المحتوى الرئيسى

وائل خورشيد يكتب: الترامبية الجديدة | ساسة بوست

07/31 11:29

منذ 1 دقيقة، 31 يوليو,2016

غاب عن العالم منذ عشرات السنين تأسيس وزرع مصطلحات جديدة لتعّرف فكر ما أو حالة ما في دولة معينة، غابت تلك الأفكار مع ظهور مصطلحات مثل العولمة والانفتاح، أصبح معها يصعب جدًا أن يتكون نظام ما منغلق على نفسه، يؤسس ستالينية أو ناصرية أو نازية أو أي من تلك المسميات التي كانت لها فترة من تاريخ العالم تلتها حروب عالمية، فككت العالم وأعادت إنشاءه من جديد.

عقب تلك الحروب المتتالية نشأ مصطلح جديد والمعروف باللغة الإنجليزية «world new order» أو النظام العالمي الجديد، والذي يتربع على قمته الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن + 1، وتتربع على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

نظام العالم الجديد هو نظام منفتح، به شركات متعددة الجنسيات تكاد تسيطر على حكومات ودول، أصبحت فكرة تكوين منهج فكري وبثه وزرعه من الصعوبة بمكان نظرًا لحركات المصالح المختلفة، فلا يمكنك أن تنطق بلفظة كذا، لأن فلان قد يضار وبالتعبية سوف يحدث انهيار في مكان آخر، شبكات من العلاقات والمصالح بنيت حول العالم بشكل أصبح مؤثرًا جدا، فالأزمة المالية في أمريكا تكون أزمة على العالم أجمع، الشبكة العنكبوتية باتت وسيلة للتجارة حول العالم، حتى أنه أصبح هناك عملة خاصة بتجار هذا العالم وهي«البتكوين».

ربما لم يكن هناك شخص معين أو فكر لمكان معين من العالم مسيطر، ولكن كانت الهيمنة الأمريكية على العالم واضحة، وظهرت تجلياتها في شعوبنا العربية وبما نعرّفه نحن بـ«عقدة الخواجة»، كما ظهرت تداعياته حتى على الغرب أنفسهم، وتحدث كثيرون عن هذا الأمر، ولكن في النهاية يظل اتجاه دولة بالكامل وليس فكر واحد، وكان من بين ما كان من الأمور المسيطرة لهذا الكيان العملاق المسمي بأمريكا، اعتبار الدولار العملة الأولى والرسمية المتداولة في العالم أجمع، أصبح العالم قابعًا تحت سيطرة كيان ضخم مترامي الأطراف. ليس فقط بأراضيه المعروفة والموضحة بالخرائط، ولكن أيضًا ببصماته وقواعده في كل مكان من العالم. كيان عملاق، عنكبوت ضخم طوق العالم بين يديه.

ويحتاج هذا الكيان الضخم لإدارة حكيمة، فالدولة التي تنفق 650 مليار دولار على ميزانية التسليح – وهو ما يفوق أربع أضعاف أقرب منافسيها – بالتأكيد هي قنبلة موقوتة، لو لم تتوفر لها إدارة على نفس القدرة والمستوى سيكون العالم، بل بمعني أدق الكرة الأرضية كلها مهددة بالزوال.

في ظل هذا العالم المنفتح الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها الدولة الراعية للديمقراطية والحريات في العالم، يعيش مجتمع بالأساس مكون من جنسيات وأعراق مختلفة، من اللاتينين والأسيوين والأفارقة، مجتمع يمثل عالم مصغر، تغيب عنه فكرة القبلية أو العائلات الكبيرة، عبارة عن أسر متفككة، وربما هذا الأمر هو ما ساعد على النمو ومنع الانقسامات والصراعات الداخلية بعد انتهائها قديمًا، ويعود الفضل في ذلك لإدارة هذا المجتمع المتفرق بما يحقق أهدافه ويستغل قدراته بالشكل الأمثل.

وعلى مدار  تاريخ الإدارات المتعاقبة على حكم الولايات المتحدة وتعاملهم ونظرتهم للعالم، كان الجميع ينتهج سياسة خارجية متشابهة، هدفها واحد ولكن ربما تختلف وسائلها، أحيانًا كانت تتسم بالعنف المفرط وأحيانًا أخرى بغير ذلك، ولكن في النهاية كانت تتزين بشكل ديمقراطي.

ولكن ظهر أخيرًا مرشح محتمل، بل يكاد يكون المرشح الأكيد للحزب الجمهوري، الذي يعمل بأسلوب جديد يختلف بشكل كبير عن إسلوب الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأمريكية، وهو المرشح «دونالد ترامب» رجل الأعمال الأمريكي، وعن غير قصد يؤسس أسلوب ترامب وفكره – الذي لا يبدو من خلاله أنه يفكر كثيرًا –  ونظرته الضيقة للعالم والدولة التي من المزمع أن يرأسها.

نظرة ترامب هي نظرة تجعل أمريكا أقرب للانحسار، فالقومية التي يريدها قطاع كبير من الشعب الأمريكي والتي يمثلها ترامب هي في النهاية لا تتماشى مع مسار الدولة الأمريكية، فهي معادلة صعبة أن تكون دولة منفتحة على العالم، في الوقت الذي تكون القومية والعداء شعارها الأول.

المصطلح الذي نبتدعه الآن، وربما لا يكون مقبولًا من الجميع وكل له أسبابه، وهو مصطلح «الترامبية الجديدة»، قد يجد له صدى فيما بعد، ونعني هنا بالترامبية الجديدة أسلوب فكر ضحل عدائي من شخص يقفز على رأس السلطة مستغلًا الكراهية ويخالف مسار العالم بل وسيتسبب في صدام كبير مع نظام العالم.

وبرغم كون الترامبية الجديدة تتماشى مع شكل العالم الحالي، إلا أنه ليس من المفترض أن يكون السير فيها هو المطوب، فالعالم يتجه أكثر إلى العنف والتطرف والإرهاب والخراب، وأصبح العنف يسكن القلوب في كل مكان في العالم، الجماعات المسلحة منتشرة في العالم وتحظى بأفضل لحظات تاريخها، ولكن لا يصح أن يقبع فوق هذا العالم الملتهب شخص من نفس جنسه، شخص يرعى التطرف، ويوظف له دولة وقانون، وأسلحة قادرة على قسم الكرة الأرضية لشطرين.

بالتأكيد ما يفعله ترامب وتصريحاته التي يطلقها هنا وهناك، ما هي إلا تعبير ذكي منه عن الحالة النفسية لقطاع عريض من المواطنين الأمريكان، وبالتأكيد هي دعاية انتخابية لا تتجاوز الحناجر، ولكنها ما زالت احتمالات ومؤشرات قوية على فكر هذا الرجل، العديد من السياسيون والسيناتورات وصناع القرار وحتى أعضاء الحزب الجمهوري نفسه يرون ترامب شخصًا بلا خلفية فكرية سياسية، ولا يصلح أن يكون رئيسًا، والكثير صرح بهذا علانيةً وهو أمر لا يخفى على أحد، ولكن الحقيقة أنه يمثل هوى المواطن الأمريكي.

في مكان آخر من العالم القومية انتصرت حينما صوت الشعب البريطاني من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو أمر لم يكن ليحدث من قبل، حركة اللاجئين والصراعات الحادثة في الشرق الأوسط وتنامي الجماعات الإرهابية في كل مكان من العالم، جعلت المزاج العام يريد العودة خطوة للوراء، لالتقاط الأنفاس، وهي الخطوة التي يسمونها القومية، ولكن قديمًا القومية كانت مقترنة بفكر، أما الآن فالترامبية هي مجرد نتيجة حتمية لعالم ملتهب.

ترامب الذي ينوي أن يجعل سفارة أمريكا في القدس، ضاربًا عرض الحائط بمجلس الأمن ودول العالم أجمع، ونضال الشعب الفلسطيني، والذي صرح بأنه سيمنع المسلمين من دخول أمريكا، وغيرها الكثير من التصريحات التي توضح أنه شخص تصادمي، لا يمكن أن يؤتمن جلوسه على عرش العالم.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل