المحتوى الرئيسى

كيف تستعد الجزائر لمرحلة ما بعد «بوتفليقة»؟ - ساسة بوست

08/07 11:15

منذ 11 دقيقة، 7 أغسطس,2016

يزداد الوضع في الجزائر توجسًا مع مرور الوقت، فيما يشبه عدًّا تنازليًّا لانتهاء صلاحية الرئيس بوتفليقة في الحكم، وهو ما يثير مخاوف محلية ودولية من فشل انتقال السلطة في الجزائر، وما لذلك من تداعيات أمنية وسياسة قد تعصف بالمنطقة ككل.

ومع اقتراب نقطة الصفر، تجري استعدادات مكثفة بالجزائر لضمان سلاسة الانتقال السياسي، في ظل سياق محلي وإقليمي مليء بالصراعات المسلحة والتباينات السياسية والمصالح المتضاربة.

لعب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة دورًا مهمًا في إخراج الجزائر من مستنقع حرب التسعينيات السوداء، وحظي بتعاطف سياسي وشعبي واسع خلال العقد الأول من القرن الجاري لما حققه من استقرار في البلاد، ومن ثمة لم يكن يطرح إشكال الانتقال الديمقراطي بالجزائر خلال تلك الفترة، بالرغم من غياب تعددية سياسية وإجراءات ديمقراطية وقوانين دستورية حقوقية تحكم البلاد.

غير أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، صار الانتقال السياسي في الجزائر محل اهتمام شعبي وسياسي، بعدما ألم المرض بالرئيس بوتفليقة بالتزامن مع الثورات العربية التي عرت دكتاتورية الأنظمة السياسية بالمنطقة وفسادها، بالإضافة إلى أزمة الجزائر الاقتصادية إثر انخفاض أسعار البترول، كل ذلك خلق مناخًا محفزًا لتزايد الأصوات الشعبية والسياسية بضرورة إحداث تغيير حقيقي في حكم قصر المرداية، ولا سيما بعد تدهور صحة الرئيس الجزائري بوتفليقة، لدرجة قد تعجزه عن الحكم.

تكمن مشكلة الانتقال السياسي بالجزائر في تحول السلطات الثلاث؛ الحكومة والبرلمان والقضاء، إلى مؤسسات يصفها المُعارضون بـ«الأشباح»، وهي المؤسسات التي عادة تضمن سلاسة الانتقال السياسي بشكل ديمقراطي بالدولة الحديثة، ما يثير تساؤلات عاجلة ومؤرقة حول مستقبل الجزائر، ماذا سيحدث بعد رحيل بوتفليقة؟ وكيف سيتم الانتقال السياسي؟ ومن سيحكم البلاد؟

بحسب العديد من المحللين، فإن الاستعدادات بدأت فعليًّا للمرحلة الجديدة منذ سنة 2014، حيث قام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالعديد من الإجراءات، التي تدخل ضمن إعادة هيكلة النظام الجزائري تمهيدًا للمرحلة القادمة. ويندرج ضمن هذه الإجراءات الإطاحة بالعديد من رؤوس المخابرات الجزائرية، وإخراج تعديلات الدستورية مطلع هذا العام، علاوة على حل جهاز الاستعلامات الجزائري، الأمر الذي اعتبره البعض تمهيدًا لنقل السلطة إلى القوى المدنية بعيدًا عن العسكر والمخابرات.

ويدعو الصف السياسي الرئيس بوتفليقة إلى استكمال ولاية الرئيس حتى 2019، على الرغم من وجود المادة 88 التي تتيح إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في حالة عجز الرئيس عن الحكم بسبب المرض، تحت مبرر «قطع الطريق أمام أي شخصية سياسية أو عسكرية قد تهدم ما بناه خلال 17 سنة قضاها في الحكم».

في حين تتوجس المعارضة السياسية الجزائرية من أن هناك ترتيبات سياسية جارية بين أجنحة النظام، تهدف لرسم خريطة لمرحلة ما بعد بوتفليقة، بعيدًا عن المسار الديمقراطي، إذ تحذر لويزة حنون، الأمين العام لحزب العمال الجزائري؛ من النزعة الانقلابية للنخبة الحاكمة، داعية إلى «الإصلاح السياسي قبل فوات الأوان، منعًا لانهيار الوطن».

تحركات استباقية للوصول إلى السلطة

طفت خلال الفترة الأخيرة الخلافات بين القوى السياسية الجزائرية، فيما يشبه سباقًا لشغل منصب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي غدا وضعه الصحي غير مطمئن لأن يتيح له الاستمرار حتى نهاية ولايته في 2019.

في هذا الإطار، يرجح مراقبون مجموعة من الشخصيات المرشحة لخلافة الرئيس الجزائري، منها عبد الملك سلال الوزير الأول، وأحمد أويحيى رئيس الحكومة السابق، وأيضًا علي بنفليس المحسوب على المعارضة الجزائرية.

وبرز في الآونة الأخيرة وزير الطاقة الأسبق، شكيب خليل؛ إلى الواجهة، بوصفه أحد أكثر المرشحين حظوظًا في شغل منصب الرئاسة الجزائرية مستقبلًا، بخاصة وأنه يتمتع بعلاقات خارجية جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويحظى بدعم أجنحة قصر المرادية، غير أن قضايا فساد تطاله، وتثير اعتراضات شعبية ضده، واعتبرت زيارته مؤخرًا للزوايا الدينية بالجزائر محاولة لتبييض صورته الأخلاقية ودعاية انتخابية مبكرة.

من جهة أخرى يستبعد ترشيح أسماء تخرج من رحم المؤسسة العسكرية، مثل عبد الغني الهامل مدير الشرطة، الشيء الذي قد يعطي انطباعًا بترسيخ الحكم العسكري. كما تُعدّ فرضية توريث الحكم لسعيد بوتفليقة، الأخ الأصغر للرئيس، وهو الآن النائب الفعلي عن أخيه المريض في حكم البلاد؛ بعيدة المنال، وفي نفس الوقت من المحال ترشيح شخصيات لا تحظى بالدعم الكافي من قبل أجنحة قصر المرادية، الممثلة في جناح الرئاسة والمؤسسة الأمنية وحزب جبهة التحرير الوطنية.

ويروج الحديث عن أن هناك تيارًا داخل المؤسسة العسكرية، يعمل على تكريس الخيار الشعبي في اختيار الرئيس الذي سيكون خليفة للرئيس الحالي، من خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة، غير مهندسة مسبقًا.

وبخلاف التجارب السابقة، يترقب أن يلعب الإعلام ونخبة رجال الأعمال دورًا في رسم الخريطة السياسية للجزائر في المرحلة القادمة، مع تزايد نفوذهم وقدرة تأثيرهم على الرأي العام.

ويعاني النظام الجزائري حاليًا من أزمة عميقة، تعيقه عن القيام بانتقال للسلطة متوافق عليه شعبيًا وسياسيًا، فكما تقول إيزابيل شيفر الباحثة بالمعهد الألماني للتنمية بأن «بنية الحكم القائمة على مركب معقد من دوائر النفوذ العسكرية والاستخباراتية والأوليجارشية، لم تسمح حتى الآن بإحداث تغيير ديمقراطي»، ما يعطي انطباعًا مشبوهًا بالغموض حول مستقبل الجزائر في مرحلة ما بعد بوتفليقة.

أمريكا وأوروبا قلقتان من الوضع في الجزائر

ينتاب الغرب قلق متزايد في مستقبل الاستقرار السياسي بالجزائر، ولا يقتصر هذا الأمر على فرنسا، ذات النفوذ التقليدي بحكم ماضيها الاستعماري، بل تجاوز ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي أخذت تولي اهتمامًا للجزائر في الآونة الأخيرة، سواء تجلى ذلك في زيارات الدبلوماسيين الأمريكيين، أو المساعدات المالية والعسكرية للجزائر.

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الجزائرَ شريكًا رئيسًا في محاربة ما تُسميه بـ«الإرهاب» في منطقة شمال أفريقيا، وتتخوف الإدارة الأمريكية من تداعيات انتقال السلطة السياسية في الجزائر في حالة فشله، إذ سيتسع نطاق انتشار الجماعات المسلحة، ويزداد الوضع الأمني تأزمًا في شمال أفريقيا.

أما بالنسبة لأوروبا، فهي تخشى انطلاق موجة هجرة جماعية من الجزائر، إذا لم تحافظ الأخيرة على حالة الاستقرار، على غرار ما حدث في سوريا، ولا سيما مع القرب الجغرافي، العامل الذي قد يسهل في اتخاذ قرار الهجرة بالنسبة لمواطني البلد في أدنى اضطراب قد يضرب المنطقة.

Comments

عاجل