المحتوى الرئيسى

أشراط الساعة.. ونمذجة الاستدعاء

08/01 22:11

ولكننا إذا عدنا إلى (تراثنا البعيد والقريب) نجد أن التعاطي مع الساعة وأشراطها يتغير طبقاً لطبيعة المرحلة التي تعيشها الأمة (أفراداً وشعوباً وحكاماً وطبيعة حركتها في الحياة) فكلما كانت الأمة في مرحلة النهضة والتقدم وعقول شبابها وعلمائها نشطة مبدعة ومنتجة نجدها تتعامل مع الساعة وأشراطها بطريقة صحيحة (إيجابية) فتنظر إليها على أنها محطة من المحطات التي ستمر بها البشرية، وسيحاسب كل فرد على ما قدم وأخر وعلى مدى تحققه بالوظيفة المناطة به، ولذا ينتقل الإيمان باليوم الآخر إلى (دافع حركي) ومصدر طاقة للأفراد والأمة على حد سواء، وهو في الحقيقة المقصد من إيراد كل تلك الآيات والأحاديث المتعلقة بالساعة وأشراطها،

وهذا ينعكس بالضرورة على إنتاجها الفكري والثقافي والمدني والحضاري، فتتألق وتبدع وتقود الأمم الأخرى، ويكثر فيها العلماء وتتحقق فيها مقاصد القرآن (التوحيد والحرية الرحمة والتزكية والتنمية والعمران..)، أما عندما تمر الأمة في مرحة الانكسار والانهزام (الفكري والثقافي والمدني والحضاري) فنجد أنها تغير طبيعة تعاملها مع الساعة وأشراطها ليس من باب اختلاف الإيمان وقوته إنما من باب (سيكولوجي) صرف؛ حيث تبدأ تتعلق بأشراط الساعة وقربها وتتبع ظهورها وتبرر فشلها من خلال وجود بعض التشابه بين سلوكيات بعض من أفراد الأمة في مكان وزمان معين مع تلك الأشراط، وتستدل منها على أننا في نهاية الزمان وتعلل فشلها الحياتي والحضاري بهذه الأشراط فيكثر التأليف في هذا الاتجاه وتنشر كتب (نهاية الزمان، أشراط الساعة الكبرى والصغرى، عمر أمة الاسلام، الفتن والملاحم....)

وما هو من باب نشر العلم (في معظمه) إنما هو من باب تبرير الأمة لواقعها المتخلف والبحث عن شماعة تعلق عليها فشلها الحضاري، سواء أعلم الناس بذلك أم أن العقل الباطن لهم هو الذي يحركهم بهذا الاتجاه السلبي، ومنذ عقدين أو أكثر من الزمن وجدنا أن هذا الاتجاه في التأليف قد انتشر وظهر له دعاته (نحن لا نتهم أحداً هنا فكل منهم مأجور على جهده ونيته)، وهذا الأمر عزز الاتجاه السلبي لدى الأمة وأفرادها بل دخلت الأمة في سبات عميق من خلال انتظار نهاية الأشراط الصغرى؛ لتبدأ مرحلة الأشراط الكبرى والتي تؤصل فيها فكرة الفرد المنقذ (المخلص/المهدي) -وسنفرد مقالاً خاصاً حوله- وبذلك تركن إلى واقعها وتقبل به باعتباره جزءاً من الإيمان بالقضاء والقدر والإيمان بالساعة وأشراطها، وتخالف بذلك المقصد من إيراد كل تلك الآيات والأحاديث التي تدفع الإنسان إلى العمل والغرس حتى لو كان آخر يوم في الدنيا.

هذا اتجاه وهناك اتجاه آخر أشد خطورة من هذا، وهو ما يستخدمه (بعض الفرق والتنظيمات المتطرفة) من أحاديث متعلقة بأشراط الساعة لتؤكد صحة نهجها أو للتعجيل بظهور (المخلص/المهدي) في كل من الفكرين (الشيعي) -الذي يزيد الفساد والقتل ليعجل من ظهور مخلصه- و(السني) الذي يبرر ويؤيد تصرفاته (الهمجية) وفقاً لبعض الأحاديث ذات الدلالات المتنوعة عن أشراط والساعة والملاحم التي ستدور بين يديها.

وللخروج من هذا المأزق لا بد من العودة إلى الفهم الصحيح لتلك الآيات والأحاديث والتعامل معها وفقاً لمنظومة المقاصد القرآنية، ووضعها في مكانها الصحيح من الفكر الإسلامي المعاصر، وذلك يتطلب منا عدة أمور، منها:

1- تنقية هذه الأحاديث مما علق بها من ضعف أو وضع.

2- قبول المتواتر منها فيما يتعلق بمصير الأمة وعدم إبرازها على أنها أحكام لا بد من الالتزام بها أو انتظار تحققها دون عمل.

3- دراسة تلك الأحاديث ومقارنتها مع ما وُجد من تشابه مع أهل الكتاب للوقوف على تسرب بعض منها إلى تراثنا.

4- التركيز على الفهم الإيجابي والحركي والنهضوي لتلك الأحاديث المتواترة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل