المحتوى الرئيسى

أحمد زويل الحقيقة والأسطورة | المصري اليوم

08/02 23:36

زرتُ الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أميراً للرياض، كنتُ فى صُحبة كبير العلماء العرب الدكتور أحمد زويل.

كانت حفاوة الملك بالغة.. سأَلَنى الملك سلمان- الذى يعرف الكثير عن الأنساب والأعراق- عن أصول «عائلة المسلمانى»، وعما إذا كانت فرعونية أم عربية.. ثم دار حديث رائع وممتدّ بين الملك سلمان والدكتور زويل.. من الدين إلى السياسة، ومن المملكة إلى العالم. وكمْ كان هذا اللقاء مهماً فى تعميق رؤيتى لما يجرى فى الشرق الأوسط وما وراء الشرق الأوسط.

لقد سعدتُ بصُحبة الدكتور زويل فى زياراته لعشر دول حول العالم.. من باريس إلى بيروت.. ومن مدريد إلى الخرطوم.

ولقد كنتُ دوما شديد الانبهار بشخصية الدكتور زويل.. لكن استقبال الملوك والرؤساء والمفكرين والعلماء.. للعالم المصرى الكبير.. جعل انبهارى بلا حدود.

كانت الإعلامية الرائدة الأستاذة آمال فهمى أول من حاورت الدكتور زويل فى الولايات المتحدة، وكانت صحيفة الأهرام أول من نشرتْ أخباره من كاليفورنيا.. ولقد تشرفتُ لاحقا بتقديم كتابه التاريخى «عصر العلم».. والذى كتب مقدمته الأولى الأديب العالمى نجيب محفوظ.

وتحفل أقسام الأرشيف فى الصحف العربية بعشرات المجلدات، كما تحفل الشبكة الدولية للمعلومات «الإنترنت» بملايين النتائج عن الدكتور زويل.

احتفى الإعلام بحائز جائزة نوبل.. الذى ولد فى دمنهور وعاش فى دسوق وتعلّم فى الإسكندرية، وقضَى فى القاهرة يوماً واحداً قبل أن يغادر إلى بنسلفانيا.

لكن المدِهش.. هو اعتقاد «جانب محدود من الإعلام» أن «الإعلام هو الذى صَنَع الدكتور زويل».. وأن الإعلام الذى أضاء صورته يمكنه أن يطفئ عليه الأنوار.

ثم زادت الدهشة.. حين بدأ ذلك «الجانب المحدود» حملةً إعلاميّة منظمة.. على صفحات الصحف وعلى شاشات الفضائيات.. تنال من الدكتور زويل.. عِلماً ودوْراً.

كان مدَى الهجوم واسعاً، واستُخدمِت فيه كل وسائل الدمار.. وبلا هوادة.

لا أتحدث هنا عن النقد الموضوعى أو الخلاف المسؤول.. أو عن المخلصين الذين أبدوا اعتراضات أو قدموا ملاحظات.. وإنما أتحدث عن الذين خاضوا الحملة دون وازع وطنى أو إطار أخلاقى.

لم يتخيل أحدٌ ما يجرى.. كيف يهاجم الإعلام العِلم؟.. كيف يعمل الحاضر ضدّ المستقبل؟ كيف يهيئ البعض للهزيمة الحضارية لبلادنا.. أنْ يأكل الوطن أبناءه.. وأنْ تبتلِع الأُمّة رموزها؟

كان غضب كبار العلماء فى مصر بلا حدود.. كتَب وتحدثَ الدكتور مجدى يعقوب، والدكتور محمد غنيم، والدكتور أحمد عكاشة، والدكتور محمد أبوالغار، والدكتورة لطفيّة النادى.. لكن «صوت الإعلام» كان أعلى من «صوت العلم».. وكانت معاول الهدم تمضى واثقةً وراسخة ضدّ معالم البناء.

من يتأمل المشهد اليوم.. لا يتذكر أىّ شىء من ذلك.. لن يتذكر من هاجمَ فى مقال أو شاشة.. أو قاد حملة على الشبكة العنكبوتية.. كأن ذلك كله لم يحدث.

لم يبقَ من ذلك كله إلا الدكتور أحمد زويل.. عميد العلِم العربى، وكبير علماء الكيمياء فى العالم.. وقمة الهرم فى القوة الناعمة المصرية.

هَزَمَ العلِمُ الإعلام، وانتصر العقل على الكلام.. وشعر المصريون بسعادة غامرة وهم يروْن عالم مصر الكبير فى المقصورة الرئاسية فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة.

لم يصنَع الإعلام الدكتور زويل.. لكى يهدِمه.. ولم يكن ذا فضلٍ عليْه لينزَع الفضلَ عنه.

لقد صعَد الإعلام بمستواه وارتفع بمكانته حين اختار أن يضىء على أكبر علماء مصر فى التاريخ الحديث، ثم هبطَ حين اعتقد أنه يتلاعب بفنانٍ صاعد أو لاعبٍ واحد.. وأن بإمكانه أن ينهى ما بدأ.

ذلك أن الدكتور زويل حقيقة عالمية.. لا صناعة إعلامية.. ذلك أنه ببساطة أسّس علماً كاملاً هو «علم كيمياء الفيمتو»، وحازَ جائزة نوبل منفرداً، وألقى كلمة علماء العالم فى مناسبة مرور مائة عام على جائزة نوبل.. ورشّحته مؤسسات علمية عالمية لجائزة «نوبل الثانية».

ذلك أن الدكتور زويل.. صناعة وطنية لا صناعة إعلامية.. صُنع فى مصر ولم يصنع فى الاستوديو أو صالة التحرير.

ذلك أنّهُ.. مصر التى كانت، ومصر التى نتمنّى.

فى عهدٍ سابق سألتُ رئيس شركة المقاولون العرب: هل ستبنون حقاً مدينة زويل؟ قال لى: التعليمات الرئاسية عندنا.. «حفنة طوب وشيكارتين أسمنت».. لوضع حجر الأساس.. وبعد ذلك «لا شىء.. انسى تماماً».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل