المحتوى الرئيسى

المعارٍضة التركية هدى كايا: «الحزب الواحد» إلى «الرجل الواحد»

08/06 02:37

مثّل الانقلاب في تركيا حدثاً فاصلاً وتاريخياً في مسار الدولة التركية الحديثة التي لن تعود بعده كما كانت. أمّا عن تركيا ما بعد الانقلاب، سؤالٌ، يمكن لأحزاب المعارضة أن تجيب عليه أكثر من غيرها بما تمثله من ثقل تمثيلي في البرلمان وفي العمل السياسي. تشير المعارِضة التركية النائبة هدى كايا، عضو البرلمان التركي في مدينة اسطنبول عن حزب «الشعوب الديموقراطي» في حديث مع «السفير» إلى جذور المشكلة: «مشكلة تركيا ليست حكم الحزب الواحد، بل هي مشكلة حكم الرجل الواحد»، وتعتبر أنّ «الانقلاب هو نتيجة العنف والفساد والمشاكل الأخلاقية التي يمارسها النظام الحاكم»، وكذلك عدم الاستقرار السياسي وسوء الادارة في السياسة الخارجية.

تشرح المعارِضة التركية، بالقول إن هناك شخصا واحدا يقرر داخل حزب «العدالة والتنمية» هو الرئيس رجب طيب أردوغان. فهو «يُخرس كل الأصوات ولا رأي فوق رأيه، قبل الانقلاب وما زال بعده، ولا ندري إلى أين ستصل الأمور من خلال حكم الشخص الواحد، فما بالك في انعكاس هذه القرارات الشخصية التسلطية الاستبدادية على الشعب وعلى السياسة الداخلية والخارجية وعلى البلد ككل».

لا ترى هدى كايا كمعارِضة، أنّ حزب «العدالة والتنمية» كحزب حاكم له دور في إدارة الدولة، لأنه لن يكون هناك أي اعتراض من أحد من داخل الحزب وإلا «سوف يتعرض للإقصاء»، مشيرةً إلى «تواطؤ الإعلام مع أردوغان» في هذا التسلط بأنّه «يظهر الخبر والصورة المناسبين له وليس كما هو الواقع الحقيقي».

«لن يصل الشعب إلى النظام الديموقراطي البرلماني التعددي ما دام هناك حكم الرجل الواحد» تقول، لكنها تؤكد أنهم لن ييأسوا، وأن من واجبهم تجاه شعبهم أن يتابعوا النضال من أجل الوصول إلى العدالة الحقيقية والمطالبة بالمشاركة والمساواة والحرية التي هي حق للشعوب الحرة كافة، وإلا فإن «الحرب الداخلية يمكن أن تكون هي المنتج لهذه الارهاصات».

بهدوئها، تجيب عن الأسئلة المقلقة حول تركيا، ولا يغير الكلام أي تفصيل من تفاصيل وجهها، وتؤكّد أن حزب «الشعوب الديموقراطي» الذي تمثله في البرلمان يعارض كل أنواع الانقلابات، لكنها تشير إلى أنّ «ما يحصل الآن بعد الانقلاب منافٍ لكل القوانين»، خاصة بعد أن تم طرد الكثيرين من أعمالهم ووظائفهم والرقم إلى ازدياد. وتستطرد بالقول: «نحن نصحى كل يوم على خبر طرد مجموعة من الموظفين من دون سبب»، ومن بين المطرودين هناك من ليس له علاقة بالسياسة أصلاً. «طبعاً نحن نعارض كل هذا التصرف غير المسؤول. لقد أنزلوا الناس إلى الشارع لكي يمنعوا مراسم دفن الذين شاركوا في الانقلاب ومنع الصلاة عليهم» تقول. وتتحدث بحسرة وبخيبة واضحتين على وجهها عن وضع جثث الانقلابيين في مقابر جماعية سميت (مقابر الخونة)، مع العلم أن لهم الحق في دفنهم على الطريقة الإسلامية مهما كان ذنبهم كما تؤكد.

وعن رفع الحصانة عن نواب المعارضة، أكّدت كايا أن هذا القرار قد شمل كافة المعارضين في البرلمان وهي الآن كنائب عن مدينة اسطنبول وتمثل الشعب الذي انتخبها لا تتمتع بالحصانة النيابية، ولغاية الآن، تم توجيه أربع تهم لها، إلاّ أنها تؤكد على عدم خشيتها السجن، وتتابع القول: «سنبقى مع شعبنا الذي تظاهر ضد رفع الحصانة»، وتؤكد أنه هو نفسه الشعب الذي وقف ضد الانقلاب، يقف الآن ضد الاجراءات القمعية التي يمارسها الحزب الحاكم ضد قادتهم.

وعن الخطوات التي سيقوم بها حزب «الشعوب الديموقراطي» تعيد هذا الأمر إلى مؤيدي الحزب الذين نزلوا إلى الشارع ضد الانقلاب، وكان لهم الدور الكبير مع غيرهم من المعارضين في إفشال الانقلاب. تؤكد هدى كايا أن هؤلاء المؤيدين عادوا إلى بيوتهم بعدما أفشلوا الانقلاب، ولكن وبسبب هذه المضايقات التي يمارسها الحزب الحاكم ضد الجميع عادوا إلى الشارع لينصفوا قادتهم وممثليهم الذين انتخبوهم. وتضيف أن هؤلاء الناس يتعرضون الآن للمضايقات والملاحقة. وتؤكد المعارضة التركية بأن هؤلاء هم من أفشل الانقلاب وليس الحزب الحاكم. وتتهم السلطة بالنفاق وبـ «الانقلاب على من أفشل الانقلاب» عليها كما تقول.

وعما سيؤول إليه المستقبل السياسي لتركيا خاصة في علاقاتها مع جيرانها والموقف من الحرب في سوريا، تستطرد هدى كايا بالقول إن «تركيا كانت في الآونة الأخيرة تمارس سياسة التوسع في المنطقة وكأنها سلطنة، إلا أنها كانت تحصد الفشل المستمر، خاصة في منطقة الشرق الأوسط». برأيها، إن تركيا الآن «تحاول إعادة المصالحة مع إسرائيل وتصحيح العلاقات مع روسيا بسبب العزلة التي عانت منها مؤخراً»، الناجمة عن سوء الادارة في السياسة الخارجية. وتؤكد أن «هناك صعوبات تواجه تركيا الآن أكبر مما كانت تعانيه من قبل مع الاتحاد الأوروبي»، فتجربة العلاقة الجيدة التي لم تدم مع إسرائيل هي نتيجة هذا الفشل «لأنهم لا يميزون بين الصديق والعدو» كما تقول، ولم يكن لديهم موقف واضح يخص تركيا في ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل والموقف من القضية الفلسطينية. وتسأل لماذا الآن بدأوا بالاعتراف بأخطائهم في سوريا ويبحثون عن أسباب تخفيفية تقيهم شر المحاسبة؟ وتجيب هدى كايا بنفسها عن التساؤل بأن سياسة الحزب الحاكم في تركيا «تفتقر للوضوح والمصداقية في علاقاتها الخارجية وفي مشروعها في الشرق الأوسط سواء كان مشروع سلام أو حرب»، وأنها ليست على ثقة تامة بنجاح السياسة الخارجية التركية وليس لديها أي أمل في أن يتغير أي شيء في هذه السياسة، لأن «القرار هو بيد شخص واحد يدير السياسة كما يشاء من دون حسيب أو رقيب وكأنه سلطان العالم».

هدى كايا تركية من مواليد اسطنبول، كانت في الثمانينيات ناشطة يمينية، ثم انتقلت باهتماماتها للشؤون الإسلامية، وأصبحت تمارس الإسلام عن قناعة بعد أن ارتدت الحجاب. كما أصبحت من المدافعين عن الحجاب وكتبت الكثير من المقالات تهاجم فيها السلطة التي كانت تمنع ارتداء الحجاب في تركيا، ما حرم الكثيرات من النساء الانتساب إلى الجامعات والحصول على الوظائف العامة.

تم اعتقالها مع بناتها الثلاث في سجن مالاطيا لمدة سنتين بسبب كتاباتها، وطالب الإدعاء العام لها بعقوبة الإعدام، لكن محاميها نجح في تبرئتها، وخرجت من السجن على أن تذهب إلى بلد آخر. فذهبت إلى باكستان ولكنها لم تستطع الابتعاد كثيراً عن بلدها فعادت إلى تركيا، واعتقلت مرة أخرى مع بناتها الثلاث، ولكن هذه المرة أخرجوهن من السجن لسبب لم يعرفنه. وبعد فترة وجيزة تعرضن لعملية دهس بسيارة مجهولة، وتوفيت إحدى بناتها جرّاء هذا الحادث، وهنا تبين لهن بحسب رأيها، سبب إخراجهن من السجن، وهو عملية الاغتيال.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل