المحتوى الرئيسى

معركة لغير وجه الله

07/31 21:47

أثناء التجاذب الحاصل فى مصر بين وزير الأوقاف والأزهر حول بدعة خطبة الجمعة المكتوبة، وجه أحد مسئولى الأوقاف تحذيرا لتخويف المعارضين قال فيه إن «غير الملتزم بالمكتوب سيعتبر من الإخوان ومشتقاتهم». وكانت صحيفة «المصرى اليوم» قد أبرزت التحذير على صفحتها الأولى يوم الأحد ٣٠/٧ منسوبا إلى الشيخ حمادة المطعنى مدير أوقاف السيدة زينب. ومعروف أن هيئة كبار العلماء التى يترأسها شيخ الأزهر رفضت الفكرة ووصفتها فى بيان أصدرته يوم ٢٦/٧ بأن من شأنها «تجميد الخطاب الدينى» إلا أن الوزير الذى ليس عضوا ضمن كبار العلماء أصر على موقفه، وتحدى مشيخة الأزهر والهيئة المذكورة. وغاية ما استطاع أن يفعله أنه استثنى الخطباء التابعين للأزهر من قراره، فى حين تمسك برأيه بضرورة قراءة المكتوب فى المساجد التابعة لوزارة الأوقاف. ولا يزال الجدل مستمرا بين مؤيدى المكتوبة ومعارضيها. وتخلل الجدل ذلك التهديد والوعيد الذى أشرت إليه توا. وقيل فى هذا الصدد إن بعض خطباء الأوقاف من معارضى الفكرة شكلوا حملة «تمرد» وطالبوا بإقالة الوزير، وتندر أحد المدونين على الاقتراح حين دعا إلى «تطويره» بحيث تُطبع نسخ من الخطب المكتوبة، على أن توزع على الداخلين إلى المساجد لقراءتها والاستعاضة بذلك عن وظيفة الخطيب والمنبر الذى يعتليه.

هذا التجاذب ليس جديدا، ولكنه ظهر إلى العلن فى الآونة الأخيرة. وهو جزء من الصراعات المكتومة بين أجهزة الدولة، وان اتسم بالحساسية لأنه حاصل فى محيط المؤسسة الدينية، التى يفترض البعض فيها بعض الخصوصية، نظرا لمكانتها المتميزة لدى الإدراك العام. فأى دارس للتاريخ يعرف أن مشيخة الأزهر ظلت الجهة المسئولة تاريخيا عن النشاط الدينى تعليما ودعوة وإرشادا وإفتاء، إلا أن الأزهر أثار الانتباه حين أصبح فى مقدمة قلاع المقاومة الوطنية المصرية التى تصدت للاحتلال الفرنسى، (عام ١٧٩٨م). أما الأوقاف فقد كان لها «ديوان» لم يكن له صلة بالشأن الدينى، ولكن دوره ظل محصورا فى رعاية الشئون المالية والإدارية المتعلقة بما تم وقفه لأعمال البر والخير. وثمة لغط بين الباحثين حول دوافع فصل الإفتاء عن مشيخة الأزهر وإلحاقه بوزارة العدل (الحقانية آنذاك). وهو ما أرجعه بعض الباحثين إلى محاولة خلخلة دور الأزهر وإضعافه، حتى لا ينفرد بالرعاية الروحية للمجتمع. ولم يسلم من اللغط اقتراح اللورد كتشنر ــ المعتمد البريطانى ــ بإنشاء حقيبة للأوقاف وأخرى للزراعة فى عام ١٩١٣. إذ مع ظهور هذين الكيانين لاحت بوادر تنازع الاختصاص بين مشيخة الأزهر من ناحية وبين وزارة الأوقاف ودار الإفتاء من ناحية ثانية. وظل هم من شغل المنصب فى الجهتين الأخيرتين هو كيف يوسع من اختصاصه ليثبت حضوره إلى جانب الأزهر، ولكى ينافسه أو يزايد عليه فى مجالات اختصاصه. وهو التنافس الذى اشتد أواره فى السنوات الأخيرة التى تنامى فيها دور الإسلام السياسى، وبرزت فى الأفق جماعات العنف والإرهاب، الأمر الذى استدعى المؤسسة الدينية لكى تقوم بدور فى صد الجائحة. وظل الهدف المعلن متمثلا فى كيفية السيطرة على المؤسسة الدينية لكى تؤدى دورها فى خدمة السياسات المعلنة. ولأن تلك الدائرة تحديدا ظلت مجال التنافس بين المؤسسات الثلاث فإن ذلك استصحب حضورا دائما وتنافسا مستمرا بينها فى نسج العلاقة مع المؤسسة الأمنية. ولم يكن مبدأ العلاقة هو مجال التنافس، لأن الجميع حرصوا عليها، وإنما ظل التنافس دائرا حول حدودها ومداها. والمتابعون لأنشطة المؤسسات الثلاث وجدوا أن حضور الأمن فى وزارة الأوقاف ودار الإفتاء ظل أقوى منه فى مشيخة الأزهر. إن شئت فقل إن علاقة الأزهر اتسمت بقدر من الاحتشام بدرجة أو أخرى فقد ظل لها سقف فرضته خصوصية المشيخة سواء برمزيتها فى العالم الإسلامى، أو بتاريخها الممثل أو بوجود هيئة كبار العلماء التى ضمت بعض القامات العلمية الرفيعة إلى جانبها. أما الأوقاف ودار الإفتاء فقد ظل تتنافس كل منهما مع الأزهر بلا سقف. فضلا عن أن مرجعيتها باتت محصورة فى المؤسسة الأمنية. وفى الوقت الراهن فإننا نشهد توافقا بين وزارة الأوقاف ودار الإفتاء فى مواجهة مشيخة الأزهر. وأكرر هنا أن المؤسسات الثلاث لم تخرج من عباءة الأمن، إلا أن التنافس ظل دائرا حول موقع كل منهما تحت العباءة. إذ فى حين ظلت الفتاوى شبه اليومية التى تصدر عن دار الإفتاء حاضرة إلى حد الذوبان فى السياسة الأمنية. فوزارة الأوقاف أدركت أن مجال الدعوة ومنابر المساجد هى الساحة التى يمكن أن تزايد فيها على الأزهر وتسبقه فيها. وكان موضوع تعميم الخطبة المكتوبة من نماذج ذلك السباق الذى تفجر فى العلن أخيرا. وما كان لذلك أن يحدث لولا أن الوزير الذى عمل فى مكتب شيخ الأزهر قبل تقلده الوزارة، وجد مساندة أمنية قوية لموقفه جعلته يجهر بالتحدى ويتعامل باستعلاء مشهود مع قرار هيئة كبار العلماء فى الموضوع. فضلا أن رجاله عمدوا إلى التلويح للمعارضين بتهمة الأخونة، الأمر الذى يعد من قبيل البلاغ الأمنى الذى يهدد بتدمير حياة المعارضين وإلقائهم وراء الشمس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل