المحتوى الرئيسى

فشل “المضادات الحيوية” يهدد العالم

08/08 09:54

مقاومة مضادات الميكروبات تهدد الأمن العالمي

سياتل ــ اليوم نواجه حقيقة قاسية مفادها أن علاج الأمراض المعدية ــ أو الوقاية منها ــ لم يحرز أي تقدم كمي منذ النجاحات المبكرة التي حققتها اللقاحات والعلاجات المضادة للميكروبات. وعلى نحو ما، يتجه العالم إلى الخلف، بعد أن أصبحت الميكروبات التي كانت قابلة للعلاج ذات يوم مقاوِمة للعلاجات القائمة، ومع استمرار أمراض معدية جديدة في الانتشار بلا توفر أي تدخل فعّال لعلاجها حتى الآن.

ويمثل هذا الوضع تهديدا وشيكا وبالغ الخطورة للعالَم. ويشهد على ذلك التأثير العالمي الذي خلفته أزمة الإيبولا في غرب أفريقيا عام 2014 أو تفشي فيروس سارس عام 2003، والذي عرض للخطر حتى الاقتصادات الغنية مثل سنغافورة وكندا.

الواقع أن ظهور أمراض معدية فتاكة وسريعة الانتشار ومقاوِمة لمضادات الميكروبات من شأنه أن يؤدي إلى أعداد لا حصر لها من الوفيات وقدر لا يمكن تصوره من البؤس. وقد تكون العواقب مماثلة في الحجم لهجوم إرهابي واسع النطاق. وقد تُحاط المجتمعات بالأسوار، وتُغلَق الحدود الوطنية، ويقيد السفر أو يُعَلَّق. وقد تتفكك أو تنهار الأنظمة الصحية، وكذا الاقتصادات.

يشير احتمال حدوث مثل هذا السيناريو المروع إلى أن خطر الأمراض المعدية ــ سواء نتيجة للإصابة بميكروبات تكتسب القدرة على مقاومة العلاجات القائمة أو ميكروبات جديدة ــ تُعَد من بين أهم التحديات التي تواجهها البشرية. ولا يقتصر الأمر على الخطر الذي يهدد الصحة العامة؛ بل يمتد التهديد إلى الأمن الوطني والعالمي. وبالتالي فلابد من التصدي له بحلول شاملة وفعّالة.

تستهلك عمليات البحث والتطوير اللازمة لإنتاج أدوية أو لقاحات جديدة الوقت، فتستغرق عادة أكثر من عشر سنوات. وهي أيضا باهظة التكاليف، إذ يتكلف كل مُنتَج جديد مئات الملايين من الدولارات. وعلاوة على ذلك، ليس هناك ما قد يضمن النجاح؛ بل في مقابل كل مُنتَج ناجح، هناك ما قد يصل إلى تسعة علاجات مرشحة فاشلة وكانت واعدة بنفس القدر.

ونظرا للمخاطر التي ينطوي عليها الأمر فليس من المستغرب أن تتوخى شركات الأدوية الحذر الشديد في اختيارها بين الاستثمارات في العقاقير أو اللقاحات الجديدة، فلا تنتقي إلا تلك التي تَعِد بمكاسب مالية كافية لتغطية تكاليف النجاحات والإخفاقات وتوفير عائد معقول على الاستثمار.

وقد نشأت أفكار عديدة لمعالجة مشكلة الاستثمار هذه، مثل تقديم الجوائز للمنتجات الناجحة، وخلق حافز جديدة للاستثمارات في الصناعة، وإنشاء آليات تمويل جديدة لدعم البحوث التي تتصدى للتهديدات الناجمة عن أمراض معدية ناشئة. وكل هذه الأفكار جديرة بالمحاولة وسوف تخلف بعض الأثر، ولكنها لن تؤدي إلا إلى تقدم تراكمي بسيط في أفضل تقدير. والأمر يحتاج إلى حلول أكثر طموحا.

الواقع أن كل دولة تقريبا مهيأة لتوجيه نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي نحو الاستثمارات في الدفاع أو الأمن الوطني. ولابد من النظر إلى التهديد العالمي المتمثل في الأمراض المعدية المقاوِمة أو الناشئة في هذا السياق أولا وقبل كل شيء، مع التزام الدول كافة بتوفير التمويل، ورأس المال الفكري، والموارد المتاحة لدعم اكتشاف، وتطوير، وتصنيع، وتخزين مضادات للميكروبات ولقاحات جديدة وتوزيعها بشكل عادل.

وما لم تدرك الدول المخاطر التي تواجهها، فمن غير المرجح أن تتعهد بمثل هذا الالتزام. وربما يكون من المفيد أن تعلم هذه الدول أن التكلفة التقديرية للتهديدات العالمية المرتبطة بالأمراض المعدية الناشئة تبلغ 60 مليار دولار سنويا؛ ومع تغطية تكاليف الاستثمارات مقدما، فقد تصبح التكاليف الإجمالية أقل كثيرا.

ولابد أن تكون استثمارات أي دولة مجمعة لإنشاء خط أنابيب كبير من المنتجات لمكافحة التهديدات المعدية. وهناك العديد من السبل التي يمكن من خلالها تحقيق هذه الغاية. ويتخلص أسهلها في نشر الأموال على العلماء في المجالات الأكاديمية، وشراكات تطوير المنتجات، وشركات التكنولوجيا الحيوية، وشركات الأدوية الأكبر حجما كلما سنحت الفرصة. وقد يسمح هذا للعمليات القائمة بالمضي قدما بزخم جديد يستند إلى توافر أموال جديدة. ولكن للأسف، يشير التاريخ إلى أن هذا لن يؤدي إلى إحراز تقدم كبير بعيدا عن حالة خط الأنابيب اليوم.

يتمثل البديل في إنشاء شركة أدوية عالمية تامة النضج لا تسعى إلى تحقيق الربح وتزويدها بميزانية للبحوث تعادل ميزانيات أكبر خمس شركات تسعى إلى تحقيق الربح على مستوى العالم، وبهدف وحيد يتلخص في إنشاء خط أنابيب من المنتجات لمعالجة التحدي المتمثل في التهديدات المعدية. وكما هي الحال مع أي من نظيراتها الساعية إلى تحقيق الربح، لابد أن تكون المواهب الإدارية والعلمية المكلفة بالقيام بهذا الجهد أفضل المتاح، وسوف يتطلب اجتذاب مثل هذه المواهب تعويضات تنافسية. وسوف يكون الفريق الإداري مسؤولا عن أداء هذه الشركة أمام مجلس إدارة من المستثمرين يتألف من ممثلين للدول التي توفر التمويل والعلماء الذين يوفرون رأس المال الفكري.

وبهدف مواكبة الممارسات الصناعية، لابد أن يبنى خط الأنابيب هذا مع مجموعة من البحوث والتراخيص الداخلية أو الاستحواذ على الابتكار الخارجي. ولابد أيضا من تشييد البنية الأساسية المناسبة للتجارب السريرية لدعم البحث ليس فقط في الدول المتقدمة، بل وأيضا في المناطق النائية حيث من المرجح أن تنشأ بعض التهديدات المعدية التي يواجهها العالم.

سوف يستعين عمل الشركة الجديدة باتفاقيات مسبقة بين الهيئات التنظيمية بشأن متطلبات تسجيل المنتجات الجديدة، وبين الحائزين على الملكية الفكرية بشأن التنازل عن حقوق الملكية، وبين الحكومات بشأن توفير الحماية فيما يتصل بالمسؤولية القانونية التي تتحملها الشركة وتعويض ضحايا التفاعلات الضارة غير المتوقعة نتيجة لاستخدام المنتجات الجديدة. ولابد أن يعمل المجتمع الدولي على زيادة قدرة التصنيع المتاحة، وإنشاء قنوات توزيع جديدة، وقدرات تخزين الاحتياطي للمخزون من المنتجات التي ليس لها تطبيق فوري.

غني عن القول إن هذه المهمة سوف تكون معقدة، وسوف يكون لزاما علينا أن نتعامل مع العديد من التفاصيل. ولكن يتعين علينا بشكل أو آخر أن ننفض عنا غبار عدم اليقين وأن نتحرك الآن، خشية أن نجد أنفسنا على حين غرة في مواجهة تهديد عالمي وشيك. إنها معركة لا نملك تَرَف خسارتها.

نرشح لك

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل