المحتوى الرئيسى

بالفيديو| رغم الفقر والألم.. سكان "الحضيض" في انتظار المخلص

08/08 07:38

منزلُ تفوح من جدرانه رائحة الفقر والألم، وشرفات لا ينبعث من زجاجها ضوء النهار، وأسِرَّة عليها فراش خالي من الدفئ، وملابس بالية تكاد تستر أجساد من يرتديها، وأدراج سُلَّم ينقلك إلى قاع يمتلئ بضجيج سكانه، ووسط هذه الواقع الموجع، تجد صورة العذراء مريم منقوشة بألوانها الزاهية؛ وكأنها توحي بأن الجميع في انتظار المخلص.

أنهم سكان "الحضيض"، أحد روائع الأديب الروسي أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف، مؤسس مدرسة الواقعية الاشتراكية، والذي أطلق على نفسه فيما بعد لقب مكسيم غوركي، وهي تعني "المر"، نسبة إلي الأوضاع المزرية التي شعر بها شعب روسيا في ظل حكم القصير، قبل سنوات من اندلاع الثورة البلشفية.

وبعد مرور ما يقرب من قرن على كتابة الرواية، استطاعت فرقة كلية الهندسة بجامعة القاهرة، أن تجسد أحداثها وكأن الزمن توقف عن هذه اللحظات الموجعة، ولم يتغير فيه سوى أرقام التواريخ.

 هذا ما جاء خلال تقديم فرقة كلية الهندسة عرض "الحضيض"، على مدار يومين، بمسرح الطليعة، ضمن مشاركتها في فعاليات المهرجان القومي للمسرح في دورته الـ9.

كعادته تألق الفنان محمود جمال، دراماتورج ومخرج العرض؛ بتوظيفه لجميع الأدوات المتاحة أمامه، من أداء ممثلين، حوار، ديكور، إضاءة، حتى أنه وضع المشاهد أمام لوحة فنية متكاملة، جعلته يشعر أن الأحداث تدور في فلك الحاضر.

رغم شدة حرارة الجو التي شهدها وقت عرض "الحضيض" على الطليعة، إلا أن الديكور الذي وضعه الفنان محمود صبري، جعل المشاهد يتخلل جسده شعور بالبرودة المنبعثة من الحوائط، التي كساها اللون الرمادي، وأثاث المنزل الذي غاب عنه الدفئ، وهو ما تناغم بشكل مباشر مع الإضاءة التي استعان بها الفنان محمد عبد العزيز بشكلها المنزلي القديم، المتمثل معظمها في المصابيح "المتوهجة"؛ لتكشف تفاصيل القبح والعفن، التي يعيش بداخله سكان "الحضيض".

وتأتي الفنانة أميرة صابر؛ لتكمل هذه اللوحة الفنية برسم خطوط واقعية لملابس مجموعة من المعدومين المطرودين من الحياة، وكأن روائح الموت تنبعث منها، فضلًا عن أنها جاءت لتناسب الحقبة التي خرجت منها الرواية بشكل كبير.

تدور أحداث العرض حول أشخاص مشردين وبائسين يجمعهم مسكن واحد، ورغم أن كل منهم يدور في فلكه الخاص؛ إلا أن الفقر والبؤس والتمسك بالحياة، كانت عوامل مشتركة فيما بينهم، أما جلسات السكر، فكانت بمثابة المسكن لأوجاعهم التي لا تندمل.

فهناك تنام على إحدى الأسِرَّة أمرأة تراها عجوز للوهلة الأولي، لكن المرض هزم ريعان شبابها، وعلى الجانب الآخر يجلس زوجها الحداد متجاهلًا آلامها؛ لعجزه عن دفع تكاليف علاجها.

وعلى الطاولة تجلس فتاة صغيرة تقرأ روايات رومانسية، أما "ناتاشا"، التي تعشق العزف على آلة الكمان، فأختها، صاحبة المسكن، دائمًا ما تعذبها بالضرب؛ لغيرتها الشديد ة منها، هذا بجانب العديد من الشخصيات، مثل، "البارون" النزيل الغني، الذي دخل السجن بعد عملية اختلاس، وفقده كل ما يملك عقب خروجه؛ ليجد نفسه يعيش وسط سكان "الحضيض"، والفنان العاشق للمسرح، لكنه عجز عن تحقيق حلمه فأصبح مدمن للخمر، والشاب الصغير الذي باع جسده للعجائز، كي يحصد قوت يومه، و"فاشكا" عشيق صاحبة المنزل، لكنه في الحقيقة يحب أختها "ناتاشا".

وسط هذه الحياة المنعدمة، يحضر إلى مسكن "الحضيض" رجل عجوز يدعى "لوكا"، حاملًا بين راحتيه آمال كاذبة، ووعود لم تتحقق، حتى أنه يسعى طوال أحداث العرض بأن يبعث روح الأمل من جديد، داخل أشخاص قبلت بمصير لن تستطيع تغيره على أرض الواقع.

فقال للفتاة المريضة، "أنك ستموتين، وهذا هو الأمل"، وأقنعها أن في انتظارها حياة مليئة بالألوان والفرح، ستأكل فيه حتى تشبع، وتلبس حتى تشعر بالدفئ، وتعيش سعيدة دون موت أومرض، وسيكون في استقبالها "الرب" ليفتح لها أبواب عالمها الجديد.

وبالفعل تذهب الفتاة لتستلقي على سريرها، وتسكن آلامها التي ظلت تأن بسببها طوال العرض، وتستقبل الموت بسعادة وهدوء.

وبالمثل فعل الأمر مع الفنان، الذي زرع بداخله الأمل في أن هناك مدينة تعالج مدمني الخمر، وأنه يجب أن يعود إلى التمثيل، وحاول أن يقنع "ناتاشا" أن تتزوج "فاشكا"، وتهرب معه من هذا القبو المظلم.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل