المحتوى الرئيسى

حروب الإعلام الحديثة.. "سلاح خفي" يخترق مصر

08/03 12:53

تحوَّلت الحروب التقليدية فى الآونة الأخيرة واتخذت شكلاً آخر غير معهود، وتردد كثيراً مصطلح جديد فى وسائل الإعلام أطلق عليه اسم حروب الجيل الرابع, وهو أحدث أنواع الحروب وأشدها خطرًا وفتكًا بالدول النامية، خاصة أن الهدف الرئيسى للقوى الكبرى كان ولا يزال تفتيت دول منطقة الشرق الأوسط لمصلحة إسرائيل وبالتالى كان لابد من تفتيت جيوش تلك الدول أولاً حتى يتم إستكمال المخطط بنجاح.

الجيل الأول من الحروب، كان عبارة عن مواجهات مباشرة بين جيشين متنافسين للسيطرة على الأرض، وهو يعتمد على الحشد والحشد المضاد, وكان هذا النظام متبعًا فى الحروب القديمة, أما الجيل الثانى فاعتمدت فيه الدول على الضرب عن بعد خاصة بعد ظهور المدافع الحربية, وظهر الجيل الثالث فى الحرب العالمية الثانية حيث استخدمت فيه أجيال عديدة من الأسلحة ومن ضمنها الطيران والأسلحة المختلفة، وأدوات التجسس حيث أصبحت الحروب تدار بين دولتين بعيدتين كل البعد عن بعضهما, أما الجيل الرابع والأخير فقد ظهر مؤخراً بعد حرب الخليج الثانية والحرب على العراق حيث  يعتمد فى الأساس على أسلحة غير تقليدية تسبب أكبر قدر من الخسائر فى الدولة المعادية, وهو ما نستطيع أن نطلق عليه اسم "الحرب عن بعد" التى يستخدم فيها سلاح الإعلام  حيث تستغل نقاط الضعف فى الدولة المعادية لضرب الركائز الأساسية التى تعتمد عليها وإختراقها من الداخل لتوجيهها بما يخدم مصالح الدول الكبرى.

بعد السقوط المدوى للإخوان وخروجهم من الحكم إثر ثورة 30 يونيوعام 2013 كان لزاماً على القوى الكبرى تغيير خططها الإستراتيجية الرامية إلى تفتيت جيوش المنطقة , تلك المهمة التى كان سيقوم بها التنظيم الإرهابى لجماعة الإخوان المسلمين على الأرض, لتقوم بتحقيق نفس الهدف لكن بواسطة سلاح آخر من أسلحة الجيل الرابع من الحروب وهو سلاح الإعلام من خلال القنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية التابعة لها الى تقوم بالترويج لمفاهيم عديدة لا يدركها العقل الواعى للجمهور المتلقى فى حين , لكن يختزنها العقل اللاواعى لنفس الجمهور, ومن هنا ظهرت القنوات الإخبارية الشهيرة لكى تنقل ليست فقط الصورة , ولكن تعرض الأخبار من وجهة نظر محددة يمكن من خلالها التأثير على الجماهير العربية لكى تستقبل ما هو مرسوم لها عن طريق دس السم فى العسل وكان الهدف هو تقبل الشعوب العربية لتفتيت الجيوش من خلال الإعلام.

- دأبت القنوات الإخبارية على تحقيق أهدافًا أخرى غير معلنة تظهر فقط للمتخصص المتابع تفصيلات الأخبار السياسية المنشورة أو المذاعة , فخطط الحروب الحديثة تعتمد على صياغة الخبر الحقيقى بإسلوب الهدف منه ليس توصيل المعلومة فحسب , ولكن عمل إسقاطات أخرى لا يلاحظها المتلقى نفسه , فعلى سبيل المثال عند حديث الصحف والمواقع الإخبارية عن الحرب فى سوريا , هناك جانبين فقط..جانب الحكومة الشرعية بغض النظر عمن هو موجود فى رأس السلطة , وجانب آخر هو مايقرب من 40 ألف إرهابى قادمون من مختلف دول العالم وبالتالى فالجيش الوطنى الذى يقاوم الإرهاب من المفترض أن يطلق عليه فى الإعلام إسم "الجيش السورى" , والجانب الآخر يطلق عليه لفظ "الإرهابيون", إلا أن ذلك لم يحدث مطلقًا حيث جاءت تغطية ثلاثة من أهم القنوات الإخبارية فى العالم هما قناة BBC الإنجليزية وقناة CNN الأمريكية وقناة DW الألمانية موجهة تمامًا ضد الدولة السورية.

 وهو ما ظهر منذ اللحظة الأولى للثورة السورية التى منذ أن بدأت فى مارس من عام 2011  حتى تلاشت بحلول الإرهابيين من عدة دول فى العالم ليتم تناول الحدث بشكل خبيث , فعند تحليل المواد المنشورة فى الثلاثة سنوات الأخيرة نجد تكرار مصطلحات بعينها حيث سمى الجيش السورى ب"جيش النظام" أو " ميليشيات النظام" , أو " القوات الموالية للنظام " .

- عند تحليل ذلك الخبر نجد أن موقع سى إن إن نفسه لا يمكن مؤاخذته على لفظ "قوات النظام" فهو لم يذكر ذلك مباشرة بل نقلاً عن المرصد السورى , وهو فى تلك الحالة يضرب عصفورين بحجر واحد, الأول أنه يشيع ذلك اللفظ فيكسر من الجيش السورى إعلاميا , والثانى انه يستطيع التحجج بالمهنية حيث نقل الخبر من المصدر نفسه.

 أما موقع هيئة الإذاعة الألمانية DW فقد نشر أخباراً عديدة خلال السنوات السابقة عن الحرب السورية   مثل ذلك الخبر المنشور بتاريخ 6 مارس 2014 الذى قام فيه بالترويج لأحد الأشخاص الذى يدعى "سليم إدريس" زاعمين أنه رئيس هيئة أركان "الجيش السورى الحر" فى إيحاء كاذب بأن الجيش الحر هو جيش يحتوى على على عدة أفرع جوية وبرية وبحرية  ولديه هيئة أركان , فى حين أن الواقع  أنه لايوجد جيش متكامل الأركان من الأساس بل هم مجموعة من الأشخاص موجودون فقط خلف ميكروفونات الدول التى تحتضنهم, لكن الغريب فى ذلك الأمر هو إنضمام هيئة الإذاعة الألمانية إلى تلك المجموعة الإعلامية الموجهة وهى التى تعرف بمهنيتها فى التناول.   

- عند تحليل أهم الأخبار المنشورة مؤخراً فى نفس الموقع عن إستعادة الجيش السورى السيطرة على مدينة حلب مؤخراً , نجد تناول الخبر أيضاً هنا تم بشكل مختلف حيث نشر الخبر التالى يوم 28 يوليو :

نلاحظ  عدم إستخدام كلمة الجيش السورى وإستبدالها بقوات النظام السورى وكأن تلك القوات خاصة بالنظام الحاكم , وإعتبار المجموعات الإرهابية التى حطمت مدينة حلب بما فيها تفجير مستشفى السرطان بالمدينة مجرد " تراجع نفوذ المعارضة" على حد قولهم , وهو ما يلقى ظلالاً من الشك حول الإتجاه العام للأخبار فى قناة اتسمت بالمهنية سابقاً.

ما زالت مصر تعتبر الحجرة أمام تطلعات القوى الكبرى فى المنطقة , فقد أفلتت من مصير سوريا وليبيا بوعى شعبها وإلتفاف الجيش حول الشعب المصرى فى ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 وهو ما أضاع الفرصة على من يحركون المواقع الإخبارية من وراء الستار , لكى يستخدمون نفس الوسائل السابقة فى التأثير على الرأى العام , وهنا بدأت الأمور تأخذ منحنى مختلف خاصة بعد فشل الجيل القديم من النشطاء الذين تم تدريبهم فى الخارج قبل عام 2011 والذين إستغلوا ثورة يناير ورغم ذلك لم يستطع أحداً منهم عمل أية تغييرات على الأرض منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن .

بدأت الأمور تختلف بعد إنتشار الفضائيات وتراجع دور الصحافة الورقية فى السنوات الثلاث الأخيرة فى حين تنامى دور الإعلام بشكل غير مسبوق , وأصبح الإعلامى هو النجم الأوحد الذى يتبعه الملايين أينما ذهب , لذا أصبح التعامل مع الإعلاميين يساهم فى توجيه الرأى العام وبدأت محاولات الإعداد لإعادة 25 يناير تأخذ شكلاً جديداً يعتمد على محورين أساسيين فى غياب تام لدور الدولة:

1- الوصول إلى أكبر قدر من الناس عن طريق إستقطاب الكتاب المعارضين للكتابة فى مواقع خاصة بقنوات بعينها بحيث يتم التعامل مع تلك القضية بأكبر قدر من الذكاء  إذ يتم الإعلان عن أن المقال يعبر عن رأى صاحبه وفى نفس الوقت يقوم الموقع أو القناة بدفع مقابل مادى للكاتب أو المذيع الذى فى النهاية يقوم بتوجيه الرأى العام أو على الأقل يخلق حالة من الجدل على الواقع الإفتراضى يمكن أن تسبب حركة فى الشارع بمرور الوقت , خاصة إذا تم توفير مساحة إعلامية فى برنامج على نفس القناة يتناول العديد من السلبيات المتراكمة على مدار عقود والتى يمكن إستغلالها جيداً تحت غطاء حرية التعبير , وهو ما يظهر واضحاً فى كتابات الإعلامى يسرى فودة على موقع DW  وكذلك الكاتب علاء الأسوانى .

2- العمل على الأرض مباشرة وإستقطاب جيل جديد من الإعلاميين لإختيار الأفضل منهم  لقيادة المرحلة القادمة من خلال بروتوكولات التدريب التى بدأت فى الإنتشار والموقعة بين بعض الهيئات المصرية ونظيرتها الخارجية وهو مايمثل إختراقاً للدولة المصرية خاصة إذا تم مع جهات غير حكومية أوإعلامية وهو ما حدث بالفعل فى بروتوكول تعاون بين إحدى الهيئات الأمريكية واحدى كليات الطب فى مصر والذى من خلاله تم عمل دراسات على صحة السيدات الحوامل فى قرى ونجوع  الوجه البحرى والصعيد وأصبح لدى جهات خارجية بيانات فعليه ودقيقة من خلال مسح شامل تم إجراؤه على الأرض للمشاكل التى تعانى منها المرأة المصرية فى تلك المناطق والتى على أساسها يمكن تغيير الخطط المقبلة فيما يخص التأثير على الشعب المصرى فى الفترة القادمة , وهو ما يشكل خطراً على الأمن القومى المصرى , نفس هذا الأمر تكرر بشكل مختلف مع الجهات الإعلامية التى ترتبط ببروتوكولات تدريب مع جهات خارجية  وهى أنسب مكان للتوجيه الغير مباشر .

- فعلى سبيل المثال إستضاف معهد الأهرام الإقليمي للصحافة للعام الثاني على التوالي دورة "أصوات النساء" والتي ينظمها التليفزيون الألماني خلال الفترة من 10- 18 يوليو لتدريب الفتيات المصريات حديثي التخرج على كيفية التعامل مع وسائل الإعلام، وإنتاج المواد الإعلامية والصحفية المختلفة وهو هدف لا غبار عليه لكن بمراجعة الدورات نجد بعض الورش تناولت كيفية تحليل البيانات , وغيرها مما يمكن من خلاله إكتشاف أصحاب المهارات الخاصة الذين يمكن إستقطابهم دون وعى منهم وتوجيههم ,  وهنا ينبغى أن نتسائل عن أجهزة الدولة  والدور المفقود للأجهزة الأمنية التى ينبغى ان تكون على علم مسبق بكل ذلك , خاصة عند النظر لجميع الهيئات الأجنبية العاملة بمصر فإذا قمنا بتجميع تلك الهيئات فى دراسة واحدة مع الجهات الداخلية التى تم التعاقد معها , ساعتها يمكننا رسم خريطة كبيرة نجد من خلالها أن هناك تخطيطاً ممنهجا لإختراق المجتمع المصرى من أسفله إلى أعلاه.

3- عند تحليل فترة الثلاثة سنوات الأخيرة  نجد تزايد مطرد فى بروتوكولات التعاون بين الجهات الخارجية وعلى رأسها هيئة الإذاعة الألمانية DWوبين جهات إعلامية مصرية خاصة , فى حين لم تكن تلك البروتوكولات بهذا العدد الكبير قبل عام 2013 وحتى قبل يناير 2011 حيث كانت تقتصر على جهات بعينها تعد على أصابع اليد الواحدة مثل جامعة القاهرة والتى هى فى النهاية هيئة حكومية تابعة للدولة المصرية , أما الآن فقد تحولت الإتفاقات من مجرد ورش تدريبية تقام فى القاهرة , إلى فرص تدريب فى الخارج للعاملين فى جهات إعلامية مثل قنوات المحور , وصدى البلد و ON TV و CBC ناهيك عن بعض الجرائد الخاصة التى تمتلك مواقع  على الإنترنت تقدم من خلالها برامج  بخلاف الأخبار والمقالات اليومية مثل جريدتى المصرى اليوم وجريدة الوطن , وبمقارنة الفترة الحالية بفترة ماقبل 25 يناير2011 نجد تماثلاً غريباً بين الإهتمام فى ذلك الوقت بتدريب أعداداً هائلة من النشطاء الحقوقيين الذين ظهر دورهم خلال الثورة , والإهتمام الحالى  الغير عادى فى 2016 بتدريب عدد كبير من الإعلاميين الشباب على وجه الخصوص وهو ما يلقى ظلالاً من الشك حول ماهية ماسورة التدريب فى الخارج التى إنفجرت فجأة فى الآونة الأخيرة , خاصة إذا نظرنا إلى فئات المتدربين الشباب وأعمارهم والمهن التى يعملون فيها , فهل يعنى ذلك الإعداد لحدث ما فى العام القادم  2017؟..هذا ما سوف تتضح معامله الفترة القادمة.

- هل تقبل الولايات المتحدة الأمريكية  أو بريطانيا أو ألمانيا بوجود بروتوكول تعاون بين هيئة إعلامية مصرية وأخرى محلية غربية تسمح لمصريين بإجراء مسح شامل على الأرض لتحديد المشكلات التى تواجه صحة المواطنين الأمريكيين أو الإنجليز أو الألمان؟ , الإجابة بالطبع معروفة.

- هل تستطيع أية منظمة مجتمع مدنى عربية ممولة من حكومة  أى دولة عربية  العمل داخل أمريكا أو أوروبا لكى تساعد الفئات المهمشة داخل تلك المجتمعات؟ وتلك الفئات الفقيرة موجودة فى أكثر الدول تقدماً مثل فرنسا وأسبانيا وأمريكا نفسها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل