المحتوى الرئيسى

نحن نحب الشوكولا إذا ما استطعنا إليها سبيلاً

08/04 09:42

عندما كنت في التاسعة من عمري شاهدت فيلمًا لن أنساه ما حييت. 

كان هذا الفيلم عن "كارين".. فتاة في عمر المراهقة، أعطتها والدتها مالاً لتشتري حذاءً أسود جديدًا لترتديه في قداس الكنيسة، ولكنها رأت حذاءً لونه مثل لون الفراولة الطازجة، يشبه أحذية الرقص. اشترته كارين، اشترته بكل ما تملك من مال، عندما عادت كارين بالحذاء للمنزل خبّأته بعيدًا عن عين والدتها حتى لا تجبرها على استبداله بحذاء أسود.

في صباح يوم الأحد وضعت "كارين" حذاءها ذا اللون الأحمر وذهبت واثقة إلى القداس، بدأ الجميع بالتحديق مستنكرين؛ كيف ترتدي حذاءً أحمر في الكنيسة؟! أمرتها والدتها أن تعود إلى المنزل وتخلع هذا الحذاء اللعين، رفضت كارين في البداية، ولكن مع ارتفاع صيحات الغضب من الجميع رضخت. حاولت كارين خلع الحذاء، عندها بدأ الحذاء بالرقص، ظلت ترقص وترقص وسط غضب الجميع، أمرتها والدتها أن تتوقف، ولكن لم يكن بيدها حيلة، حاولت والدة كارين إيقافها دون جدوى. حمل الحذاء كارين بعيدًا هاربًا في خطوات راقصة سريعة، بدأ جميع الحضور مطاردة "كارين" في محاولة لمساعدة والدتها، ولكن لم يستطع أي من الموجودين مجاراة الحذاء. 

ظلت "كارين" ترقص وترقص، ليل نهار، مسافرة من مدينة إلى مدينة دون توقف، حتى أصابها الإعياء. تشبثت بمزارع طيب في إحدى القرى البعيدة.. طلبت منه أن يساعدها في خلع الحذاء.. لم تمل "كارين" الرقص أو الحذاء الأحمر، ولكنها ملت مطاردة الجميع لها ونظرات الغضب. أمسك المزارع قدميها بقوة محاولاً خلع الحذاء، ولكنه وقف أمام تشبث الحذاء بها عاجزًا، نظرت "كارين" إلى فأس المزارع متوسلة، رفض في بداية الأمر، ولكن أمام توسلاتها وبكائها استعمل فأسه على قدميها، حمل الحذاء قدميها مبتعدًا في خطوات راقصة، عاشت "كارين" ما تبقى من عمرها عاجزة وحيدة.

ظللت أفكر وأفكر في أمر هذا الحذاء.. لماذا غضب الجميع في القداس من لونه؟ كان لونه هو الشيء المبهج الوحيد في هذه القرية.. لماذا تشبث هذا الحذاء بـ"كارين"؟ ولماذا أراد الجميع أن تتوقف "كارين" عن الرقص؟ ولكن أشد ما شغل تفكيري هو أين ذهب هذا الحذاء؟ 

عشرة أعوام مرت وأنا أبحث عنه.. حتى شاهدت فيلم شوكولا.

سيدة شابة جميلة وطفلتها التي تشبهها كثيرًا، ترتديا وشاحًا أحمر اللون، تصلان قرية صغيرة وقت قداس الصلاة، وتصل معهما ريحًا باردة طيبة يشعر بها جميع الموجودين في القداس. تستأجر متجرًا وتبدأ في تجهيزه في سرية تامة، وسط فضول من سكان القرية. يأتي يوم تعليق لافتة المتجر.. محل يبيع الشوكولاتة والصيام الكبير لم ينتهِ بعد.

يذهب عمدة المدينة المتشدد مرحبًا بالزائرة الجديدة، رافضًا قطعة الشوكولاتة التي عرضتها عليه لتذوقها، طالبًا منها حضور قداس الأحد القادم، ولكنها تخبره أنها لا تذهب إلى القداس. يشعر العمدة أنها خطر على المدينة، يعتبرها عدوة يجب إيقافها.

يبدأ بعض سكان القرية (ممن يبحثون عن طعم جديد للحياة التقليدية التي يحيونها طبقًا لقواعد القرية الصغيرة) التوافد على محل الشوكولاتة. بلعبة صغيرة تستطيع أن تحدد الشوكولاتة المفضلة لكل فرد من زوارها.. تطلب منهم تذوقها فقط، وما أن يتذوقوها حتى يقعوا في الفخ ولا يستطيعون التوقف عن طلبها مرات ومرات.. فالشوكولاتة تصنع منهم أناسًا جديدين.. فتلك السيدة تهجر أخيرًا زوجها الذي اعتاد أن يضربها ويسيء معاملتها، وذلك الرجل العجوز يخبر السيدة التي أحبها في صمت لخمسة عشر عامًا أنه لطالما حلم بها.. أما هذان الزوجان فتتحسن علاقتهما الحميمية التي توقفت لأعوام عند تناول أول قطعة شوكولا.

يشعر العمدة أنه يفقد السيطرة على مدينته الصغيرة.. يجبر القسيس الصغير السن الحديث العهد بالقرية، على إلقاء كلمة في القداس مفادها أن تلك المرأة ما هي إلا مساعدة للشيطان؛ يتنحى الجميع عن المتجر. 

تعود ابنتها الصغيرة ركضًا إلى المنزل حزينة تطلب منها إجابات:

- هل أنت تساعدين الشيطان؟ (تسألها ابنتها).

- من الصعب أن يكون الإنسان مختلفًا. (تجيب).

- لماذا لا تذهبين إلى القداس مثل الجميع؟

- فلنذهب إن كنتِ تريدين ذلك.

- لماذا لا ترتدين حذاءً أسود مثل باقي الأمهات؟

أنظر إلى قدمها سريعًا.. يا إلهي! إنها ترتدي الحذاء الأحمر الذي طالما بحثت عنه.. أشعر بقلبي يخفق بشدة.. هل هي من عثرت على حذاء "كارين"، أم أنها هي الساحرة التي ألقت عليه تعويذة الرقص؟ 

ظلت عيني تتبع قدميها حتى نهاية الفيلم. أبدًا لم تخلع حذاءها الأحمر.. حتى عندما كانت تفكر في الهروب من القرية.

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل