المحتوى الرئيسى

د. الحملاوي صالح يكتب: المواجهة مع الظل الإنساني - الفيومية

07/31 17:17

الرئيسيه » رأي » د. الحملاوي صالح يكتب: المواجهة مع الظل الإنساني

من أشهر النماذج المتداولة في علم النفس نموذج نافذة جوهاري (The Johari Window) المسمى على اسم العالمين اللذين كوّنا هذا النموذج عام 1970 وهما (Harry Ingham and Joseph Luft)، والذي يوضح أربعة مستويات مختلفة لمفهوم الذات أو النفس: وهي النفس المرئية أو الظاهرة، النفس غير المرئية، النفس المخبأة، والنفس المجهولة.

وتقسّم نافذة جوهاري مفهوم النفس إلى أربعة أجزاء بناءً على مدى ما هو معروف للنفس (المفهوم الخاص)، وعلاقتها بما هو معروف للآخرين (المفهوم العام)، وتختلف مساحة كل جزء حسب إدراكنا الذاتي لعلاقتنا مع الآخرين وتقديرنا لمدى إدراكنا الشخصي لأنفسنا، ومدى انفتاح أنفسنا على الآخرين، ونموذج نافذة جوهاري يقدم إحدى الطرق لمفهوم الذات وعلاقة الفرد مع الآخرين، ويوضح مدى انفتاح الفرد أو ما يسمح به  في الانفتاح على الآخر مما يساعد على فهم تطور العلاقة مع ذاته والآخرين.

المستوى الأول هو النفس المرئية: وتحتوي على معلومات معروفة للنفس، وكذلك معروفة للآخرين، حيث إنها متاحة للاطلاع ولإمكانية المشاركة. والمساحة في هذا الجزء تكون صغيرة في بداية تعرفنا على الآخرين، ثم تتسع مع مرور الوقت حينما نسمح بمشاركة أكثر عن معلوماتنا الشخصية مع الزملاء والأصدقاء، وهذا الجزء من ذاتنا هو القناع الذي نرتديه ونظهر به أمام الآخرين، وهو لا يعبر عن حقيقة شخصيتنا.

ويمثل المستوى الثاني النفس غير المرئية: وتسمى أيضاً النفس العمياء، وتحتوى على معلومات يعرفها الآخرون، ولكنها غير معروفة للشخص نفسه. فمثلا عند تفضيل أحد الأبناء لدى الأب يظهر ذلك لاشعوريا في سلوك الأب ويكون هذا السلوك غير معروف للأب برغم ادعائه معاملة الأبناء بالمساواة، إلا أن  الزوجة أو الابن  أو غيرهم يدركون ذلك.

والنفس المخبأة: هي المستوى الثالث من نافذة جوهاري، ويحتوى هذا الجزء على معلومات شخصية وخاصة جدا لا نسمح بمشاركتها مع الآخرين، فهي إذا معروفة لنا وغير معروفة للآخرين، حيث إن الآخرين لا يمكنهم الاطلاع على مكنونات النفس إن لم نسمح لهم بالاطلاع عليها، ويسمي كارل جوستاف يونج عالم النفس السويسري هذا الجزء من ذاتنا باسم الظل، وكل منّا له ظل ممتلئ بكل ما نقوم به من أفعال نخجل أن يعرفها الآخرون ، هذه الأعمال نقول عنها بلغتنا الدراجة “ربنا سترني وأنا مفضحش نفسي”، والمواجهة مع الظل أمر ضروري لوعي الذات، ولا يمكننا أن ننمي أنفسنا إذا كنا لا نعرف الظل لدينا.

 وأول شيء يتعين علينا القيام به من أجل البدء في رؤية الظل لدينا، هو تحمل المسؤولية 100٪ عن حياتنا. وهذا أمر من الصعب جدا القيام به، ولا أحد يفعل هذا بين عشية وضحاها، لذلك علينا أن نتحلى بالصبر مع أنفسنا، فمصيرنا هو من صنع أيدينا وما يدور في داخلنا سوف ينعكس في سلوكنا في كل وقت.

ويأتي الجزء الأهم والأخير من النافذة :النفس المجهولة، التي تحتوى على معلومات غير معروفة للنفس وغير معروفة للآخرين، وتقبع هذه المعلومات والحوادث التي تعرضنا لها في اللا شعور ومن الطبيعي كبت أو تجاهل بعض المعلومات عن النفس, وفي نفس الوقت لا يتمكن الآخرون من إدراكها، وهذه النفس المجهولة يسميها فرويد Freud اللاشعور، أو اللاوعي، حسب مدرسة التحليل النفسي، وهي أهم منطقة سيكولوجية نستطيع بموجبها أن نفهم سلوكنا سواء منها السوي أو الشاذ، وفي الأحوال العادية تكون مساحة هذا الجزء صغيرة وربما لا يمكن الاطلاع عليها إلا من خلال العلاج النفسي أو التدريبات النفسية مثل البرمجة اللغوية العصبية (NLP).

ولننظر معا كيف أن القراءة تساعدنا في رؤية الظل لدينا ومواجهته، يقول جورج طرابيشي في مقالته “ست محطات في حياتي” المحطّة الـــــــرابعة ، جاء دور فرويد. “وقصتي مع فرويد بدأت بواقعة لا تخلو من طرافة، فبعد أن تزوجت وصار عندي بنتان كنت كلّما جلست إلى المائدة لآكل الطعام، أمسك برغيف الخبز- عندنا فـــي سوريا الخبز العربـي، وهو غير دارج في  معظم  البلدان العربية الأخرى- فلا أجد نفسي إلا وأنا  أقطّعه من أطرافه لاشعورياً وزوجتي وابنتي قاعدتان أمامـــي على المائدة تأكلان، وكنت لا أستطيع منع نفسي من تفتيت الخبز حتى عندما يكون معنا على المائدة  ضيف، كانت زوجتي تقول لي بلهجتها الحلبية: عيب يــا جورج، النّاس يشوفوك، وبناتك يتعلموا هالعادة، وحتى عندما يكون عندنا ضيوف علــى المائدة يرونك تفتِّت  الخبز قدّامهم هكذا!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل