المحتوى الرئيسى

مروة أحمد تكتب: زويل.. عالِم هزمه الصوت الواحد

08/04 10:47

لم يكن الحزن العميق الذى شعرت به بوفاة الدكتور أحمد زويل ناجما عن فقدان رمز كبير فقط، بل بسبب الحسرة التى شعرت بها من الجحود الذى قوبل به حين جرؤ وحاول تقديم مشروع قومى لوطنه فى بلد إلتهم من الكفتة ما إلتهم.. ذلك الجحود الذى يثبت للمرة المليون أن الدول القمعية لا يمكن أن تتقدم مهما قدمت للعالم من أبناء نابهين سواء دكتور زويل أو غيره من الذين اعتدنا استغلال أسمائهم فى الأغانى والتفاخر بما حققوه كوسيلة للتغلب على تخلفنا، بالضبط-رغم إعتراضي على تلك التشبيهات الأبوية- كأب عاطل وسُكري، يجاهد ابنه للخروج من النفق المظلم عبر المذاكرة فى ضوء عواميد النور واقتراض الكتب، وحين يبدأ فى جني ثمار نجاحه، يتباهى به بكل وقاحة، إلا أن الابن رغم كل ذلك عاد فى حالتنا تلك، ليعطى بلده لا ليأخذ منها، لأنه ببساطة ليس بحاجة للأخذ.

يكفينا أن نشير إلى أن حائز جائزة نوبل هو الوحيد الذى يقف ملك السويد إحتراما له، لندرك أن هذا الرجل لم يكن بحاجة لمجد أو ثروة أو أى شئ.

عقب فوزه بنوبل، بدأ السعى لتحقيق حلمه الكبير بتأسيس جامعة تقدم باحثين لإنقاذ هذا البلد، واستجابت له السلطة فى ذلك الوقت مؤقتا، ثم مات المشروع، ليس فقط لأن بلادنا لا تقدر العلم، ولكن لأن الديكتاتور يستند عادة لشرعية غياب البديل، وكان اسم الدكتور زويل قد بدأ يتردد كرئيس محتمل.

وعقب ثورة 25 يناير تجدد الأمل فى إحياء مشروع الجامعة، كما تجدد الأمل فى كل شئ، لتبدأ مصر فى تسجيل رقم قياسي جديد فى الفشل والبله والانحطاط.

فعلى غرار تجربة محمد علي حين بدأ بناء مصر الحديثة بإرسال بعثات للخارج، أتى زويل بالعالم إلينا وبدأ يسخر خبراته ورؤيته ويختار النوابغ بالعالم ليتولوا تأهيل النوابغ بمصر، بتشكيل مجلس أمناء لجامعة قد تكون نواة لنهضة علمية حقيقية، حين يبدأ خريجو الجامعة في نقل خبراتهم لأجيال أخرى وهكذا، وبينما تشجع أى دولة لديها بعض من الحس والمنطق هذا الحلم، واجهناه بالروتين والإجراءات والأختام والأرض ومن اشترى قبل من، والشائعات والتطاول، والرجل ماضٍ فى طريقه لعلمه بأن الحلم يستحق هذا العناء.

التفصيلة الأكثر إحباطا فى كل ذلك، هى مباركة عدد كبير من الثوار للحرب التى تعرض لها الرجل بسبب آرائه السياسية المؤيدة للنظام الحالى، فبلغوا من إنعدام التمييز درجة وضع أحمد زويل وطلعت زكريا فى منزلة واحدة!

تناسوا أن ليس كل من أيد النظام الحالى فاسدين، ولنا فى أهالينا خير مثل، فقد يكون أيده بسبب فارق الأجيال، أو لأنه اعتقد أنه سيدعم مشروعه العلمى، والذى كان من الممكن أن يصب لصالح التغيير فى النهاية، فلو كانوا فكروا قليلا وعادوا إلى ما قبل يوليو 52 التى يتباكى عليها الجميع بغباوة فى هذه الأيام، لأدركوا أن كل ما في تلك المرحلة من مميزات، لم يكن بفضل الملك (الذى استقوا معظم معلوماتهم عنه من وحي مسلسل لميس جابر!) بل بفضل الدماء الجديدة التى ضختها حركة محمد علي العلمية بالبلاد، والتى أخذت فى المعافرة والتطور حتى اقتربت من الوصول لنظام ملكى دستورى أوقفه إنقلاب يوليو، والأهم من كل ذلك، أنهم تناسوا مشهدا لم يقف أمامه كثيرون للأسف، ففى عام 2012 تقريبا، وبعد أن نالت الثورة المضادة من الجميع، تم الإعلان أن الدكتور زويل يوجه حديثا للمصريين عبر التلفزيون المصرى، وكان الحديث تشجيعا للمحبطين وكارهي الثورة على استكمال الطريق.. أتذكر جملة قالها رحمه الله عن الحالة المعنوية للمصريين مقارنة ببداية الثورة: “إن البهجة تتراجع”، فبدأ فى تذكيرنا كيف كانت مصر فى الستينيات وكيف تدهورت وكيف حققنا الحلم فى 25 يناير، وعلينا ألا نستوحش الطريق لأن كل ما يحدث عقبات لا بد منها فى طريق صانعى الثورات.

كيف يمكنك عزيزى الثائر أن تكون ضيق الأفق إلى هذا الحد، وأنت تسعى لحكم بلد بمختلف أجيالها وتوجهاتها؟!

مع احترامى لمبادئك التى أشاركك الإيمان بها، ماذا ستقدم للوطن بجانب الحديث عن تلك المبادئ؟

دكتور زويل امتلك مشروعا حقيقيا، فأى مشروع تمتلك أنت؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل