المحتوى الرئيسى

تفتيت الدولة الوطنية... لماذا ولصالح من؟ | المصري اليوم

08/04 01:38

كان من الطبيعى أن تسقط الدولة العثمانية بعد ستة قرون من الحكم. تحولت فيها إلى إمبراطورية واسعة غربا فى أوروبا وشرقا فى آسيا وجنوبا فى أفريقيا. قوميات وطوائف متعددة. وكانت تعتمد على السلاح وحده. فانتهت دورتها كما انتهت دورات كثير من الإمبراطوريات القديمة اليونانية والرومانية والعربية قديما، والقيصرية والنمساوية والمجرية والبريطانية والفرنسية والأمريكية حديثا. ثم رسمت سيكس- بيكو على الخرائط، وليس على الأرض، الدول العربية من ممتلكات الرجل المريض دون مراعاة للحدود الطبيعية للقبائل فقسمتها الاتفاقية بين دولتين مثل أولاد على بين مصر وليبيا، وواحة تندوف بين المغرب والجزائر، وواحة البريمى بين الإمارات وسلطنة عمان، ووادى الحمة بين فلسطين ولبنان، وحلايب وشلاتين بين مصر والسودان، ومثلث العوجة بين مصر وفلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلى بقصد التفرقة بينهما، وصعوبة الوحدة بين كل شقيقتين متنازعتين.

ثم تم احتلال معظم الدول العربية من القوى الغربية فى ذلك الوقت. احتلت فرنسا المغرب العربى كله، المغرب والجزائر وتونس، والشام الكبير، سوريا ولبنان، بالإضافة إلى عديد من الدول الأفريقية. واحتلت إنجلترا مصر واليمن والعراق وفلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلى بالإضافة إلى عديد من الدول الأفريقية والأسيوية. واحتلت إيطاليا ما تبقى من الكعكة الكبيرة، ليبيا والصومال. ثم قامت حركات الاستقلال الوطنى بالمقاومة المسلحة أو السلمية وكان آخرها استقلال الجزائر. ودفع العرب من دم الشهداء الكثير. وظهر الزعماء الوطنيون فى هذه المرحلة مثل بن بللا فى الجزائر. وفى دائرة إسلامية أوسع محمد على جناح فى باكستان، وسيكوتورى بغينيا، ونكروما بغانا. وناصر فى مصر، وغاندى فى الهند. ومازال العرب يحنون إلى هذه الفترة فى الستينيات. وكان النظام السياسى يقوم على الثقة بهؤلاء الزعماء الأبطال الوطنيين الذين حرروا بلادهم من الاستعمار. ونالت البلاد الاستقلال التام على أيديهم تحت شعار «الاستقلال التام أو الموت الزؤام». ودفعت الجزائر وحدها المليون شهيدا. كان الحكم لأهل الثقة دون أهل الخبرة. يكفى منظر جنازة ناصر والملايين تودعه إلى مثواه الأخير. همشت المؤسسات الدستورية مثل مجالس النواب والأحزاب السياسية بل والدستور. وغابت المعارضة السياسية أو وضعت فى السجون، وغاب الإعلام المستقل. وأصبحت وظيفته تبرير نظام الحكم. وهذا هو الوجه الآخر القبيح للستينيات بالرغم من الوجه الحسن، الاشتراكية، القطاع العام، حقوق العمال، التصنيع، الإسكان الشعبى، تذويب الفوارق بين الطبقات، مجانية التعليم، الحياد الإيجابى، العالم الثالث، التضامن الأسيوى الأفريقى الأمريكى اللاتينى.

وللأسف وبعد الستينيات تغلب الوجه القبيح على الوجه الحسن. وتحول الحكم إلى حكم بالشلل وأصحاب المصالح وفيما بعد رجال الأعمال والمصالح الخاصة. ثم تحول الحكم بالثقة إلى حكم استبدادى يغطى الفساد الأعظم، وتحويل الدولة إلى قطاع خاص، والوظيفة إلى ملكوت خاص يفعل فيه المسؤول ما يشاء. وما إن شعرت الدول بالضعف حتى اختارت التحالف مع القوى الكبرى غربا وشرقا. تساندها ليس فقط بمخططات التنمية ولكن أيضا بالدفاع عنها وتزويدها بالسلاح مما يعطيها المبرر لإقامة قواعد عسكرية أجنبية على أرض البلاد خاصة السعودية وقطر. وأخيرا التحالف مع إسرائيل بحجة السلام وهى مازالت تحتل الأراضى العربية. لقد احتلت نصف فلسطين فى 1948 والنصف الآخر فى 1967 بالإضافة إلى الجولان فى سوريا وجعل سيناء منزوعة السلاح. وقامت الثورة الإسلامية فى إيران فعاداها العرب خوفا من أن تمتد شرارة الثورة غربا خاصة بعد اضطهاد الحركات الإسلامية، وتعذيب من ينتسب إليها منذ الثورات العسكرية فى الخمسينيات والستينيات التى قام بها الضباط الأحرار خوفا من منافستهم فى السلطة حتى الآن. وكان عبدالناصر يمد المجاهدين بالسلاح ويؤيد الإمام الخمينى لأن الشاه كان فى حلف مع أمريكا. وعادوا تركيا وهى الحليف الطبيعى والجار القادر على حماية الجار نظرا لدخولها حلف شمال الأطلنطى، واعترافها بإسرائيل. وقد تغير الأمر الآن. ابتعدت تركيا عن الغرب وإسرائيل. واتجهت نحو امتدادها الطبيعى نحو الشرق والتى يمثلها نظام الحكم التركى الآن. ولكن العرب مازالوا يصدون الأبواب بعد أن هاجر إليها أعضاء الحركات الإسلامية فى الداخل خوفا من الاعتقال وحركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس بعد أن أعلنت القاهرة أنها منظمة إرهابية. وابتعدت الدول الوطنية عن الدائرة الإسلامية الأوسع فى حين يعتبر أحدها مثل ماليزيا نموذجا للتنمية والاستقلال الوطنى. وباكستان تمتلك السلاح النووى وهو ما تحاوله إيران الآن فى مواجهة السلاح النووى الإسرائيلى.

وقد فشلت تجارب الوحدة بين الأوطان العربية منذ الوحدة المصرية السورية 1958-1961 باسم القومية العربية. وفشلت تجارب أخرى للوحدة ولو صورية بين مصر وسوريا والعراق واليمن أو بين مصر وليبيا. فعوامل الفرقة أشد وقعا وتأثيرا على الواقع السياسى. ويشتد الصراع بين الدول العربية باسم صراع المذاهب بين الاشتراكية والرأسمالية. ولما انتهى الصراع الأيديولوجى فى التسعينيات ظهر صراع الطوائف بين شيعة وسنة فى العراق، وزيديين وشوافع فى اليمن. كما ظهر الصراع بين الأعراق فى العراق بين عرب وأكراد أو حتى بين قبائل وعائلات كما هو الحال فى ليبيا، وفى الطريق أقباط ومسلمون فى الأفق فى مصر. وانفصل جنوب السودان عن شماله كما انفصل السودان كله عن مصر فى أوائل ثورة الضباط الأحرار فى الخمسينيات. ولم تنجح تجارب الوحدة أو تجنب الانفصال إلا فى دولة الإمارات العربية المتحدة على الخليج مع خوفها من التدخل الإيرانى كما حدث فى العراق وسوريا واليمن.

ونظرا لاضطهاد جماعات الإسلام السياسى خاصة فى مصر وتونس ممثلا فى جماعة الإخوان المسلمين وحزب النهضة. فقد بدأ فى الظهور كبديل للدولة الوطنية خاصة فى حركات الخلافة، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة مستعملة أقصى درجات العنف المسلح ومعتمدة على كتب الفقه القديم الذى مازال يُروى فى المساجد عن أحكام الكفر والردة والرق والسبايا. وهى الآن الشوكة الدائمة فى جسد الدولة الوطنية. يؤيدها الغرب لتخلفها وإعطاء صورة بربرية عن الإسلام. وتؤيدها إسرائيل لأنها تعطى الأولوية للقضاء على كل نظم الكفر بالسلاح. فالدول الوطنية هى التى جاهدت وحاربت إسرائيل دفاعا عن فلسطين قدر الإمكان، لا فرق بين الهزيمة والنصر. ويصل طموحها أحيانا لتقويض النظم الغربية ذاتها بكمية التفجيرات فى باريس ولندن وبروكسل ومذبحة أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية. ومازالت هى البديل القائم نظرا لضعف الليبراليين وكل جبهات اليسار وتنظيمات المجتمع المدنى. وإذا كانت هى حتى الآن شرا لابد منه فى العراق وسوريا وليبيا والبقية تأتى فإن أفضل وسيلة للقضاء عليها هو التخلص من الفقه الذى تعتمد عليه، فقه القتل والأنفال.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل