المحتوى الرئيسى

صندوق النقد.. تاريخ من الضغوط على الدول

07/30 20:46

أنشئ صندوق النقد الدولي عام 1944 بواسطة 36 دولة، من ضمنها مصر، بهدف مساعدة الدول الأعضاء فيه على تجاوز الأزمات التي تواجهها، لا سيما في عجز ميزان المدفوعات, لكن مساهمة الولايات المتحدة بالنسبة الأكبر بنحو 18% جعلها تطوع الصندوق لخدمه أهدافها الخاصة في جميع الدول، عبر فرض شروط يراها اقتصاديون مجحفة، وقد تسببت في انهيار عدد من اقتصادات الدول أبرزها تونس والمكسيك الذي كشفت أهداف الصندوق السياسية.

وتتضمن شروط الصندوق الأساسية لتمويل الدول: تخفيض النفقات الحكومية، وتقليص الخدمات الاجتماعية للمواطنين، ورفع الدعم عن مواد أساسية وغذائية، وزيادة الضرائب على المواطنين، وتحرير العلاقات التجارية، لا سيما إلغاء الرسوم الجمركية، وتحرير حركة رؤوس الأموال، وخصخصة مؤسسات القطاع العام، وتخفيض سعر العملة الوطنية، وتعويمها، وإلغاء الدعم عن سعر المحروقات، وتشجيع الاستثمار الأجنبي.

وتعد عملية "درع البيزو" والتي تمت عام 1994 في المكسيك مثال قوي على الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي في حماية مصالح الرأسمالية خارج حدودها الوطنية.

فبينما كانت العملة المكسيكية (البيزو) على وشك الانهيار، وكان هناك حوالي 50 مليار دولار أمريكي مستثمرة في أسهم وسندات حكومية مهددة بالضياع إذا انهارت العملة المكسيكية، مما أجبر صندوق النقد الدولي على التدخل بشكل حاسم لحماية مصالح المستثمرين الأجانب في المكسيك، فقام بإصدار قرار استثنائي، وبمخالفة للقواعد المعمول بها في الصندوق، حيث قدم قرضًا قيمته 17.7 مليار دولار، ووصل هذا القرض إلى 50 مليار دولار بمساعدة بنك التسويات الدولي والحكومة الكندية، ويعد هذا من أكبر القروض المقدمة في التاريخ دفعة واحدة، وبعد إنقاذ الاستثمارات الأجنبية في المكسيك ترك الصندوق الاقتصاد المكسيكي يتهاوى.

ولم تستطع الأرجنتين تلقي هذا الدعم الذي حصلت عليه المكسيك من صندوق النقد الدولي لدى انهيار اقتصادها ونظامها السياسي عام 2002، بل على العكس طالب صندوق النقد الدولي الحكومة الجديدة بعدم إهمال حقوق الدائنين ووضعها في الاعتبار في أي خطط إصلاحية.

وتفاقم القروض التي تحصل عليها دول العالم الثالث من البنك الدولي، وخصوصا الدول العربية عرضها لكثير من الضغوط القاسية ووضع إمكانية حرية الحركة الاقتصادية والسياسية لها تحت القيود الناتجة عن المنح والقروض، التي تحصل عليها من البنك الدولي ومؤسساته, مما أدى بالبعض إلى الدعوة لإنشاء صندوق نقد عربي.

وتأثرت تونس بقروض صندوق النقد الدولي، وفقًا لعدد من الباحثين الاقتصاديين، مما تسبب في انتفاضة الخبز في عهد الرئيس بورقيبة بسبب زيادة بنسبة 100% في أسعار الخبز, ثم انقلب زين العابدين عليه، واستمر في استكمال سياسات صندوق النقد، وقام بخصخصة عدد كبير من الشركات وتسريح العاملين في القطاع العام، والقضاء على الرقابة على أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، ورفع الحواجز التجارية التي أمر بها البنك الدولي، الأمر الذي أدّى إلى إثارة موجة من حالات الإفلاس.

وبدأت مصر في تطبيق شروط صندوق النقد الدولي للحصول على نحو 12مليار دولار على مدار 3 سنوات، وذلك منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، حيث رفع الدعم عن البنزين وقام بزيادة إيرادات وتمرير قانون الخدمة المدنية لتخفيض الهيكل الإداري، وإقرار قانون ضريبة القيمة المضافة.

وقال حسام الغايش الخبير اقتصادي، إن صندوق النقد الدولي غير من سياسته التفاوضية مع الدول لتجنب التصادم مع الشعوب، بسبب إجراءاته الإصلاحي القاسية التي لا بد أن يتأثر بها الشعوب، حيث قام بالتفاوض مع مصر منذ شهور دون الإعلان عن ذلك ليترقب ما إذا كانت الحكومة ستنجح في فرض هذه الشروط أم لا.

وأضاف لـ "المصريون"، أن أهداف صندوق النقد الدولي السياسية والاقتصادية ستظهر عبر كيفية استخدام الحكومة لقيمة القرض، وهل سيتم توجيه هذه القيمة البالغة نحو12 مليار دولار، إلى زيادة معدل الإنتاج عبر استثمارات حقيقية أم ستُوجه هذه الأموال إلى القطاع الاستهلاكي واستنفادها في سداد أقساط الديون الخارجية وضبط أسعار الصرف، كما أن اكتمال وضوح شروط الصندوق فيما أنه سيكون له دور وتدخل في سياسات الدولة العامة أم سيكون دوره الإشراف فقط على تنفيذ البرنامج الاقتصادي الذي ستقدمه الحكومة ويوافق عليه الصندوق.

وأكد الغايش، أن تعويم الجنيه سيكون أمرًا ضروريًا لقبول الصندوق للبرنامج الإصلاحي المصري، مما يعني أن هناك أثرًا وشيكًا سلبيًا على أرض الواقع من جراء هذه السياسات التي ستتطلب أيضا تخفيض المصروفات الحكومية.

وعن تأثر الشارع المصري بشروط صندوق النقد حتى قبل تطبيقها، أرجع «الغايش» هذا التأثر إلى ضعف الجهاز الرقابي للدولة والمتمثل في جهاز حماية المستهلك وخطأ سياسة الحكومة في الإعلان عن فرض ضرائب جديدة دون تنشيط هذا الجهاز الحيوي، وفرض رقابة سابقة على الأسواق حتى لا يشعر المواطن البسيط بالذعر.

من جهته، قال محمد الدشناوي، خبير أسواق المال، إنه فيما يتعلق باشتراطات صندوق النقد الدولي للموافقة على القرض الدولاري، فلن تكون كبيرة خاصة ونحن نسير بها الآن والمتمثلة في رفع الدعم التدريجي عن الطاقة ورفع الدعم عموما، ولكن المشكلة الأكبر ستتعلق بمطالبته بتعويم الجنيه، الذي أصبح أكثر ألم للمصريين، وأيضا غياب العدالة الاجتماعية بسبب تراخي الحكومة وتقاعسها لحد كبير في هذا الملف، لذا سيجعل من إجراءات الصندوق وشروطه قاسية على المصريين.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل