المحتوى الرئيسى

وسيم الهلالي يكتب: لماذا انقطع الوحي بموت المصطفى؟ | ساسة بوست

08/04 10:35

منذ 11 دقيقة، 4 أغسطس,2016

يبدو السؤال غريبًا، وربما لم يخطر ببال الكثيرين، لكنه من المنطقي أن نتساءل بعد آلاف السنين ومئات الأنبياء يتوقف إرسال الرسل وإنزال الكتب، ويحدث هذا الانقطاع بموت المصطفى عليه الصلاة والسلام. وقد يفيدنا أن نمعن الفكر في جوهر الرسالة الخاتمة وزمن نزولها.

وهنا علينا أن نستعين ببعض النصوص؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى» والحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وظاهر الحديث –بالإضافة لآثارٍ أُخرى– يُفيد بأن ما بقي من عمر الكون أقل مما مضى، وأثبتت دراسات حديثة، منها في وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» وغيرها أن عمر الكون يقترب من 14 مليار سنة، وبفرض ذلك لن يكون عمر الإنسان أبدًا كما قدره بعض علماء السلف -بدون أثر ثابت عن المصطفى- وعلماء أهل الكتاب بنحو عشرة آلاف سنة، واستئناسًا بالأبحاث العلمية الحديثة التي تجعلنا نتحدث عن ملايين السنين على الأقل نجد أن حديث النبي السابق ذكره منطقيٌ في أن بعثة النبي إيذان باقتراب يوم القيامة.

ولن أستفيض في ذكر الآيات التي توحي بنفس الدلالة مثل قوله تعالى: «أزفت الآزفة» وقوله تعالى: «اقتربت الساعة وانشق القمر»، لأن الزمان يحدُّنا نحن البشر بحساباتنا وأعمارنا المتناهية في القصر، أما الله عز وجل فهو الذي خلق الزمان، كما أنه سبحانه ضرب مثلًا تقريبيًا للفارق بين اليوم عندنا كبشر وعنده كرب البشر فقال عزّ من قائل: «وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ»، فإذا حولنا هذا التشبيه لحساب رقمي سيكون اليوم عند الله أكبر من (365X 1000 = 365000 يومًا)، مع اعتقادي أن رقم «ألف» ذُكر كتقريب لأذهان العرب وربما ذكره الله كتشبيه بأكبر رقم يعرفه العرب، وقد يكون أكبر من ذلك بكثير.

نعود للسؤال الذي بدأنا به كلامنا، لماذا انقطع الوحي بوفاة محمد عليه الصلاة والسلام في القرن السابع الميلادي؟

أثار فضولي جدًا (قانون الحالات الثلاث) للفيلسوف الاجتماعي الفرنسي «أوجست كونت»، والذي تُوفي في القرن التاسع عشر الميلادي، فالمرحلة الأولى عنده هي «المرحلة اللاهوتية»: تتميز بسيطرة «اللاهوت»، ويتسم الأفراد بالبدائية حيث يعتقدون في الخرافات – على حد قوله- أما المرحلة الثانية وهي «المرحلة الميتافيزقية»: وهي الفترة التي حدث فيها تفسير للسببية بلغة القوى المجردة، وتسود فكرة وجود كيان عظيم واحد هو «الطبيعة»، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي «المرحلة الوضعية»: وتتميز هذه المرحلة بأنها مرحلة إيجابية يحل فيها العلم محل الخرافات حيث يطور البشر عملية التفسير بمصطلحات العملية الطبيعية والقوانين العلمية وعند هذه النقطة من تطور المجتمع يصبح من الممكن التحكم في الأحداث الإنسانية، ويعتقد كونت أن المدنية الأوروبية قد وصلت بالفعل إلى المرحلة الوضعية من التحكم في الظروف الطبيعية، وهكذا يتمسك كونت بأن التطور التاريخي أدى إلى تحرير العقل البشري وبلوغه رشده بأن كف عن الاهتمام بعلل الأشياء وماهياتها، فتحل الملاحظة محل الخيال ويأخذ القانون مكان العلة، ويصبح موضوع العلم الإنساني هو الإجابة على السؤال: «كيف؟» لا عن السؤال: «لماذا؟». أي أن المعرفة العلمية يجب أن تستمد من الواقع وتقوم على التجربة.

وحرصا على تركيز الحديث – عزيزي القارئ- سأكشف لك عن خطتي في محاولة الإجابة عن السؤال الذي هو عنوان المقال، لأثبت لك أن الرسالة المحمدية تكفلت بنقل البشرية إلى ما ذكره «كونت» وليست المدنية الغربية هي من صنعت ذلك.

فالحقيقة أن ما توصل له كونت لم يكن من كيسه، فقد سبقه «الحسن بن الهيثم» بقرون، في تأسيس المنهج التجريبي للعلم، ومن مقال للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز في مجلة نيويورك تايمز‏، يقول باورز: إن منهج «الحسن بن الهيثم» في القرن العاشر الميلادي كما سجله في كتابه (المناظر) يمثل الفكرة الأعظم في تاريخ العلم حتي عصرنا هذا‏. وربما لم يكن ابن الهيثم وحده من فعل ذلك، بل فعله آخرون من أعلام الحضارة الإسلامية وعلمائها، وأقر سارتون أن الغرب ركب قطار الحضارة الحديثة لكنه انطلق من محطة «العرب والمسلمين»، فيقول المؤرخ المشهور «جورج سارتون»: «عندما أصبح الغرب مستعدًا استعدادًا كافيًا للشعور بالحاجة إلى معرفة أعمق، وعندما أراد في آخر الأمر أن يجدد صلاته بالفكر القديم، التفت أول ما التفت -لا إلى المصادر الإغريقية – ولكن إلى المصادر العربية». وأكد ذلك أيضا «جوستاف لوبون» في كتابه (حضارة العرب) وبين أن الغرب ظلوا ستة قرون ينظرون للعالم العربي والإسلامي بعين التلميذ الناظر بهيبة واحترام لأستاذه.

وفي القرن الثاني عشر الميلادي تألق نجم «ابن رشد» في سماء العالم، كرافع للواء العقلانية، ومنهج ابن رشد لم يكن مألوفًا بالنسبة للأوروبيين في بادئ الأمر، لكن مكانة هذا الفيلسوف باعتباره أعظم شراح أرسطو جعلت طلاب المعرفة يهفون إليه، وهناك دراسات كثيرة أثبتت أثر فلفسة ابن رشد الواضح في كثير من فلاسفة الغرب. وهناك مفكر آخر عظيم المكانة وهو «الإمام الغزالي» الذي ظهر تأثر «ديكارت» بكتبه، بل ربما بترجمة نصوص كاملة من كتاب «المنقذ من الضلال» للغزالي في مقالته «في المنهج».

إذًا مما لا شك فيه أن علماء المسلمين من المشارقة والمغاربة هم من أيقظوا أوروبا من غفوتها أو على الأقل أعطوهم المفاتيح وأشعلوا لهم المصابيح، وشاء العلي القدير – برغم من عنصرية الكثيرين من مفكري ومؤرخي الغرب – أن يستنطق بعض جهابزتهم ليقروا بفضل العرب والمسلمين على الغرب، والشهادات كثيرة جدا، ولسنا بصدد الإسهاب في الحديث عنها.

نرجع للوراء قليلًا أو كثيرًا، لزمان هارون الرشيد وابنه «المأمون»، وقال كثير من المؤرخين: «إن جميع النهضات العلمية العربية إنما هي فروع للأصل الذي أنبته المأمون، وأن ما جرى في عهده من ترجمات للتراث اليوناني يُعتَبَر مضرب الأمثال».

نعم، في القرن الثامن الميلادي تقريبا بدأت النهضة العلمية الكبرى بأكبر حركة ترجمة عرفتها البشرية، والتي أحيت تراث البشرية اليوناني والروماني والفارسي والهندي وغيرهم، والمثير للدهشة أن المأمون لما طلب هذه الكتب بغرض ترجمتها، لم يكن يشعر وقتها العقل الغربي بقيمة هذا التراث، ولم تكن حسنة المسلمين في الترجمة فحسب، بل قام العلماء المسلمون في القرون المتتابعة بالنقد والإضافة والابتكار.

وبمجهود ذهني يسير نستطيع أن نقر بأن عصر النهضة الأوروبية الذي كان في القترة ما بين القرن الرابع عشر والقرن السابع عشر- والذي اعتمد بشكل رئيس على إحياء التراث اليوناني والذي قدمه لهم المسلمون على طبق من ذهب – قد تمت ولادته الحقيقية في عهد «المأمون» في القرن الثامن الميلادي.

وتلك النهضة العربية والإسلامية كانت ثمرة «الإسلام» ومعجزته الخالدة «القرآن الكريم» الذي جاء مغايرا بصورة كبيرة للكتب المقدسة السابقة في دعوته المباشرة لإعمال العقل والفكر، ورفع قيمة العلم والعلماء، والحث على المعرفة وأدواتها من قراءة وكتابة ونحو ذلك. وباستخدام أي برنامج للبحث عن مفردات واشتقاقات لـ(علم) و(عقل) و(فكر)، سنجد عددًا كبيرًا من الآيات يحفل بهذه المضامين والمفردات والمعاني في سياقات مختلفة.

ولم تكن دعوة محمد عليه الصلاة والسلام، مصحوبة بالمعجزات الخارقة كعصا موسى وعفاريت سليمان وإحياء الموتى عند المسيح عليهم السلام جميعا، ولكن معجزته كانت كتابًا وفكرًا ودعوة لتحرير العقل ونزع قيود العبودية وإنقاذ الإنسانية من الجهل والخرافات، وللمساواة بين البشر ولتكريم المرأة، ولاحترام أفراد المجتمع كله بفقرائه وأيتامه وأرامله وشيوخه ومرضاه، وجاءت دعوة الإسلام بكل حسنات الرأسمالية والليبرالية الحديثة بدون مساوئها، وبحسنات الاشتراكية بدون مساوئها، فكانت وسطًا في كل شيء، منفتحة على العالم، رحمة للعالمين.

وجاءت النزعة الإنسانية التي تشكلت في القرن السادس عشر، لتتخلص من قيود الكنيسة ورجال الدين، وتجعل الإنسان مركزًا للكون، وفي الحقيقة هناك تشابه ما في ما ذهب إليه الإنسانيون هؤلاء وبين ما جاء به الإسلام من ناحية الاعتراف بطبيعة الإنسان المكرم الذي يخطئ ويصيب، لكن الحضارة الغربية حرّفت هذا المعين الصافي المحمدي المرتبط بالسماء، وتركت أهواء مفكريها وفلاسفتها يطلقون لأنفسهم العنان، لدرجة أن الإنسانية تجسدت في ضدها من حيث الممارسة، فجاءت الحركات الاستعمارية الدموية واجتثاث الشعوب والثقافات لإقامة مدن جديدة على أشلاء مواطنيها الحقيقيين.

وبعد هذه الجولة في تاريخ البشرية يمكننا أن نستنتج أن الرسالة المحمدية كانت إعلانا لأمرين، الأول: وصول البشرية لرشدها وضرورة استخدام العقل والعلم في ظل الوحي المحفوظ. والثاني: اقتراب نهاية العالم، مقارنة بما مضى.

ويشير القرآن إلى أن «الإنسان» سيصل إلى تقدم كبير سيفتن به الكثيرون وعندها ستبدأ النهاية. وقد تكون هناك ما يشبه «بروفات» متتابعة عبر حضارات وعصور وقرون، لمشهد النهاية الختامي، ليتفكر الإنسان ويعرف ما له وما عليه وألا يتجاوز حده فيطغى، قال تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى R أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى». وعندما يعتقد الإنسان أنه سيطر بعقله على الأرض ويسوقه الغرور لدرجة أن يعتقد بأنه إله، فينسى من خلقه وسواه، يأتيه يوم لا مرد له من الله، قال تعالى:

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل