المحتوى الرئيسى

إيمان حميدان.. روايات في رواية

08/02 01:01

أمكنة كثيرة. تركيا، لبنان، سوريا، سوريا في لبنان، أزمير، ماردين، إسطنبول، بيروت، دمشق. رواية ايمان حميدان «خمسون غراماً من الجنة» التي صدرت عن دار الساقي أيضاً تضم ارمن واتراكاً في لبنان وأقليات لبنانية، ثم انها تتحرك في الزمن، تتأخر فيه وتتقدم. ترجع إلى الحرب اللبنانية وإلى عهد عدنان ماندريس التركي وإلى الوجود السوري في لبنان ثم تقترب من الوقت الراهن. ثمة تشتت في الأمكنة، تشتت في الزمن، بل نحن قلما نعثر على أحد في مكانه، مايا وزياد اللبنانيان في فرنسا، نورا اللبنانية وكمال التركي في تركيا ولبنان وسوريا، صباح التركية في لبنان، وإلى جانب هذا التشتت شقاقات وفقدانات، مايا تفقد زياد في لبنان. كمال يفقد نورا، صباح تفتقد أحمد المخطوف. ليس الى جانب التشتت سوى الفقدان، لقد مرت الحرب وهذه هي آثارها لكن لدينا الشعور بأنها مستمرة وأن الحروب الراهنة في المنطقة تطل منها، بل نحن نشعر بأن موت زياد بالسرطان بعد عودته إلى لبنان وموت نورا بالانفجار ليسا بعيدين عن بعضهما بعضاً، بل هما يتوازيان على نحو ما. الحرب ليست فقط الانفجار انها أيضاً التشتت وهي البعد وهي الفقدان، انها لذلك باقية في هذا المجتمع المنزاح كل من فيه، البعيد والمشرّد. تبدأ رواية ايمان حميدان بموت زياد بالسرطان عائداً من فرنسا التي حلم بالحصول على جنسيتها. نشعر ان العودة ميتا هي تقريباً عنوان الرواية. سنقع بعد ذلك على مخطوفين ومنفجرين. انها الصور الموازية للعودة ميتاً، لن نفرق بينها وبين عودة زياد. الرواية هي تقاطعات مصائر من نفس المصدر ونفس النموذج. النموذج الذي تبدو الحرب أساسه، لكن السجن والخطف والموت بالسرطان ليست بعيدة عنه.

تبدو رواية ايمان حميدان رواية ضمن الرواية، بل روايات ضمن الرواية، انها رواية مايا العائدة بزياد ميتاً لكنها أيضاً، رواية نورا المنفجرة التي عثرت مايا على مذكراتها في ذلك البيت الذي كانت تصوره في فيلم عن وسط بيروت، بل هي رواية صباح وغرامها بأحمد وزواجها من أحمد آخر مخطوف، رواية هناء المنتحرة بعد حملها. روايات متفرقة، بعضها يمت إلى الحرب وبعضها لا يمت ثم انها قد تكون رواية تيمور الذي قتل. انها تقاطعات بل هي قصص تنسل من بعضها بعضاً، انها تتوالد من بعض البعض، ورغم بعدما بينها إلا انها تنسل بسلاسة، وتتواصل بسلاسة. نحن ننتقل من رواية مايا العائدة بزوجها الميت وطفلهما شادي إلى رواية نورا التي وجدتها مايا، ومن رواية نورا ستصل إلى صباح وسنقع هكذا على رواية أخرى. لن نتحدث هنا عن لعبة الدمى الروسية فالروايات هنا لا تخرج من بعضها بعضاً، انها تنسكب من بعضها البعض. نشعر ان بين رواية ورواية أكثر من سبب، بل نشعر انهما هكذا ينبعان من بعضهما. لقد وجدت مايا مذكرات نورا وكان هذا دافعاً لنقرأ رواية نورا، لكن بين رواية مايا ورواية نورا أكثر من هذه الصدفة. تكاد الروايتان تكونان واحداً، مايا تعود مع زوجها المحتضر وابنها شادي، أما نورا فتكتب إلى زوجها ومعها ابنها كريم. ثمة إطار ثلاثي في الحالين لا يلبث ان يفقد أحد أطرافه. زياد يموت من المرض ونورا تموت بالانفجار، يمكننا هنا ان نجد بين الروايتين موازاة سيمتريه. في أحد النموذجين تموت المرأة وفي الآخر يموت الرجل. الرواية الأولى لا تبتعد إذا عن الرواية الثانية، ان لهما نفس البناء ونفس الخبر. هكذا لا نشعر إزاء رواية نورا الا اننا لا نزال في رواية مايا وان رواية نورا هي تكرار لرواية مايا، الجديد هنا ليس سوى تركية كمال صديق نورا وزوجها، وهي تركية ستتكرر مع صباح فنجد ان النموذج التركي ـ اللبناني يشكل أساس تواز سيمتري ولو بطريقة أخرى. ننتقل من رواية إلى رواية، ليس على طريقة ألف ليلة وليلة ولو انها ليست مستبعدة تماماً، ولكن بانسياب وتواز وأسباب داخلية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل