المحتوى الرئيسى

الإرهاب فوبيا المجتمعات والعدو الأول لتقدم الإنسان

08/03 21:04

بعيداً عن أحاديث السياسة…، مصلحة بعض الدول أو مُساهمة أخرى في تفشي ظاهرة التقتيل والتفجير في كل مكان، يبقى الإرهاب أخطر عدو للإنسانية على حد سواء في وقتنا الحالي، لا يمكن لبشر أن لا يتفاعل عاطفياً، فيتألم وينفعل لو قليلاً لما يشاهده من صور العنف غير المبرر ضد أبرياء، ضحايا كُثر لعمليات يقوم بها أفراد هنا وهناك يحملون رسالة ذات وجهين للعالم، أبطال في عيون البعض، إرهابيون وأعداء في عيون الأغلبية، نستطيع التفنن في إدانتهم، شجب عملياتهم اللاإنسانية ووصفهم بأفظع النعوت ولكن ذلك لن يغير من حقيقة أنهم لم يولدوا حاملين لجينات إرهابية ! أو أنهم طفرات اجتماعية بخصائص معينة!

ومن المستحيل كذلك أن نبرر الإرهاب ونضفي عليه أي نوع من الشرعية مهما كان نوعها، فهو يفتقر لأبسط الأخلاقيات ونتائجه مدمرة على أبعد مدى، فبعد أن تطرق سابقاً لأولى المقاربات السيكولوجية في فهم شخصية الإرهابي، يأتي هذا الجزء الثاني من مقال “الإرهاب فوبيا المجتمعات والعدو الأول لتقدم الإنسان”ليسلط الضوء على باقي الأبعاد النفسية والأنتروبولوجية لهذه الظاهرة المتفشية كالنار في الهشيم ويقدم نظرة تحليلية مختلفة في الموضوع.

تسعة وأربعون لقوا حتفهم الأحد الماضي وجُرح 53 شخصاً على يد مواطن أمريكي من أصل أفغاني، صُنف الحادث على أنه فعل إرهابي ينم عن الكراهية، وقام مُعتد آخر بعد ذلك بيومين بالضواحي الباريسية في فرنسا هذه المرة بطعن زوجين يعملان في سلك الشرطة ونشر فيديو من داخل منزلهم عبر الفاسبوك، هجمات أخرى متفرقة وغير منظمة تحدث بشكل يومي تقريباً تاركة أعداد من الأبرياء في العراق، سوريا، أفغانستان ومناطق ساخنة أخرى، فتتقلص يوما بعد يوم مستويات الأمن والاستقرار وتترسخ ثقافة العنف والانتقام.

كل هذا يدفعنا إلى أن نتساءل عن الطبيعة الحقيقية لهذا الوحش الذي بتنا نرى منه أوجهاً مختلفة كل يوم، وقد سبقنا إلى هذا مجموعة كبيرة من الأكاديميين والمحللين المختصين خاصة بعد أحداث سبتمر2011 بأمريكا، وعلى ما يبدو أن الإرهاب أصبح من أكثر المفاهيم المعاصرة القابلة للحشو الإيديولوجي والمثيرة للجدل، فبالرغم من محاولات هؤلاء فك أحجياته، ومع تطور الوسائل المستعملة لتجنيد أعداد كبيرة من الأفراد والمجموعات لتنفيذ استراتيجيات الإرهاب بشكل مستقل، لم يستطع أحدهم لحدود الساعة من وضعه تحت مظلة تحليلية صلبة واحدة تمكننا من البدء في العمل على ترياق دولي موحد لمواجهته بشجاعة وعكس آثاره التي تنخر جوهر المجتمعات الإنسانية.

استُعمِل مصطلح الإرهاب لأول مرة إبان الثورة الفرنسية لوصف المواقف السياسية الراديكالية العنيفة لما عُرف آنذاك بنادي اليعاقبة، وأُثير مرة أخرى من قبل بعض المفكرين الماركسيين بعد الثورة الروسية أو ما يسمى بأكتوبر الأحمر، وشاع استعماله أيضا بعد الحرب الباردة. ويُعرّف الإرهاب على أوسع نطاق بكونه؛

بينما يذهب البروفيسور الأسترالي والباحث في الفلسفة السياسية والتطبيقية توني كودي، إلى تعريفه ككل استعمال مُنظم للعنف للاعتداء على أبرياء أو ممتلكاتهم من أجل أغراض سياسية. وارتأت إدارة الولايات المتحدة سنة 1998 تحديده في أعمال العنف المتعمدة التي ترتكبها مجموعات أجنبية أو عملاء سريين ضد أهداف غير مقاتلة بهدف التأثير عادة على جمهور، رغم أن ما يُنظر له كعمل إرهابي في أمريكا قد يعد كعمل بطولي أو كفاح من أجل الحرية في مكان آخر.

وهنا تكمن إشكالية الإرهاب برمتها، فإذا كان العنف هو السمة التي تميزه، فماذا إذن عن استعمال العنف كتكتيك لبث الرعب بين مواطنين وإخضاعهم من قبل الدولة أو الأنظمة السياسية؟ بالتأكيد لا يمكن أن نستثني هذا من منظومة الإرهاب، ولا يمكن أن يحظى بإدانة وشجب أقل، لا يجب أبداً التعاطف مع أي نوع من الممارسات العنيفة الصادمة وغير القانونية ضد مدنيين أبرياء بما فيهم الأهداف الرمزية مثل أفراد الأمن في حالة سلمية، لخدمة حاجة نفسية إلى لفت الانتباه لقضية سياسية أو دينية أو تخويف وإرغام جهة حكومية لقبول مطالب معينة.

الدافع ونقطة الضعف هما من أبرز العوامل النفسية التي يجب اعتبارها عند محاولة فهمنا لماذا وكيف يستطيع شخص عادي في بيئة معينة أن يتحول فجأة أو يدخل في سلسلة أحداث تجعل منه إرهابياً في الأخير. إذا أردنا أن نعطي تعريفاً مُقتضباً للعامل الأول فسيكون كالآتي؛ عاطفة، رغبة، أو حاجة فسيولوجية، التي تساهم في تحريض الفعل، ويفترض بعض علماء التحليل النفسي هنا أن أهم الدوافع تكون من بين الفئات الأربع التالية؛

أما نقطة الضعف، فيُقصد بها القابلية واحتمالية الخضوع للإغراء والذعن للإقناع،ويؤكد خبراء علم الجريمة والمحللون أنه لا يجب الخلط بين شخصية الإرهابي الحقيقية ونقاط ضعفه، إذ أنها تبقى فقط مؤهلات أكثر من غيرها تزيد من احتمال الانخراط في أعمال إرهابية. وهناك أمر آخر يجب أن أُثيره قبل أن أتطرق للحديث عن هذه الأبعاد السيكولوجية.

من المهم جداً أن نتذكر أن هناك الكثير بيننا من يتعاطفون مع ما قد يسمى في مكان آخر عملية إرهابية، وهم بالتالي في رأي يتشاركون نفس المؤهلات النفسية والبيئية مع من نعتبرهم إرهابيين، وهم أيضاً يشكلون مرشحين ذوي تأهيل عالي للاستجابة مع الطرق الجديدة التي أصبحت تنهجها التنظيمات لتجنيد أتباعها في العالم، وكمثال على ذلك، الإعلان بين الفينة والأخرى عن لائحة قتل في بلد معين، تحتوي أسماء وعناوين مواطنين أبرياء مستهدفين في استراتيجية تقتيل، هذا ما حدث في كندا قبل بضعة أيام وقبلها في نيويورك وهو قابل للحدوث في أي بلد.

بينما يبقى الهدف الأول هو نشر الذعر بين مدنيين مسالمين وتضخيم الصورة العامة في وسائل الإعلام وما إلى ذلك، هذا النوع من التنظيمات وأي استعمال للرعب والتخويف من طرف جماعة أو كيان سياسي هو يتغذى أساساً على نقط الضعف والدافع المشار إليهما سابقاً لاستقطاب مرشحين محتملين لتنفيذ مخططاتهم دون ضرورة الاتصال بهم وتجنيدهم بشكل مُباشر، وينتهي الأمر بأن يتبنوا تلك العمليات التي هي بالنسبة لهم ولأتباعهم حرب على الإرهابيين الحقيقين !

ونرى هذا أيضا حين تنتهج قياد ة سياسية ما العنف والتقتيل بشتى الوسائل في صفوف مدنيين أبرياء لا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، بدعوى محاربة الإرهاب من أجل أمن واستقرار البلاد، أي الحرب من أجل السلام (الإخضاع) !، أما الأعداد المهولة للقتلى فهم أضرار جانبية لابد منها، وهو ما سيقودنا إلى البعد النفسي التالي لشخصية الإرهابي والتي يمكن تطبيقها على الأفراد كما الجماعات أو الأنظمة الحاكمة.

حاولت العدد من النظريات التحليلية منذ بداية السبعينات ربط ظاهرة الإرهاب بالنرجسية المرضية، وهي المبالغة في تعظيم الذات مقابل الحط من ذوات الآخرين، باعتبار لفرضية أن سلوك المُعتدي له علاقة متجذرة بعيب في شخصيته وهو ما ينتج عنه شعور مُتضرر بذاته، حيث يقول ريتشارد بيرلشتاين؛ مختص في العلوم السياسية بأن مفهوم النرجسية هو الأكثر احتمالاً والنظرية المُرضية فكرياً فيما يخص المنطق الشخصي للإرهاب السياسي.

«إذا لم أكن مثالياً، فأنا على الأقل مرتبط بشيء مثالي »، وهي نوعية تفكير نمطية لدى الأشخاص بأعراض النرجسية المرضية، وهم الأكثر انجذاباً لزعماء يتمتعون بشعبية، حيث الشعور المشترك بعظمة الذات هو ما يُبقي أفراد الجماعة مرتبطين بإيديولوجية واحدة.

الغضب النرجسي هو مفهوم آخر استعمله العلماء للإشارة إلى أن الإرهابيين بأعراض نرجسية قد عاشوا طفولة صادمة عاطفياً أو عانوا من الاعتداء الجسدي المزمن والإذلال النفسي ما خلق لديهم شعوراً عميقاً بالخوف وضعف الشخصية، فيكون القيام بأعمال إرهابية فُرصة لقتل شخصية الضحية فيهم واسترجاع ثقتهم من خلال تخفيض قيمة الآخر وغالباً على حساب حياة أخرى، وهذا ما يدعى بالنرجسية الخبيثة.

قد يكون الانتماء من أكثر الدوافع النفسية التي تعمل كحافز قوي يجعل من الأفراد الذين يشعرون بالتهميش داخل مجتمعاتهم بحاجة داخلية مُلحّة للانتماء لمجموعة تحتويهم وتوفر لهم نوع من الدفء والأمن من عالم مختلف وعدائي، من خلال فرض الهوية الفردية للزعيم أو القائد على الهوية الجماعية للتابعين أو المخلصين بالنسبة لهم، ويظهر هذا جلياً في حالات الأشخاص من ثقافة، دين وفكر مختلف عن الدولة الأجنبية التي يعيشون بها، خاصة عندما يعجزون عن إيجاد روابط مشتركة مع ثقافة البلد المضيف أو يعانون من العنصرية والرفض، ولكن هذه الفرضية لا تنطبق فقط على عدم التقبل من طرف مجتمع أجنبي بل من الأسرة نفسها والوطن الأم، وهو من وجهة نظر أخرى من تمظهرات أزمة الهوية.

و لوحظ عبر الدراسة للعديد من حالات الأفراد الراغبون في الالتحاق بمجموعات إرهابية أنه عادة ما يُقدمون على الابتعاد المعنوي التدريجي عن أسرهم، أصدقائهم ومعارفهم، حيث عناصر التضامن والتماسك ضمن هذه المجموعات تجذبهم بشكل كبير، وذهب بعض المحللين مؤخراً إلى افتراض أن هذا الحافز المعنوي والعطش لتعزيز شعور الهوية هو السبب الأساس في الرغبة بالالتحاق بجماعة ما بغض النظر عن الإيديولوجية التي تروج لها.

يقول محمد كمال؛ دكتور الفلسفة بمعهد الدراسات الإسلامية بجامعة ملبورن: » الإرهاب ليس هو النضال من أجل التقدم، بل هو أنسب الأفعال لتحويل الكائن الآخر عبر تدميره »

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل