المحتوى الرئيسى

محمود عبد السلام يكتب: الانفصال من أين وإلى أين | ساسة بوست

07/30 18:27

منذ 12 دقيقة، 30 يوليو,2016

لو حاولنا إجراء تقييم للحركات الانفصالية، ومصيرها على مر الزمان والمكان، سنرى أن في وجود خلاف جوهري بين فئتين، أو أكثر، تعيشان في نفس المنطقة، ودب بينهما خلاف متصاعدة حدته، لدرجة تفشل فيها الحلول السياسية، والسلمية، بينما أي من الطرفين غير مستعد لتقديم تنازلات، فحل الخلاف يكون بالحرب!

والحرب نتيجتها: إما تغلب طرف على الآخر، ويسود حكمه، و«يمشي كلامه»، وتستمر الحياة، ثم ينطوي الخلاف بمر الزمن، واختلاف الأجيال أو يظل منتظرًا تحت الرماد؛ ليبعث من جديد، أو أن يكون ميزان القوى شبه متكافئ بين الأطراف المتصارعة، فلا أحد ينتصر، وتتحول إلى حرب أهلية مهلكة للحياة، ومدمرة للبلد، وباعثة إياها سنين للوراء، قد لا تعود منها أبدًا.

الأمثلة على ذلك كثير، ولعل من أول حروب التوحيد هي حروب الملك «مينا» في مصر القديمة، والتي سطرت عهدًا جديدًا للحضارة الفرعونية في التقدم والازدهار، أمثلة أخرى قريبة هي حروب «صلاح الدين» ضد أمراء ممالك الشام؛ لبناء دولة قوية، وجيش قادر على محاربة «الصليبيين»، وبعد عصر المماليك جاء «محمد علي» ليحكم مصر، ولم يستطع بناء دولة مصرية قوية، وجيش وصل به إلى حدود أوروبا الشرقية، إلا بعد أن تخلص من باقي أمراء المماليك، فيما يعرف بمذبحة القلعة، ووحد البلد تحت قيادته.

في تاريخ بدايات الدولة الإسلامية، فالأمر للقتال أتى لسيدنا «محمد» صلى الله عليه وسلم، بعد أن أصبح العيش في سلام مع مشركي قريش غير ممكن؛ لرفضهم دعوته، ورفضهم حرية نشر الدعوة، ومحاربتهم له.

وبعدها حرب الخليفة «أبي بكر» رضي الله عنه، وبعدها محاربة الخليفة أبي بكر الصديق لمانعي الزكاة، كانت لأنهم عصاة للدولة، مارقين؛ فقاتلهم حتى استسلموا له، بالرغم من أنهم مسلمون موحدون بالله. الأمثلة كثيرة لحروب التوحيد في العالم، وفي أغلب الأوقات؛ فالمنتصر يخلد في التاريخ على أنه البطل، وبعد انتصار طرف من الأطراف يعم السلام، وتتهيأ فرصة للازدهار، ولعل أكبر مثال معاصر هو انتصار «إبراهام لينكولن»: محرر العبيد، في الحرب الأهلية بالولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت بعدها أمريكا خطواتها في الزعامة الدولية.

لم تزل مشكلة الأقليات المطالبة بالانفصال قائمة في عصرنا الحالي، منها ما بدأت بعض الدول، مثل بريطانيا، مناقشته بطرق سلمية متحضرة: باجراء الاستفتاء في اسكتلندا، ومنها ما لم تزل دول أوروبية ترفضه بشدة، مثل مطالبة سكان «مقاطعة كتالونيا» بالانفصال في إسبانيا.

بغض النظر عن طريقة التعامل مع مطالب الانفصال أو الاختلاف بين سكان نفس البلد، فمن المؤكد أن أفضل حل يمكن أن تحصل عليه، هو التوصل لاتفاق سلمي، مثل الاستفتاء، أو فرض رأي بالقوة على الطرف الآخر، وأسوأ حل يمكن أن يحدث هو نشوب عراك متساوي القوى، يؤدي إلى حرب أهلية مدمرة، مثل الحال في سوريا، وليبيا والعراق، والتي، حتى وإن انتهت فقد تترك البلد تائهة لفترة كبيرة من الزمان، مثلما الوضع في لبنان. ولعل صراعات «دارفور» أمثلة قريبة، وتصفية معتصمي «رابعة»، ولم يزل القتال بين الأكراد والدولة التركية حتى الآن مستمرًا. الواقع هو أن الإنسانية لم تصل إلى ما وصلته الآن من تحضر، إلا عبر مجازر سوداء، ومن الأمم من يتعلم، ويفضل السياسة، والاتفاق، ومنها من لا يتعلم، ويفضل القوة لحل النزاع، وفي بعض الأوقات تكون القوة الباطشة هي أفضل الحلول السيئة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل