المحتوى الرئيسى

بيشوى القمص يكتب: الإخوان والعسكر.. قراءة في تاريخ الصراع- ج(20) | ساسة بوست

08/03 13:00

منذ 11 دقيقة، 3 أغسطس,2016

بعد نحو عشرين يومًا فقط من حركة يوليو 1952، بدأت أحداث كفر الدوار المأساوية، في العاشرة من مساء يوم الثلاثاء 12 أغسطس 1952 أضرب عمال مصنع شركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار الذي كان يرأسه حافظ عفيفي باشا رئيس الديوان الملكي السابق عن العمل، حينما قامت إدارة المصنع بنقل مجموعة من العمال من مصانع كفر الدوار إلى كوم حمادة بدون إبداء أسباب، مما أثار ثائرة العمال وأعلنوا إضرابهم عن العمل، وقاموا بوقفة احتجاجية لإعلان مطالبهم لحركة الجيش، منددين بحركة نقل العمال وتدهور سكن العمال، مطالبين بزيادة أجورهم وإجراء انتخابات نقابية حرة، وبسقوط محمد حسين الجمال مدير عام الشركة وابن عمه عزيز الجمال مدير عام النسيج، وبسقوط السكرتير العام للشركة حسين فهمي التركي الجنسية، فقد كان محمد حسين الجمال أحد الفاسدين الذين ثار ضدهم العمال من حاشية الملك، وقد منح رتبة الباكوية بعدما احتفل بفاروق في مبرة المحمودية احتفالًا خاصًا، حيث كلما وضع الملك قدمًا على السلم تظهر على مقدمة السلم صورة الملك وهي منيرة، وبعد أن عقد الجمال وليمة كبيرة قال له الملك «متشكرين يا محمد بك، وكلام الملوك لا يرد».

ظن العمال واهمين أنه بقيام ثورة يوليو قد أصبح الجو العام مناسبًا لتحقيق مطالبهم، ونيل حقوقهم.

بدأ الإضراب بانضمام مجموعتين من عمال الشركة إلى بعضهما وتجمعهما في فناء المصنع وهم يهتفون ضد إدارة الشركة، وكان عمال شركة «صباغي البيضاء» المجاورة لشركتهم قد لوحوا بالإضراب عن العمل، وقبل أن يبدؤوه بادرت إدارة الشركة بالتفاوض معهم واستجابت لمطالبهم، ولعل ذلك كان واحدًا من الأسباب المهمة التي دفعت عمال شركة مصر للإقدام على إضرابهم، ظنـًا منهم أن النتيجة سوف تكون مشابهة لما جرى مع زملائهم في الشركة المجاورة، أي أن الإدارة سوف تسارع بالتفاوض معهم وتلبي مطالبهم، لكن الأمور تطورت خلاف ذلك فقد استدعت إدارة الشركة قوات أمن كفر الدوار، وحاصرت مباني المصنع المتعددة، وأطلقت وابلًا من النيران لإخافة العمال وإرهابهم، وأطلقت النيران على العمال فسقط أحد العمال قتيلًا، فرد العمال في اليوم نفسه بعمل مسيرة لباب المصنع.

منذ أقل من ثلاثة أسابيع كان ضباط يوليو قد أعلنوا أنهم مع الشعب، وكان المنتظر أن يساندوا عمال كفر الدوار الذين هتفوا للضباط، والذين اعتصموا لتحقيق بعض المطالب الاقتصادية، وكانوا على درجة من التحضر فكتبوا على اللافتات «المصانع أمانة في أعناقنا، أرزاقنا في هذه المصانع فحافظوا عليها»، هذا التظاهر السلمي واجهه الضباط المنادون بالقضاء على سيطرة رأس المال بمحاصرة المصانع بالدبابات.

بالصدفة خرج مصطفى خميس، الذي كان يعمل أمين مخازن في مصنع الغزل والنسيج من مسكنه بكفر الدوار يبحث عن أي طعام يشتريه وفوجئ بالتظاهر، فاندمج معهم، وهتف باسم محمد نجيب، وباسم الثورة وطالب بحقوق العمال، فحمله بعضهم على أكتافهم، وأثناء المظاهرات أطلق عزيز الجمال النار على مصطفى خميس من شرفة مسكنه، فأصابه بخدش في جبهته، ومع ذلك أصر على ألا يتراجع، وأمام أبواب مصنع شركة الغزل والنسيج حاول مصطفى خميس منع جندي من إطلاق النار على المتظاهرين، فألقى القبض عليه عند بوابة رقم خمسة، وهي قريبة من سكن رئيس مجلس الإدارة، وتصاعدت الأحداث صباح اليوم التالي الأربعاء 13 أغسطس، واشتعلت المظاهرات في شوارع مدينة كفر الدوار كلها وداخل الشركة، بعد أن سرت إشاعة تقول إن اللواء محمد نجيب رئيسًا للجمهورية سيمر عند باب المصنع، وقام عمال المصنع ممن كانوا ما يزالون خارجه بمظاهرة ضخمة جابت شوارع كفر الدوار للمطالبة بإنهاء الحصار المفروض على زملائهم داخل المصنع والإفراج عمن تم اعتقالهم منهم، والمفارقة اللافتة للنظر أن المظاهرة كانت تهتف «يحيا القائد العام، تحيا حركة الجيش»، وعندما تأخر نجيب الذي لن يحضر بالطبع، خرج العمال لانتظاره عند مدخل المدينة، وفي طريقهم مرت مسيرة العمال على أحد نقاط الجيش وألقى العمال التحية على العساكر هاتفين الهتاف نفسه «تحيا حركة الجيش»، إلى أن وصلت مسيرة العمال لأحد الكباري، وعلى الجانب الآخر منه وقف الجنود المصريين شاهرين بنادقهم في وجه العمال ليمنعوهم من المرور، فانطلقت معركة بين الجنود المسلحين والعمال العزل استمرت لساعات، وانتهت المعركة والاعتصام بعد اعتقال 576 عاملًا، كان من بينهم طفل في العاشرة من عمره، ومقتل أربعة عمال، وجندي من الجيش يدعى سيد الجمل، وإصابة 50 من رجال الشرطة والعمال، بعد احتلال قوات الجيش لكفر الدوار، وانتشار الدبابات والعربات المصفحة في أنحاء المدينة وإحكام حصارها لمصانع الشركة، كان البكباشي جمال عبدالناصر وزيرًا للداخلية في ذلك الوقت حين شكل مجلس قيادة الثورة في مساء 13 أغسطس مجلسًا عسكريًا برئاسة البكباشي عبد المنعم أمين أحد الضباط الأحرار لمحاكمة العمال في فناء المصنع، الذين اتهموا بالقيام بأعمال التخريب والشغب والتحريض والمشاركة في الأحداث، ليفتتح بذلك صفحة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وطالب خميس والبقري بإحضار محامي للدفاع عنهما فلم يجدوا، ولاستكمال الشكل القانوني للمحكمة نظر القاضي للحضور وقال: «هل فيكم من محام؟»، وكان موسى صبري الصحفي الشهير حاضرًا وكان حاصلًا على إجازة الحقوق فاعتبروه محاميًا، وتقدم للدفاع عن المتهمين بكلمتين شكليتين أدانتهم أكثر مما دافعت عنهم، وهكذا مضت المحاكمة دون أدلة ولا دفاع ولا محاكمة، كانت محاكمة هزلية، وظل المتهمان البائسان يصرخان «يا عالم ياهوه، مش معقول كده، هاتوا لنا محامي على حسابنا حتى، داحنا هتفنا بحياة القائد العام، داحنا فرحنا بالحركة المباركة، مش معقول كده»، وبسرعة وبعد أربعة أيام فقط انتهت المحكمة من النظر في القضية، وفي يوم 16 أغسطس، وهناك في ساحة النادي الرياضي بالمدينة، تم إجبار1500 عامل بالقوة على الجلوس في دائرة كبيرة تحت حراسة مشددة من جنود الجيش شاهري السلاح، لتذاع فيهم الأحكام المرعبة من خلال مكبرات الصوت بحضور «جمال عبد الناصر»، و تقدم الصاغ «صلاح الدفراوي» من القيادة العامة لتلاوة الحكم بالإعدام شنقـًا على «مصطفى خميس» «20 سنة» و«محمد البقري» «35 سنة» الذي كان يعول خمسة أبناء وأمًا معدمة كانت تبيع الفجل لتشارك ولدها في إعالة أبنائه، فضلًا عن الحكم على 29 آخرين بالسجن لفترات تراوحت بين الـ15 سنة أشغال شاقة، والسنة الواحدة وسط ذهول الجميع، في محاكمة بدت أشبه بمحاكمة دنشواي بوصف كثير من المؤرخين والإفراج عن 538 عاملًا كان قد تم القبض عليهم خلال الأحداث، وكان المطلوب إعدام 29 عاملًا، لكن تم الاكتفاء بإعدام عاملين مصطفى خميس ومحمد البقري وحبس الباقيين، وفي 18 أغسطس 1952 صدق محمد نجيب على الحكم، وبات نافذًا متعللًا بضرورة ردع التمرد حتى لا يجرؤ أحد على تكرار ما حدث، رغم اقتناعه ببراءة الرجلين البائسين.

كانت المحاكمة إرهابًا لبقية العمال حتى يردعوهم ويخيفوهم.

عن هذا المشهد الذي يستدعى من بئر الأحزان أحداث دنشواي، كتب المؤرخ العمالي «طه سعد عثمان» قائلًا: «إن عاملًا من الذين حضروا إعلان الحكم مجبرين قال: إن ما تعرض له جميع الحاضرين من العمال من مهانة وإذلال وإرهاب كان أقسى مما يمكن أن يتعرض له أسرى الحرب في جيش مهزوم ومستسلم بدون قيد، مما جعل المنتصر يعاملهم أسوأ من معاملة العبيد»، وتحرك أهالي المحكوم عليهم بالإعدام، بعدما عجزوا عن أن يوكلوا محاميًا، وذهب وفد من البلدة إلى الرئيس محمد نجيب لطلب العفو عن المحكوم عليهم بالإعدام، فقال لهم: «ممكن، بس مصطفى يقول على اللي وراه ومين الذي دفعه لذلك»، وعلى ذلك استقبل نجيب مصطفى خميس لنصف ساعة، وطلب منه أن يعطيه أسماء محرضيه، بل دعاه إلى أن يتهم أمين ابن حافظ عفيفي باشا رئيس المصنع، وهم بذلك يريدون تصفية حسابات مع حافظ باشا عفيفي وابنه، فحافظ باشا أحد حاشية الملك، ولما جاءت الثورة سايرها وأصبح من أنصارها ومؤيديها، وكان المطلوب من مصطفى أن يقول إن ابن حافظ باشا هو من دفعني لذلك، لكن خميس اكتفي بالرد «لم أفعل شيئًا»، وذهب وفد من عائلة مصطفى خميس لملاقاة نجيب ودعوته للعفو عن ابنهم، ولكن القائد الثوري الرجل الطيب -بحسب تعبير أحد أفراد العائلة- رفض أي تنازل، ويقال إن هناك ثلاثة من مجلس قيادة الثورة اعترضوا على الحكم، وهم جمال عبد الناصر ويوسف صديق وخالد محيي الدين، لكن بعضهم الآخر أكد العكس تمامًا وقال إن ناصر هو الذي ضغط على نجيب للتصديق على الحكم، وقال لنجيب نصًا: «إن لم يتم الردع سيخرج كل عمال مصر، وهتطلع ثورة تانية جديدة»، وهناك رواية أخرى تقول إن مجلس قيادة الثورة اتخذ قراره بالإجماع كما أكد ذلك عبد اللطيف البغدادي في مذكراته، بل إن حسين الشافعي قال: «ما المانع من إعدام مليوني عامل لحماية الثورة؟»، وقال السادات يوم 14 أغسطس 1952 في نقابة المعلمين: «سأعلق المشانق في شبرا الخيمة على أبواب المصانع إذا حدث أي تحرك من العمال»، ونصح أستاذ القانون د. سليمان محمد الطماوي ضباط يوليو قائلًا: «لقد أعدمتم اثنين من العمال فسكت العمال جميعًا، ويحتاج الأمر إلى إعدام اثنين من الطلاب كي يصمت الجميع»، قبل أن يتولى عمادة كلية الحقوق جامعة عين شمس بعدها بوقت قصير.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل