المحتوى الرئيسى

إنها ليست أزمة دولارات.. . بل هى أزمة وطن!!!

08/01 23:01

خدعوك فقالوا إن الأزمة المصرية الآن هى نقص الدولارات وإنها بسبيلها إلى الحل بمجرد الحصول على بضعة مليارات من الدولارات من الأشقاء العرب، واقتراض 21 مليار دولار من صندوق النقد الدولى وإصدار سندات دولية بالدولارات دون أن تغير الدولة من سياساتها أو توجهاتها الاقتصادية والمجتمعية، فضلاً عن مواقفها السياسية. ودون أن يغير المصريون، خاصة الأغنياء والقادرين منهم، عاداتهم الاستهلاكية وسلوكهم السياسى والاجتماعى، وطبيعى دون أن يطالب الموظفون فى جهاز مصر الإدارى برفع كفاءة أدائهم أو التخفيف من حجم الفساد والضياع والإهدار الذى تعانى منه أغلب وحدات ذلك الجهاز!

وبالطبع، تقدم الدولة خطتها لحل مشكلة الدولار فى ضوء ما سوف تسفر عنه المباحثات مع وفد صندوق النقد الدولى، الموجود فى مصر الآن، وما سيصدره من «توصيات» دون أن تفكر فى تشغيل الطاقات الإنتاجية المعطلة منذ سنوات، وبغير مراجعة لمواقف شركات قطاع الأعمال المتعثرة والخاسرة أو محاولة جادة لإحياء شركات الغزل والنسيج المحتضرة، ولا البحث فى أساليب جديدة وغير تقليدية لإنهاض ذلك القطاع الذى كان حيوياً فيما مضى! وأيضاً دون إعادة هيكلة ورفع كفاءة الشركات التى حكم القضاء بإلغاء عقود خصخصتها وإعادتها إلى الملكية العامة، ودون مواجهة مشكلات المصانع المتوقفة منذ أيام 25 يناير 2011.

أى إن حكومتنا الرشيدة تعتزم، بعون الله، حل مشكلة الدولار مع بقاء كل شىء على ما هو عليه، كما كان يقول الاقتصاديون فيما سلف من الأيام، وعلى الرغم من «توجيهات» الرئيس بعدم الاقتراض مجدداً إلا إذا كان القرض مضمون السداد من عائد تشغيل المشروعات التى تم الاقتراض لتمويلها، ورغماً عن النص الدستورى (مادة 127) الذى يمنع الدولة من الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب الذى هو فى سبيله إلى إنهاء دور انعقاده الأول بعد أيام معدودات!!

ورغم أن استراتيجية التنمية المستدامة 2030 تعلن أنه فى العام 2030 «ستكون مصر الجديدة ذات اقتصاد تنافسى ومتوازن ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة، قائم على العدالة والاندماج الاجتماعى والمشاركة، ذات نظام أيكولوجى متزن ومتنوع، تستثمر عبقرية المكان والإنسان لتحقق التنمية المستدامة ولنرتقى بجودة حياة المصريين»، فإنه ومع صراحة ما احتوته الاستراتيجية من تحديات تعرقل أهداف التنمية المستدامة، فإن الأمل ضعيف فى تحقيق البرامج الهادفة إلى القضاء على تلك التحديات فى الوقت الذى تستمر فيه السياسات القديمة غير الفعالة دون تغيير، وبقاء جهود ما يسمى «الإصلاح الإدارى» لجهاز الدولة على تباطئها والخوف من اتخاذ قرارات ثورية لتخليص مصر من البيروقراطية والفساد اللذين يتسم بهما ذلك الجهاز، وطالما يركن المسئولون إلى تكليف القوات المسلحة بتنفيذ مشروعات التنمية مع ترك الجهاز الإدارى للدولة، المنوط به هذا الواجب، على حاله، وفى ذلك الحل القاصر مع كل التقدير لإنجازاتها فى مجالات التنمية خطورة قصوى تهدد قدرة تلك القوات على مواجهة التهديدات للأمن القومى وعصابات الإرهاب فى سيناء وكل محافظات مصر!!!

وفى حقيقة الأمر، نحن فى حاجة ماسة لإعادة توصيف مشكلاتنا المصرية، فهى أبداً لا تتركز فى نقص الدولارات مع خطورتها ولا فى تآكل الاحتياطى النقدى من الدولارات، ولا تتمثل فى تغول الاستيراد الاستهلاكى الاستفزازى مع آثاره الاقتصادية والاجتماعية السيئة والمحبطة للغالبية من المصريين الفقراء، ولا فى نقص الاستثمارات، ولا فى غيرها من المشكلات والتحديات التى لا يمل ترديدها المسئولون ووسائل الإعلام وأعضاء مجلس النواب والنخب السياسية والأحزاب التى لا تجيد سوى الكلام، أما مساهماتها فى التصدى لمشكلات إدارة شئون البلاد والتهديدات المستمرة لمستقبل الوطن، فهى لا تكاد تُذكر!

إن أزمة الوطن هى أزمة تحديد الأولويات التى تعكس التوافق المجتمعى وليس مجرد اختيارات الدولة، وهى أيضاً أزمة تقادم السياسات فى كافة المجالات، ومن ثم عدم فعالية الحلول التى تستند إلى تلك السياسات، وهى أزمة فى مشروعات خطيرة دون موافقة أغلبية المصريين وهم أصحاب السيادة وأصحاب القرار مثل المشروع النووى فى الضبعة ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وأخيراً هى أزمة تقليدية أجهزة الحكم ومؤسساته مع كل التقدير للجهود المبذولة، ولكن العائد دون المستهدف!

ولعلنا نتذكر قصة إصدار سندات دولارية بمبلغ مليار ونصف مليار دولار، وبلغت الفائدة 8.5٪ فى سنة 2001 بينما كانت الفائدة على المدخرات بالدولار فى جميع أنحاء العالم أقل من 1%! وفى حوار مع د. مدحت حسنين، وزير المالية، فى جريدة الأهرام يوم 8 نوفمبر 2002 والذى تم إصدار تلك السندات فى عهده وكان متحمساً لها، ورداً على سؤال: أين ذهبت أموال السندات الدولارية، وهل تم استغلالها فى تمويل مشروعات استراتيجية كما كان مخططاً‏؟ اعترف بأنه «كان من المخطط أن تُستثمر تلك الأموال فى مشروعات تدر عائداً يفوق تكلفتها، ولظروف معينة تأجل استثمارها فى مشروعات استراتيجية‏، ولكن بعد تقويم صندوق النقد فى يوليو‏2002‏ وُجد أن العجز فى ميزان المدفوعات انخفض من ‏1.7‏ مليار إلى ‏400 ‏ مليون دولار، بدأ البحث عن مشروعات لاستثمار حصيلة هذه السندات الدولارية، ومنها بعض المشروعات البترولية مثل نقل وتسييل الغاز ومشاريع البتروكيماويات». وكان يوسف بطرس غالى، وزير مالية مصر، قد أعلن يوم 22 أبريل 2010 أن مصر طرحت سندات بقيمة مليار دولار آجلة الدفع لثلاثين عاماً وبفائدة 6.9% ولا يتم السداد قبل عام 2040، وأضاف أن مصر طرحت فئة أخرى من السندات بقيمة 500 مليون دولار لأجل عشر سنوات بفائدة 5.75%. والغريب أن وزير المالية السابق هانى دميان كان من أشد المتحمسين فى نوفمبر 2014 لإعادة التجربة المريرة، وها نحن نشهد الآن تكرار ذات المحاولة فى ظروف غير مواتية تماماً بالنسبة لمصر، مما سيرفع تكلفة هذا الاقتراض فى حال تنفيذه إلى مبالغ طائلة!!

والسؤال المطروح على رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية وأعضاء المجموعة الوزارية الاقتصادية وقبل تنفيذ فكرة السندات الدولارية فى السوق العالمية هو بيان فيما ستُستخدم حصيلة تلك السندات وما التكلفة الحقيقية التى سوف يتحملها الشعب المصرى لقاء ذلك، وما هو العائد المنتظر منها، وما هى ضمانات ألا تتكرر مهازل الإصدارات السابقة فى 2001 و2005، خاصة أن مصر قد قامت بتحويل نحو 1.5 مليار دولار سندات استحقت خلال الأيام الماضية سداداً لسندات بلغت 1250 مليون دولار سبق إصدارها فى الأسواق العالمية عام 2005، وذلك وفق بيان البنك المركزى فى 28 يوليو 2016!!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل