المحتوى الرئيسى

هل يذكر فيل السيرك خبز القامشلي؟

07/30 21:37

نعم كانت القامشلي من أجمل المدن في المنطقة، وكانت حلم الجميع بالعيش فيها مدينة تحمل في صدرها قلب بلدة، تجمع على صدرها الناس من كل الأديان، والقوميات، والبلدات والقرى، تعيش فيها حراً وكأنك في مدينة كبيرة، لكن بشعور الأمان والألفة التي تعطيها لك البلدات والقرى الصغيرة، نعم كانت تجمع الثقافة،

والمعرفة، بالإضافة للطيبة المتناهية. تستطيع أن تكون سعيداً فيها سواء كنت من حملة الشهادات الجامعية، أم تاركاً مقاعد الدراسة منذ الصف الثاني سواء كنت فقيراً، أم غنياً، الجميع سيكون صديقاً لك وسيحبك، حتى سميت "مدينة الحب".

لكن أهدافي في أن أسكن فيها وأنا ابنة خمس سنوات كانت مختلفة، كنت أرغب بالإقامة قرب الفيل اللطيف! وزيارته وإطعامه الخبز. وكبرت وأنا أحلم بالسكن في تلك المدينة الحلم فهي المدينة التي نؤمها قبل العيد لشراء ثياب العيد، وقبل رأس السنة لشراء بطاقات المعايدة والهدايا البسيطة التي سنهديها لأصدقائنا، ودوماً نلتقي بأحد أقاربنا أو أصدقائنا في السوق الطويل لنقف قليلاً ونتحدث بسعادة، نعم كانت هذه المدينة تبعث على السعادة ولا أعرف لماذا كنت أحب أن آخذ تذكاراً بعد كل زيارة، بطاقة بريدية، خاتم فضي، مجلة فنية، وكأن المدينة هي من تهديني إياه.

أما ما حدث الآن بعد أكثر من خمسة عشر سنة مرت على آخر زيارة لي للمدينة، قامت أمس بصفعي بقوة لتسألني: أين أضعت الخاتم الفضي الذي أهديتك إياه؟ أين المجلة التي اشتريتها لك؟ أين بطاقتي البريدية التي لم تبعثيها حتى الآن؟ أين قلبك؟ لقد بكيت أمس لم تبكِ عيناي، بل كان قلبي من بكى، كانت خيمة السيرك الذي حلمت بها تلك الليلة، بألوانها المشرقة وكل ساكنيها بمن فيهم الزرافة، قد تمزقت وانهار الجدار الإسمنتي الذي كان يحوي صديقي الفيل، لقد مرت شاحنة الموت لتدمر تلك البقعة بمن فيها وضاعت آلاف الأحلام والأمنيات بين النار والبارود، تَيَتَّم الأطفال، وترملت النساء، وثكلت الأمهات، وبكى الرجال! وربما كان الصغير الذي أعطاني قطعة خبزه بينهم! أصبح الآن رجلاً وها هو يركض هنا وهناك ينقذ الأطفال العالقين تحت الأنقاض، ليقدم لهم الخبز الساخن في آخر هذا النهار الدامي، خبز القامشلي الحزين على الذين رحلوا دون وداع.

سؤال: لو يرى فيل السيرك ذاك ما حدث لمن أطعمه من خبزه يوماً، أكان سيعاود أكل الخبز مرة أخرى؟ إنه ليس مجرد سؤال!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل