المحتوى الرئيسى

ذكريات من الزمن الجميل

07/31 22:13

يوم الأربعاء الماضى سافرت إلى بلدتى قنا، ضمن عدد كبير من الزملاء البرلمانيين، للمشاركة فى حفل زفاف زميلنا النائب أشرف رشاد، الذى أصر على إقامة حفل زواجه فى القاعة المغطاة باستاد قنا الرياضى..

كان الحشد كبيراً.. مواطنون بسطاء من القرى والنجوع ورموز للقبائل، شباب ينتمون إلى حزب مستقبل وطن، نخبة سياسية وأساتذة جامعات، وبرلمانيون جاءوا من كل المحافظات، كانت مظاهرة اجتمع فيها محبو أشرف رشاد، الذى يتولى منصب الأمين العام لحزب مستقبل وطن.

منذ أن حطت قدماى فى مطار الأقصر مع بعض الزملاء النواب شعرت بالأمان والاطمئنان.. لا تسألنى عن السبب، فهنا وسط الأهل والناس الطيبين تعتريك حالة من الاستقرار النفسى، تشعر أنك تريد أن تحلق فى سماء المكان، هذه الوجوه الطيبة، والقلوب العامرة بالإيمان، وجوه لا تعرف الكذب، ولا المراوغة، ترفض الانتهازية، وتقول كلمة الحق ولو كان الثمن غالياً.

فى الطريق من الأقصر إلى قنا، كان فى صحبتنا السيد محمود الشريف وسليمان وهدان وكيلا المجلس والمستشار أحمد سعد الأمين العام وآخرون.. مضينا وسط الأهالى، والمستقبلين، بعد نحو الساعة وجدنا أنفسنا أمام سيدى عبدالرحيم القناوى، «مدد يا سيد»، هنا قضيت أياماً لا تزال تخلد فى الذاكرة منذ أن كنت صغيراً، المولد والأذكار، التياترو، و«شعر البنات»، كنا نمضى جماعات جماعات من بلدتى التى تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن مقام «السيد»، نتجول، نتوه فى الزحمة، ثم نعود محملين بالحلوى والذكريات الجميلة..

رأيت فى هذا اليوم وجوهاً تاهت عنى فى زحمة الحياة، زملاء الدراسة وعُمد البلاد، يذكرنى الناس بالمظاهرات العارمة فى 18، 19 يناير، وفى مواجهة إقامة سفارة إسرائيلية فى مصر، وفى أحداث سبتمبر 1981.. أتذكر أيام الدراسة والسجن، أيام المطاردات الأمنية فى شوارع قنا وبلدتى «المعنى».

بعد قليل جاء محمد بدران، رئيس حزب مستقبل وطن، انتظره شباب الحزب على باب الاستاد، التفوا حوله، سعدت كثيراً أننى رأيته بعد فترة من الغياب، لقد جاء من إنجلترا خصيصاً ليحضر زفاف المهندس أشرف رشاد، تعرض محمد لهجمات واسعة، استهدفت شخصه، وتصريحاته، لكنه لا يبالى.. قال لى د. على شمس الدين، رئيس جامعة بنها الأسبق، الذى كان من أوائل من دعموا بدران وفكرة الحزب، قال لى منذ سنوات طويلة، سيكون لهؤلاء الشباب مستقبل واعد على أرض هذا الوطن.

كان الفرح بسيطاً، لم أسمع مطرباً، لكننى استمعت إلى أصوات الشرفاء، لم تكن هناك بهرجة ولا إسفاف، ولكن ذكرنى هذا الفرح بحفل زفافى فى بلدتى «المعنى» عام 1987..

بينما كنت أجلس إلى جوار محافظ قنا اللواء عبدالحميد الهجان ووسط مجموعة من النواب، عادت بى الذكريات إلى الخلف.. عندما قررت إقامة حفل زواجى فى بلدتى ووسط أهلى وناسى، جلست أنا وزوجتى على كرسيين وحولنا آلاف البشر، كانت العروس تقطن فى القاهرة، لكن سعادتنا كانت وسط الأهل والأحباب، منهم نستمد الأمل، وبعزمهم ومشاعرهم نشعر بدفء الحياة.

قلت لأحد أبناء بلدتى من رفاق الصبا: إيه يا أحمد فين فرقة بنات «مازن» أو «عبدالوهاب بالقلل»؟

ابتسم صديقى وقال ده زمان وولى، الدنيا اتغيرت، لكن أصالة الناس لا تزال راسخة.

قبل أن نمضى إلى الفرح اصطحبت زميلى فى مجلس النواب عبدالفتاح محمد عبدالفتاح وعمرو كمال، وهما من نواب الإسكندرية إلى مقهى فى ميدان سيدى عبدالرحيم، جلسنا نحتسى الشاى، انهالت علينا «العزومات» ومظاهر الترحيب من الجالسين، شعرت بالفخر ونبل الناس، إنهم أهلى الذين أعتز بهم ومبعث فخرى إلى يوم الدين..

احتفى الأشراف بنقيبهم السيد محمود الشريف، كان وجهه الطيب وابتسامته الساحرة، هما سلاحه فى استقبال أهله وناسه، وعندما جاء أشرف رشاد، لاحتضانه، بقى فى حضنه لدقائق طوال، بادرته: «إيه يا أشرف.. بلاش التفرقة دى»، فـ«أشرف» أيضاً ينتمى إلى قبيلة الأشراف، التى تترامى أطرافها من الشمال إلى الجنوب..

فى فرح أشرف رشاد، اجتمعت القبائل جميعها، الأشراف والعرب، الهوارة والجعافرة، جاءوا من محافظات متعددة ليشاركوا أشرف حفل الزفاف.

فى مجتمع الصعيد، يدرك الناس أن اللمة لها معنى، وأن المشاركة دليل الوفاء، لا يزال مجتمعنا يحافظ على تلك الصورة الجميلة، وحتى خارج الصعيد لا يزال الصعايدة يشكلون جماعات وجمعيات تهدف إلى «التعاون المشترك» والتواصل فى كل المناسبات..

أتذكر يوم أن قررت الترشح فى انتخابات مجلس الشعب لأول مرة فى حلوان كان الشعار الذى يرفعه أبناء الصعيد «اللى متجيبهوش المحنة يجيبه العار»، ورغم أننى كنت أقول دوماً إن المرشح هو للجميع، لكن هذا الشعار بقى مرفوعاً، وإن كانت الأيام قد أحدثت فرزاً عميقاً فى الحياة السياسية والانتخابية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل