المحتوى الرئيسى

صديق لبوتين والأسد: بأي ثمن ستنجو دمشق ؟

08/03 14:04

كل مرة تقريباً، كانت قاعة البرلمان الأوروبي تضجّ بالشغب، الصراخ المستهجن، الضرب على الطاولات، الوجوه المتبرّمة مع ابتسامات استهزاء. كان ذلك يحدث بعد الجملة الأولى مباشرة. من الصعب مقاومة الفضول للبحث عنه، لرؤية من هو. الرجل مثيرٌ للفضول بالفعل، وكلامه المتفرّد جدير بإثارة تلك الموجة من ردود الفعل العالية. كان يكفي فقط أن يرفع البطاقة الزرقاء المُطالِبة بالكلام، ينطلق بلازمته الافتتاحية الدائمة لهذا الموضوع: «فخامته السيد الرئيس بشار الأسد…»!

إنه السيد «جي كي إم». هكذا يُشار إليه في بلاده بولندا، اختصاراً للأحرف الأولى من اسمه «جانوش كورين ـ ميكيه». برلماني أوروبي يمثّل حزباً يمينياً شعبوياً، يقوده تحت مسمى «تحالف تجديد الجمهورية». إطلالته، مثل كلماته، فاقعة أيضاً. قامةٌ طويلة تزيد وضوحها بزّته الرسمية بدون ربطة عنق بل «بابيون» (فراشة) لا تفارقها، مع شارب عريض معقوف للأسفل، فوق رأسٍ نصف صلعاء يغطي الشيب نصفها الآخر.

لماذا الحوار مع «جي كي إم»؟ ولمَ لا! إذا كان دونالد ترامب بات نصفَ رئيس للولايات المتحدة الأميركية، مع كل أحاديثه العنصرية والمعادية للأجانب والخارجة عن كل لباقة، بعدما كان أمرُ ترشحه بمثابة مزحة ثقيلة. كورين ـ ميكيه يقدم أيضاً نموذجاً عن الأفكار الأصيلة لليمين المتطرف، الشعبوي، من غير تجميل سنراه لاحقاً لدى أحزابه حينما تصل إلى مستوى المنافسة على السلطة. اليمين ألوان، بينها تمايزات وحتى مشاحنات، لكن الجوهر يبقى واحداً.

التقته «السفير» على هامش جلسة برلمانية مؤخراً. لا بد من سؤاله: لماذا تلك اللازمة بالذات وما الهدف من تكرارها؟ يقول فوراً «لأن ما يجري في سوريا يجب أن يكون واضحاً: هناك المدافعون عنها، عن سوريا تعددية لكل طوائفها، وضدهم هناك مجموعة أحادية اللون. لذلك بالطبع أنا أدعم فخامته، السيد الرئيس بشار الأسد، ضد هؤلاء الإرهابيين. أنا أيضاً أدعم السيد بوتين الذي يدعم بدوره السيد الأسد».

حلفاء بوتين أصدقاء للأسد في أوروبا. هذه مسألة باتت واضحة للجميع، مع بقاء هامش مناورة ومواربة، ينقص او يزداد بحسب القرب من المنافسة على السلطة. نسبة كبيرة من زوار دمشق، خلال سنوات الأزمة والحرب، كانوا من سياسيي ونواب اليمين المتطرف، بمن فيهم محاورنا النائب البولندي. كانوا أول من طرق أبواب القصر الرئاسي في زمن العزلة المحكمة، قبل أن يبدأ سياسيون من أحزاب أخرى بالسير على تلك الطريق.

لكن العزلة لا تزال كبيرة مع بقاء نطاق الحظر واسعاً. نسأل محاورنا: هل تدرك صخب الردود حينما تتحدث عن فخامة السيد بوتين والأسد، فكل مرة هناك غالبية ساحقة تتصرف بانذهال في البرلمان الأوروبي؟

يجيب مبتسماً: «إنهم يكرهون السيد بوتين لأنه على صواب، سياسته صائبة، لأنه سياسي ينتمي إلى اليمين (يجب إضافة: الحقيقي!). الكثير من العسكريين ورجال (الاستخبارات الروسية) «كي جي بي» هم في الحقيقة ينتمون لليمين لا لليسار. العسكريون يكرهون اليساريين، (الديكتاتور التشيلي الشهير) الجنرال بينوشيه على سبيل المثال كان يمينياً. هتلر كان من اليسار لا اليمين، فقد كان وطنياً اشتراكياً، ولذلك أكرهه».

ليست تلك أكثر أفكار الرجل إثارةً للجدل. تعليقاته تحوّلت مادة خصبة للصحافة في بلاده. أبرزها تلك المعادية للديموقراطية التي يعتبرها «أغبى شكل للحكم يمكن تصوره على الإطلاق». مما يروى عنه أنه، في أحد جدالاته، عارضته سيدة تدافع عن النموذج الديموقراطي، فردّ عليها محاولاً الإفحام: يا سيدتي، لنفترض أننا ثلاثة، أنت وأنا ورجل آخر، فبالديموقراطية يمكننا أخذك إلى السرير رغماً عنك!

مقاومة الديموقراطية، حتى العداء أحياناً، سمة لأحزاب اليمين المتطرفة والشعبوية، أو تلك التي تتنافس لجذب قاعدتها الانتخابية الشديدة المحافظة. من يصل منها إلى السلطة أول ما يستهدف تغيير الدستور ولجم صلاحيات المحكمة الدستورية، كما يحصل في بولندا والمجر من قبلها. الأمر يأخذ أحياناً قناعاً آخر، تحت عنوان رفض «الديموقراطية الليبرالية». هذا حرفياً ما قاله الزعيم المجري فيكتور أوربان، رغم كونه يقود حزباً يفترض انه يمين وسطي، لكن اليمين المتطرف هو منافسه الأول في بلاده المحافظة إجمالاً.

أوربان عبّر علناً عن دعمه لنظام ديموقراطي موجّه، حرفياً «دولة غير ليبرالية»، معتبراً أن الأخيرة بمثابة ايديولوجية لا امتياز لديها بالتساوي مع غيرها من الايديولوجيات. بالنسبة له، يُمثّل نظام بوتين قدوة، كما يمتدح نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السائر على خطى بوتين، بشكل أو بآخر. المرشح الأميركي دونالد ترامب أيضاً يكاد ينطق بدعمه لبوتين، كما أنه بدوره أطلق مواقف كثيرة تُعبّر عن معاداته لقيم الليبرالية، خصوصاً حديثه عن تقييد التجارة الحرة والهجرة، بما في ذلك بناء جدار عازل مع المكسيك.

مُحاوِرُنا يُمثل تلك الأفكار، يقولها من دون مواربة أو تخفيف عيار. الارتباط ببوتين يقول إنه تحالف قناعات، مبادئ، لكن الأمر تجاوز ذلك مع أحزاب يمينية أخرى. كتبت الصحافة الأوروبية كثيراً حول دعم مالي من موسكو لبعض تلك الأحزاب، خصوصاً حزب مارين لوبن في فرنسا. تثار شبهات الآن حول دعم روسي للمرشح ترامب، بما في ذلك اختراق البريد الالكتروني للحزب الديموقراطي، بما يفضح تفضيله وعمله لمصلحة المرشحة هيلاري كلينتون على حساب غريمها بيرني ساندرز.

نسأل «جي كي إم»: كيف يمكنهم أن يقفوا في وجه هذا التيار الجارف في البرلمان الأوروبي، باعتباره يمثل الطبقة السياسية المهيمنة في أوروبا؟ جوابه على رأس لسانه: «90 في المئة من هؤلاء الأغبياء في البرلمان الأوروبي هم اشتراكيون (بما في ذلك أحزاب اليمين المحافظ التي تسمي ميولها تلك اجتماعية)، بالطبع كان من الأفضل لو أنهم أغبياء فقط على أن يكونوا اشتراكيين، لأن الغبي حينما يأخذ قراراً لا يفكر وتكون 50 في المئة من خياراته أمامها احتمال الصواب. أما الاشتراكيون فهم دائماً على خطأ، لذا من الأفضل أن يحكمك غبي على أن يحكمك اشتراكي».

على كل حال، مع كل الاحترام، هذا الجواب مليء بالإثارة، لكنه لا يجيب عن السؤال. الرجل له مسيرة في الحقل الأكاديمي الفلسفي كباحث، لذا تبقى سرديته، على تفريداتها، متماسكة السياق. هو أيضاً كاتب ومعلق سياسي. كان نائباً في أول برلمان بعد انفكاك بولندا عن الاتحاد السوفياتي. انتقل بين تلوينات اليمين، مشاركاً في تأسيس تيارات آخرها «مجلس اليمين الجديد»، قبل أن يؤسس حزبه الخاص. ترشح ثلاث مرات للرئاسة البولندية، ليحل رابعاً عام 2015، سنة تأسيسه حزبه، محصّلا 3.3 في المئة من الأصوات.

نعيد السؤال بطريقة أخرى: لكن، هل ترى مستقبلاً لهذا النوع من السياسيات التي تمثلها، بما أن الوزن السياسي الطاغي تمثله الأحزاب التقليدية في أوروبا؟ لا يقدر جانوش كورين – ميكيه إلا أن يقدم إجابات فاقعة: «لا أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيستمر أكثر من خمس سنوات، لأن فيه الكثير من الأغبياء الذين سيقودونه للإفلاس. كل الدول المحتلة من قبل الاتحاد الأوروبي غارقة الآن في الديون، والاحتلال الأوروبي هو الذي أوصلهم إلى هذه الحال».

لكن عفواً، هل قلت «احتلال»؟ هل تقصد عملية توسّع الاتحاد الأوروبي؟ يجيب بلا انفعال «الاتحاد الأوروبي يحتل بولندا وبريطانيا وألمانيا، وهكذا. تماماً كما كان الاتحاد السوفياتي يحتل روسيا وقرغيزستان ودولا أخرى. من يحدثونك عن أن الأمر خيار الإرادة الحرّة محتالون. الإرادة الحرة ليست مهمة هنا، المهم أن كل قطعة أرض تحتلها دولة ما. الدولة تحتل الأرض، وهنا نحن محتلون من قبل الاتحاد الأوروبي. الضرائب التي كانت مفروضة على بولندا من قبل أدولف هتلر هي أقل من المفروضة الآن من قبل الاتحاد الأوروبي».

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل