تمنحهم مجدا مقبولا. وبالتالى، سنصل إلى المشكلة ذات «الوحدة الأقل قابلية للنشر»، حيث لا يقوم الأشخاص والباحثون فيها بإجراء أبحاث اجتماعية بسبب كونها مهمة للعالم، بل لكونها تتيح لهم شكلا من أشكال الاستقرار الوظيفى والمهنى».

تكمن المشكلة فى أن الأكاديميين يعيشون أساسا فى عالم منعزل نسبيا. إن هنالك سببا يجعل معظم بحوث علم النفس تشمل إجراء التجارب على أشخاص فى سن ارتياد الكليات. فيما يشتكى معظم علماء الأنثروبولوجيا بأن العمل الميدانى يمكن القيام به فى مرحلة الدراسات العليا فقط بسبب المسئوليات المترتبة على الطالب وعضو هيئة التدريس. وبالتالى يصبح السؤال ما هى التجارب الحياتية التى يمتلكها طلاب الدراسات العليا لتمكنهم من اختيار خط البحث؟

وتستطرد بويد قائلة إذا ما أردنا أن نكون على قدر من الأهمية، فإننا بحاجة للتفكير بشكل نقدى حيال الأسئلة التى نطرحها – والأسئلة التى لا يتم طرحها – وما الذى يؤثر فى هذا التمييز. نحن نتلذذ بفكرة تقييم الأقران فى كل من التمويل والنشر، لكننا غير قادرين على الحكم على قصر النظر الجماعى الذى يصيبنا، بل ونكون فى موقف دفاعى كلما يسأل شخص عن طبيعة الهراء الذى نقوم به. نحن بحاجة لإيجاد سبل أفضل لتحديد – وبشكل جماعى – الأسئلة الهامة والجادة التى نطرحها، ومجالات القضايا التى تم تقصيها بشكل محدود، والمعرفة التى يحتاج إليها الجمهور.

إنه أمر خطير أن نعتقد بأن البحوث الأساسية تبدأ مع الأسئلة التى نجدها مهمة بدلا من محاولة فهم المعرفة التى يفتقد المجتمع إليها. تشير مراجعة الزملاء إلى أننا الوحيدون الذين يتوجب عليهم إجراء صفقة حول إذا ما كانت الدراسة ذات قيمة كافية ليتم تمويلها أو نشرها. لن يتحقق التأثير الحقيقى من خلال السعى للبقاء فى داخل برج عاجى. حيث يتطلب التأثير أن نكون متأصلين داخل العالم الاجتماعى الذى نسعى لفهمه وإدراكه كون مفتاح النجاح يتمثل فى الإعلام والتمكين من خلال المعرفة.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل