المحتوى الرئيسى

عمال الصرف الصحي في مصر..الموت أقرب من الخروج على المعاش

08/07 11:19

"غرق اثنين من عمال الصرف الصحي في بالوعة أثناء تسليكها" هذه هي العبارة المشتركة بين مئات الحوادث التي تقع سنويا لعمال الصرف الصحي في مختلف المحافظات المصرية، والتي تكشف عن نقص الاهتمام بتطبيق معايير السلامة المهنية والمعرفة الصحيحة بالإسعافات الأولية؛ ما يعرض حياة هؤلاء العمال للخطر.

في ظل عدم وجود قاعدة بيانات عن أعداد عمال الصرف الصحي في مصر، ولا تقرير حقوقي رصد أوضاعهم، وهو ما يرصده "مصراوي" في هذا التحقيق.

في عام 1998 كلف مجلس الوزراء وزارة الإسكان بتنظيم قطاعي المياه والصرف الصحي، وفي عام 2004 تأسست الشركة القابضة ويتبعها 26 شركات مختصة بالمياه والصرف الصحي.

وقائع غرق عمال الصرف الصحي التي تنشرها صفحات الحوادث بشكل لافت يفسر أسبابها دكتور مجدي صليب، المتخصص في طب الصناعات والأمراض المهنية؛ وهو فرع طبي يختص بدراسة الأثار الصحية المتوقع حدوثها للعامل وتوضيح سبل حمايته منها، وعن حوادث غرق العمال قال صليب:" ما يحدث في حقيقة الأمر هو اختناق، وقد يعقبه التعرض لابتلاع المياه أو دخولها داخل جوف العامل، أو يحدث غرق في البيارة، وفي حالة غالبية الحوادث المتكررة ينزل العامل ليختنق بالغاز وعندما يتأخر ينزل عامل أخر للاطمئنان عليه ليختنق بنفس الغاز ثم ينزل عامل أخر للاطمئنان على زملاءه وهكذا ليموت 5 عمال وربما أيضا مواطنون يبادرون بإنقاذ العمال".

أوضح صليب أن البلاعات تحوي غازات سامة وهي أول أكسيد الكربون والميثان وكبريتيد الهيدروجين أول أكسيد الكبريت وتندفع هذه الغازات بقوة بمجرد فتح البلاعة لذلك لابد من التهوية عدة ساعات ثم قياس نسبة الغازات قبل نزول العامل، ويقول دكتور مجدي صليب: "المؤسف أن بعض العمال يستخدم لمبة جاز إذا فقدت قدرتها على الاشتعال يكون مؤشرا بعدم وجود الأكسجين وهي وسيلة عقيمة وبدائية".

حول المخاطر الصحية التي يتعرض لها عمال الصرف الصحي قال دكتور مجدي صليب، إنهم معرضون إلى مخاطر فزيائية بفعل الغازات السامة، ومخاطر كيمائية نتيجة استخدام المواد الكيميائية المطهرة إما في عمليات المعالجة أو إذابة الرواسب، وأيضا يتعرض العمال لمخاطر بيولوجية والأمراض الحيوية التهاب كبد وبائي A ، والذي ينتقل من خلال الإفرازات التي تحوي براز الإنسان لذلك يلزم إعطائهم المصل الواقي.

"مصراوي" أجرى عدة مقابلات مع عمال صرف صحي من عدة محافظات، تم تغيير أسماء العمال واستبدالها بأسماء مستعارة بناء على طلبهم لحمايتهم من التعرض لأي مشاكل قانونية.

"سعيد" شاب ثلاثيني تقدم للعمل بنظام اليومية في شركة الصرف الصحي في القاهرة عام 2002 مقابل 35 جنيها في اليوم، يقول سعيد:" اخترت العمل في الحكومة بهذا الأجر الزهيد الذي لا يكاد يكفي نفقاتي الشخصية؛ لكني (تعشمت) في الحصول على معاش وتأمين صحي".

لكن أمال سعيد في الحصول على خدمة علاجية جيدة تحطمت على صخرة الواقع، ويقول:" الأمراض تحاصرنا طوال الوقت، وأفكر جديا في المعاش المبكر لإنقاذ حياتي من المخاطر التي تواجهني، وخاصة مع تكرار حوادث الغرق لزملائي في محافظة القليوبية حيث أعمل، وأكثر ما يزعجني الحادث الذي تعرض له صديق لي ولم يتم معاملته على أنه شهيد ولم تحصل أسرته على تعويض يكفيهم شر السؤال؛ لذلك أفكر دائما في أولادي الأربعة وأخاف من مواجهة نفس المصير".

"لم أحصل على تدريب للسلامة المهنية طوال 30 عاما هي مدة عملي في الشركة"، يقول "عم شلبي" ملاحظ عمال في نهاية عقده الخامس، لافتا إلى حصول العمال الأصغر سنا على التدريب، والذي يعتبر غير مهم للمشرف، ويضيف أن الشركة تصرف معدات وملابس للعاملين وتدربهم على استخدامها لكنهم يفضلون استخدام الوسائل التقليدية.

يقول "عزالدين" العامل في شركة الصرف الصحي في الجيزة،:"تقيدني البدلة المخصصة للنزول إلى المصارف، وتعيق حركتي، كما أنها تشعرني بالحر وخاصة مع ارتفاع درجة الحرارة في البئر، فهي بمثابة حزام الأمان بالنسبة لقائدي السيارات لا يلتزم الجميع بارتدائه لعدم أهميته، ولا أحصل على أي أدوات سوى الخرسانة لاستخدامها في التسليك".

وبسؤاله عن حصوله على تدريب السلامة المهنية أفاد أنه خلال مدة عمله منذ 6 سنوات حصل على هذا التدريب في بداية عمله، كما أنه لا يكاد يتذكر خضوعه للكشف الطبي، والذي تم قبل 3 سنوات، وتم حقنه بعدة تطعيمات لا يذكر منها سوى الفيروس الكبدي A، ويقول "عزالدين" إن التثبيت في الشركة هو أكثر ما يشغله، كما أشار إلى انزعاجه من النظرة السلبية لعمال الصرف الصحي والمعاملة السيئة التي يتلقاها من بعض المواطنين.

لا ينكر "عزالدين" حصوله على المال من الأهالي قائلا: "أحيانا بلاغات الأعطال تكون داخل المنازل رغم أن عملنا يفرض علينا إصلاح الأعطال العمومية في الشوارع فقط، ولا يوجد ما يمنع من الحصول على مبالغ بسيطة تعوض الأجر الهزيل الذي أحصل عليه، وخاصة أنني أعمل في أيام العطلات والأعياد وبدون عملي لن يتمكن الناس من الوصول إلى منازلهم أو أصحاب المحال التجارية من العمل".

"عم فاروق" عامل أربعيني في شركة الصرف الصحي في السويس قال لـ"مصراوي" :"لم يعد لدي أي أمل لإصلاح الأوضاع لأن المعدات قديما والسيارات يتكرر تعطلها، كما أن مستحقاتنا المادية يتأخر صرفها، وفي عام 2014 دخلنا في اعتصام ولم تتغير الأوضاع كثيرا".

يكمل حديثه قائلا:" نعيش لحظات من الرعب أثناء ترقب خروج زملائنا من البيارات، وخاصة أن مجراة الصرف يصل عمقها أحيانا إلى حوالي 20 قدما تحت الأرض، وقطرها في بعض المناطق حوالي 3 أمتار، ومع تكرار حوادث الغرق أصبحت أعرف سبب قلة وجود عمال صرف صحي وصلوا إلى سن المعاش، لأن مصيرهم بين التقاعد المبكر أو الموت".

وأوضح دكتور مجدي صليب، المدير السابق لمركز الأمن الصناعي، أن المادة للمادة 219 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 والمادة 77 من قانون التأمينات، يجب توفير التدريب والمعدات والملابس اللازمة للعمال، وهو موضح في الكتاب الخامس من قانون العمل بالتفصيل، وأضاف قائلا:" للأسف لا يتم الالتزام بتطبيق القانون".

تنص المادة 210 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على التالي:" تلتزم المنشأة وفروعها باتخاذ وسائل وقاية العمال من خطر الإصابة بالبكتريا والفيروسات والفطريات والطفيليات وسائر المخاطر البيولوجية متي كانت طبيعة العمل تعرض العمال لظروف الإصابة بها وعلي الأخص التعامل مع الحيوانات المصابة ومنتجاتها ومخلفاتها، ومخالطة الآدميين المرضي والقيام بخدماتهم من رعاية وتحاليل وفحوص طبية".

"مصراوي" بحث عن دعوى تعويض رفعها عامل صرف صحي بسبب أي أضرار صحية أصابته ولم يتم العثور على أي دعوى قضائية من هذا النوع، وتنوعت الدعاوى القضائية ضد الشركة القابضة للصرف الصحي بين تعويضات لأهالي تعرضت منازلهم للضرر نتيجة أعمال قامت بها الشركة للإصلاح أو الصيانة، هذا بخلاف القضايا التي رفعها مواطنون للمطالبة بتوفير خدمة الصرف الصحي في المناطق السكنية التي يقيمون بها.

دكتور أحمد مصطفى هيبة، خبير السلامة المهنية، قال ل"مصراوي" إنه يفترض توفير أقنعة واقية من الغازات الخطرة لعمال الصرف الصحي قبل النزول إلى البيارات أو العمل في المحطات، وذلك للوقاية من استنشاق غازات أول أكسيد الكربون والميثان وكبريتيد الهيدروجين، وينبغي تدريبه على تهوية البيارة جيدا قبل النزول وذلك من خلال أجهزة متخصصة.

ولفت خبير السلامة المهنية إلى أن غالبية الحوادث تتم بسبب غياب استخدام الأقنعة وأجهزة قياس الغازات.

كما شدد هيبة على ضرورة توفير وسائل الإنقاذ إلى جانب مهمات الوقاية من الأقنعة والملابس والقفازات، وقال: "يوجد قصور في توفير مهمات الوقاية وتدريب العمال المستمر على استخدامها، علاوة على غياب المتابعة الصحية الدورية، وتكرار حوادث الاختناق التي تتم بنفس السيناريو الذي يكشف عن عدم وعي العمال بالمخاطر والطريقة الصحيحة للتصرف، لذلك تشترك الحوادث في غرق أكثر من عامل في نفس الواقعة عندما يحاولون إنقاذ زملائهم تكون النتيجة ملاقاة نفس المصير، هذا بالإضافة إلى غياب إعداد خطط الطوارئ".

الإسعافات الأولية لعمال الصرف الصحي

عن الإسعافات الأولية اللازمة لإنقاذ عمال الصرف الصحي في حالة تعرضهم للاختناق أو الغرق، توضحها بالتفصيل دكتورة أمال إمام، مدربة الإسعافات الأولية في الهلال الأحمر المصري، وتقول في البداية إن مشكلة الاختناق تتمثل في عدم قدرة الإنسان على تنفس الأكسجين نتيجة وجود أي غاز أخر بكثافة تعيق وجود الأكسجين؛ وتكون النتيجة عدم قدرة الإنسان على التنفس وإذا غاب الأكسجين غابت الحياة.

تكمل قائلة: "لا تختلف الإسعافات في حالة الغرق أو الاختناق، لابد من استخراج العامل وبسرعة من المكان والمشكلة أن من يخرجه يتعرض معه لنفس المشكلة نجعله يجلس في مكان فيه هواء طلق ونبعد الناس من حوله ونسمح له بالتنفس فك الحزام وربطات العنق ونضعه في وضع النصف جالس ويتم ضم رجله نحوه حتى تأتي سيارة الإسعاف ويجب أن يتم الإسعاف من خلال شخص متخصص وإعطائه أكسجين من خلال أنبوبة أكسجين من خلال شخص متخصص يعرف كيفية استخدامها"

ننصح الأشخاص المترددين حول المكان الابتعاد عن الأبخرة المتصاعدة ووضع كمامه على الفم أو قطعة قماش نظيفة مبللة بالماء لتقليل دخول الغازات للشخص المصاب ويتم إخراج الشخص لمكان فيه هواء طلق وذلك في حالة خروجه واعي ولديه صعوبة في التنفس.

في حالة فقدان الوعي نقوم بتنبيهه عن طريق المناداة نتأكد إذا كان يتنفس أم لا من خلال مراقبة حركة الصدر ونأخذ المصاب لمكان مفتوح ونفتح ممر الهواء ونضعه على جنبه في وضع الإفاقة.

إذا فقد المصاب النبض نختبره من خلال وضع أصبعين على شريان الرقبة وليس اليد ولو وجدت نبض نقوم بتنفس صناعي من فم المسعف لفم المصاب وإغلاق أنف المصاب وعدد التنفسات كل 5 ثواني محاولة لتنشيط الجهاز التنفسي للمصاب.

في حالة توقف القلب وهي الحالة الأخطر ويتم إنعاش القلب والتنفس للمصاب من خلال الضغط على صدر المصاب مع إعطائه 2 تنفس صناعي إلى أن يعود التنفس ويستمر الإسعاف حتى وصول سيارة الإسعاف.

قال المهندس منصور بدوي، رئيس شركة الصرف الصحي في القاهرة، لـ"مصراوي": "لا يوجد لدينا حوادث في القاهرة بالأخص خلال السنتين الأخيرتين، ولكن ما يحدث هو أن الأهالي يحاولون حل مشكلة الصرف الصحي في منزلهم وينتهي بهم الأمر للغرق في الصرف".

أضاف رئيس شركة الصرف الصحي في القاهرة قائلا إن العامل لا إلى النزول للبيارة بل يستخدمون أدوات للتسليك والعمل بيكون من داخل المحطة، لافتا إلى وجود إدارة متخصصة للسلامة المهنية تتولى إمداد العمال بالمعدات اللازمة ومنها أدوات الغطس مثلا إذا تطلب الأمر ذلك ويختلف التعامل مع الصرف حسب طبيعته.

كما أوضح أن مشكلة العمال الأساسية في النظرة الدونية من المجتمع لمهنتهم علاوة على المعاملة السيئة.

"مصراوي" رصد أبرز حوادث اختناق عمال الصرف الصحي، والتي نشرت في الصحف والمواقع الإلكترونية خلال الفترة من عام 2010 وحتى عام 2016.

مصرع 4 عمال وإصابة 2 فى بيارة صرف صحي في الدقهلية

مصرع 4 عمال سقطوا فى بيارة صرف صحى في المحلة

غرق 3‏ عمال في بئر للصرف الصحي في كفر الشيخ بالغربية

مصرع ثلاث عمال صرف صحى داخل بالوعة في الغردقة

غرق عامل في "بالوعة صرف صحي" وإصابة زميله أثناء إنقاذه في كفر الشيخ

مصرع 5 عمال غرقوا في بالوعة صرف صحي في الجيزة

لقي 4 بينهم 3 عمال بالصرف الصحي مصرعهم غرقا في بالوعة مجاري في بولاق الدكرور

لقي عامل مصرعه غرقا داخل بئر صرف صحي أمس في منطقة المطرية في القاهرة

مصرع 9 غرقوا في الصرف الصحي بطوخ في القليوبية

غرق عاملين في البحيرة داخل بيارة للصرف في كفر الدوار

غرق أربعة عمال في بيارة للصرف الصحي في كفر الشيخ

غرق ثلاثة عمال صرف صحي داخل بالوعة في المنيا

غرق عامل وإصابة آخر أثناء تنظيف غرفة صرف صحي في طور سيناء

غرق 3 عمال في خزان محطة صرف صحي في قرية بني هارون التابعة لمحافظة بني سويف أثناء زيارة وزير الإسكان

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل