المحتوى الرئيسى

دروس تنموية على مصر أن تتعلمها | المصري اليوم

08/06 00:45

22 عاماً بالتمام والكمال مرت على انتهاء واحدة من أبشع حوادث الإبادة الجماعية ففى 100 يوم فقط لاغير قتل نحو 800 ألف شخص على يد متطرفين من قبائل الهوتو الذين استهدفوا أفراد أقلية التوتسي، بالإضافة إلى خصومهم السياسيين الذين لا ينتمون إلى نفس أصولهم العرقية، وذلك على خلفية إسقاط طائرة كانت تقل الرئيس الرواندي آنذاك جوفينال هابياريمانا ونظيره البوروندي سيبريان نتارياميرا وقتل جميع من كانوا على متنها.

رواندا باللغة المحلية تعنى أرض الألف تل وتقع في وسط أفريقيا وكانت في السابق إحدى المستعمرات الألمانية ثم وضعت تحت الانتداب البلجيكى بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى حتى استقلت عام 1962 وتبلغ مساحتها 26 ألف كم وعدد سكانها 12 مليون نسمة وتعد إحدى الدول التي ينبع منها نهر النيل وتقع في شرق أفريقيا بمنطقة البحيرات العظمى لشرق وسط أفريقيا، تحدها تنزانيا شرقا، وأوغندا شمالاً، والكونغو الديمقراطية غربًا وبوروندي جنوبًا، وهي من أقاليم الكونغو الكبير.

ولدت رواند من جديد مع انتخاب بول كيغامي (والذى كان في السابق قائدأ للجبهة الوطنية الرواندية وهو في عمر 36 عاماً وينتمى لقبيلة التوتسى) رئيساً للبلاد عام 2003 حيث كان متوسط الدخل السنوي للفرد 220 دولارا ومتوسط عمر الرجال 39 عاماً للرجال والنساء 40 عاما ونحو 66% من سكان البلاد تحت خط الفقر، بدأ كيغامى رئاسته بإنشاء مجلس التنمية الرواندية (RDB) ويشمل نطاق عمل المجلس جميع الجوانب المتعلقة بتطوير ودعم القطاع الخاص والمستثمرين سواء المحليين أو الأجانب وتلبية احتياجات الشركات من جميع الأحجام (الكبيرة والمتوسطة والصغيرة)، ويجمع المجلس كل الوزارات والهيئات معاً تحت سقف واحد لتسهيل التعامل مع المستثمرين (نظام الشباك الواحد) ويتبع المجلس مؤسسة الرئاسة مباشرة ويقدم تقارير أسبوعية للرئيس عن أي مشاكل أو معوقات تواجه المستثمرين، كما تقدم تقارير ربع سنوية للبرلمان عما تم إنجازه، وعن التشريعات والقوانين الجديدة لتحسين بيئة العمل للمستثمرين وتحفيز الاستثمار وداعم الأهداف التنموية.

تم إنشاء المجلس من خلال خبراء دوليين ليحاكى نموذج الممارسات التنموية الجيدة المطبق في تجربة كل من سنغافورة وكوستاريكا، كما تم توفير خدمات استشارية وتدريبات عملية على الدعم من رواد أعمال دوليين وخبراء من مجلس سنغافورة للتنمية والبنك الدولي ومكتب توني بلير للاستشارات بهدف نقل المعرفة والتجارب واستثمارها للوصول إلى الدولة الرشيدة في ظل الفرص المتوفرة والإمكانيات المتاحة في رواندا.

كانت أولى مهام المجلس وضع رؤية مستقبلية لرواندا وبالفعل صدرت الرؤية عام 2004 لتحويل رواندا إلى مركز عالمي ديناميكي للأعمال التجارية والاستثمار والابتكار من خلال تمكين نمو القطاع الخاص في البلاد، كما تم وضع استراتيجية «رؤية 2020» التي اتبعتها الحكومة واستهدفت الزراعة والصناعة والقضايا الاجتماعية، ولكن افتقار رواندا إلى الموانئ وارتفاع تكاليف الشحن الجوى وعدم الاستقرار الخارجي الذي يحيط بها حمل الحكومة على التركيز على الاستثمار في الاقتصاد المبنى على المعرفة وبشكل أساسى في قطاع تكنولوجيات الاتصالات.، كما تهدف استراتيجية «رؤية 2020» إلى رفع رفع حصة الفرد من الناتج القومي من 800 دولار أمريكي في 2015 إلى 1240 دولاراً بحلول العام 2020.

المحور الثانى الذي تم التركيز عليه يتمثل في المصالحة الصعبة بين القتلة والناجين من خلال الاعترافات الفردية والمغفرة والصفح، حيث اتبعت رواندا نموذج جنوب أفريقيا في المصالحة، فالنظام القضائي التقليدي «غاكاكا» في رواندا حاكم 2 مليون شخص لمشاركتهم في أعمال الإبادة الجماعية وهو نظام مصمم للسماح للناس الذين يعرفون بعضهم بعضًا إمكانية استئناف العيش في المجتمع نفسه، كما أنه يجمع قرية بأكملها ليشهد سكانها على عمليات الاعتراف وعلى مصداقيتها ولتشجيع الضحية على الصفح والاتفاق على بعض التعويضات مثل تقديم بعض الخدمات أو المساعدة في عمليات الزراعة لفترة من الوقت. إلا أن الناجين من الإبادة الجماعية يواجهون العديد من الصعاب منها على سبيل المثال لا الحصر مشكلة الفقر ومن مشاكل صحية مثل فيروس نقص المناعة (الإيدز) كنتيجة للاغتصاب خلال الإبادة الجماعية، إن إعادة بناء الحياة بجوار أشخاص مسؤولين عن القتل والاغتصاب يمثل واقعًا صعبًا يواجه جميع الناجين في رواندا ومع ذلك فإن المجتمع الرواندى نجح إلى حد بعيد في تجاوز الهوية القبلية والمشاكل العرقية إلى مجتمع يعلى سياسة الاتحاد والمصالحة وينبذ العنف ويتقبل فكرة العفو وحالياً يعتبر الحديث عن العرقية في رواندا أمرا غير قانوني إذ ترى الدولة أن ذلك يساعد في منع إراقة المزيد من الدماء، كما أن الأحزاب اتفقوا على خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها مهما بلغ مستوى الخلاف.

في عام 2008 ولأول مرة في التاريخ تم انتخاب مجلس تشريعى جديد تمثل فيه النساء الأغلبية، كما تم إلغاء العمل بنظام تأشيرة الدخول لجميع الأجانب مما جعل كيغالي أكثر العواصم الأفريقية استقبالا للسياح الأجانب نظراً لسهولة وسلاسة الإجراءات التي يجدها كل زائر في مطارها الدولي، وبالتالى أصبحت السياحة أحد أكبر القطاعات في اقتصاد رواندا.

وكنتيجة لاستخدام التخطيط الاستراتيجى كمنهج نجحت رواندا في أن تحتل صدارة أفريقيا كأكثر الدول استقطابا للمستثمرين في القارة، مما أدى إلى ارتفاع نمو الناتج القومي المحلي فيها من 4.7% عام 2013، إلى 7% عام 2014، و7.5% 2015 وهي نسبة تفوق نسبة النمو في الصين التي هبطت تحت مستوى 7 بالمئة في 2015، وهذا ما جعل الكثيرون يلقبون رواندا بـسنغافورة أفريقيا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل