المحتوى الرئيسى

دعاء عبد المقصود يكتب: منبر حي بن يقظان بين المكتوب والمجهول | ساسة بوست

08/06 11:46

منذ 11 دقيقة، 6 أغسطس,2016

في كتاب رؤية إسلامية للدكتور زكي نجيب محمود، استعرض تجربة لأحد فلاسفة المسلمين وهو ابن طفيل الأندلسي والذي ألف كتاب «حي بن يقظان»، حيث وضع أمام القارئ إنسانًا نشأ وحده على جزيرة ليس فيها إلا نبات وحيوان وكائنات مادية كالأرض والماء والشمس، فلما نما جسمًا ونضج عقلًا استطاع من تأمل المخلوقات التي حوله أن يستدل بعقله المحض على وجود الله وطبائع الأشباه، وجاء اختيار ابن طفيل للاسم ليبرهن على أن الإنسان المعزول وحده في جزيرة منذ ولد استطاع بعقله أن «يقرأ» الكائنات من حوله قراءة كشفت له عن الحق سبحانه، وعن حقائق الأشياء وطبائعها، لكونه لم يكن غافلًا ولا لاهيًا أي لم يكن غافلًا عندما «قرأ» ما حوله فهو بذلك «حي» بكل معنى الحياة، و«يقظان» بكل إدراكه.

إذ اعتبر الدكتور زكي نجيب محمود أن القراءة العميقة من أجل المعرفة كفيلة بإخراج الإنسان من دائرة الطاعة العمياء إلى الطاعة القائمة على الفهم السليم لما حلله وحرمه الله عز وجل، فاستخدام العقل لتحليل الحقائق للوصول إلى نفع ما حلله الله أو ضرر ما حرمه، خير للإسلام والمسلم لأن استعداد الإنسان لقبول أحكام بغير علم بمبرراتها قد يتسع ليشمل حياته بشكل عام دون أن يشعر فيتحول إلى الطاعة العمياء في علاقاته مع كل ما يحيط به، والاعتقادات البعيدة كل البعد عن أحكام الدين حتى تترسخ في النفوس كأنها حقائق لا جدال فيها، فيتحول إلى إنسان سلبي يسهل قيادته بدون سؤال منه عن الأسباب.

لذا لا عجب عندما نجد تنظيمًا يتسم بالعنف مثل «داعش» يؤسس ما يسمى بـ«مدرسة الجهاد» بمنطقة ننجرهار الأفغانية لتدريب الأطفال ممن يتراوح أعمارهم بين ثلاثة إلى اثني عشر عامًا فكريًا على استخدام السلاح والجهاد، وذلك لسهولة تطويعهم في هذه السن الصغيرة لضعف إرادتهم والذي يرافقه بالضرورة عدم إعمال للعقل بشكل واع وسليم في تقييم الحقائق التي تبث على مدار ستة أيام أسبوعيًا في تلك المدرسة، الأمر الذي يسهل معه ضمهم لصفوف التنظيم الإرهابي.

وهنا تتجلى أهمية إعمال العقل ولن يتأتى ذلك بدون إعطاء الفرصة الكاملة له للتفكير؛ والغريب أن هذا ما أكده أ. د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف صاحب قرار الخطبة المكتوبة في مقدمة كتابه (غذاء العقل.. مقالات في الدين والحياة)، والتي جاء بها: «فهذه مجموعة من المقالات العصرية المتنوعة دينيًا وثقافيًا وفكريًا واجتماعيًا ووطنيًا آثرت أن أجعلها تحت عنوان غذاء العقل، للتأكيد على أهمية العقل والتفكير في ضبط حركة الأفراد والمجتمعات، وأننا في تناولنا لقضايا الخطاب الديني والخطاب الثقافي لفي حاجة ملحة إلى مخاطبة العقل واستثارته للخروج من حالات الجمود والركود إلى حالات الحركة والتفكير والتدبر، وذلك أن مشكلة كثير من العناصر التي تقع فريسة للجماعات والأفكار المتطرفة، هي إما في إهمالها للتفكير العقلي والمنطقي السليم، وإما في تسليم عقولهم لشيوخ ومنظري الفكر المتطرف».

وسؤالي لمعالي وزير الأوقاف المصرية كيف يمكن للعقل أن يفكر ويقوم بعملياته التحليلية الكاملة في وقت يفرض فيه على من بيدهم إعطاؤه المعلومة الصحيحة قيودًا لعدم الخروج عن النص المكتوب الذي لا يغطي جميع جوانب الموضوع المطروح بشكل كاف؟!

نعم، شهدت مساجدنا في الآونة الأخيرة حالة من الهرج من قبل أشباه رجال الدين ممن اعتلوا المنابر وطوعوا خطبهم لأهداف سياسية، ولكن هل هذا مبرر كافٍ لصدور مثل هذا القرار الذي أثار حفيظة علماء وشيوخ الأزهر الشريف حتى صدر عن هيئة كبار العلماء بيان برفضه، معتبرة إياه تجميدًا للخطاب الديني لكونه سيؤدي بعد فترة ليست كبيرة إلى تسطيح فكر الخطباء، أي عدم قدرتهم على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة وتفنيدها والرد عليها وتحذير الناس منها.

ومن مقدمة كتاب وزير الأوقاف الذي أشرنا إليه وبيان هيئة كبار العلماء برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ. د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، نجد الطرفين متفقين على أهمية ترك مساحة للعقل للتحليل والرد بما ينعكس على ثقيف العامة بمخاطر الأفكار المتطرفة، كما يقودنا هذا في الوقت نفسه إلى حالة التناقض التي وقع فيها أ. د/ محمد مختار جمعة بإصداره هذا القرار المثير للجدل والذي أحدث حالة من الانقسام بين رجال الدين في مصر في وقت يلصق فيه أي جرم في العالم بالإسلام. أليس من باب أولى صدور قرار يجمع لا يفرق، يفيد لا يضر، يوضح لا يطمس؟!

في الحقيقة، المثار الآن على الساحة هو صراع يتجدد كل فترة بين فريقين أحدهما يقود مسيرة التنوير وآخر يصل بنا نحن المسلمين إلى طريق مظلم لا يستفيد منه سوى رافعي راية التشدد والعنف باسم الدين، ولا يخفى على أحد أعضاء كلا الفريقين.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل